إقرار المزيد من الأمتيازات لأعضاء البرلمان أثلج صدورنا
تترتب على أعضاء البرلمان العراقي واعضاء الحكومة العراقية المنبثقة من أعضاء البرلمان او من خارجه حقوق وواجبات ومسؤوليات وهذا امر طبيعي مألوف لا يحتاج الى تعليق .كان لنا امل كبير في ان نشترك في انتخابات حرة ديمقراطية وينبثق برلمان يحقق مصالح الناخبين من المواطنين الذين اوصلوهم الى مبنى البرلمان .
لكن ماذا حدث للتجربة العراقية الديمقراطية ؟
الذي حدث ان اعضاء البرلمان ـ وهم في الغالب من الأحزاب الطائفية يغلب عليهم الخطاب الديني السياسي ـ وأعضاء الحكومة تحصنوا في معاقلهم في المنطقة الخضراء وكل منهم شكل له قوات حراسة شخصية لتأخذ هذه القوات أشكال ميليشيات ، وباتت الصراعات بينهم تتأجج من أجل المناصب والمكاسب ، وغاب عن ذاكرتهم اسم شعب يعرف بالشعب العراقي .
المواطن العراقي لا يريد الأنقلاب على البرلمان اوعلى الحكومة ولا يطمح الى مناصب عالية في السلك الحكومي ، إنما كانت انتخابهم لهؤلاء السادة كي يحققوا لهم :
الأمان والأستقرار، توفير الطاقة الكهربائية الضرورية للحياة المعاصرة ، الغاز والبنزين الماء العذب الضروري لحياة البشر ، الصرف الصحي للمياه الثقيلة ، ايجاد أعمال للعاطلين عن العمل ، إكساء الشوارع وتبليط الطرق ، الأهتمام بالأطفال والتعليم ،العناية الصحية ، وغيرها من اأمور الخدمية الطبيعية الأعتيادية التي تقوم بها كل الحكومات من الدول المجهرية مثل ساو تومي في افريقيا واصغر دولة في العالم وهي نورو 10000 نسمة مسحتها 2 , 21 كيلومتر مربع الى الدول مثل الصين والهند ، ومن نيوزيلندة في اقصى الجنوب الى بلاد الأسكيمو واسلندا في الدائرة القطبية الشمالية فإن الحكومات تقوم بخدمة شعوبها وتؤدي واجبها مقابل الراتب الذي تتقاضاه من ميزانية الدولة ، باستثناء حكومتنا التي تخدم نفسها وتحافظ على منطقتها وتصدر القرارات لمزيد من المكاسب لأعضائها .
والمناقشات التي تدور في اروقة البرلمان العراقي والحكومة معظمها يدور حول تحقيق المكاسب والمناصب للجهات العليا في مؤسستي الحكومة والبرلمان ، أما المناقشات والحوارات حول تقديم الخدمات الضرورية للشعب اصبحت في خبر كان .
واليوم نقرأ خبراً يفيد بأن مجلس الرئاسة العراقي وافق على قرار جديد يمنح بموجبه رئاسة واعضاء البرلمان امتيازات أخرى . ونص القرار ان يتمتع رئيس مجلس النواب ونائباه بكافة الحقوق والأمتيازات التي يتمتع بها رئيس الوزراء ونائباه فيما يتمتع عضو البرلمان بكافة الحقوق والأمتيازات التي يتمتع بها بها الوزير في جميع المجالات المادية والمعنوية .
كما وافق مجلس الرئاسة على منح رئيس وأعضاء البرلمان وجميع افراد اسرهم جوازات سفر دبلوماسية ( موقع اخبار ) .
والسؤال يأتي في محله : وماذا عن جوازات سفر العراقيين ؟ هي تسلم لهم بتلك السهولة التي يحصلها اعضاء البرلمان العراقي ؟ ولماذا تتفق الحكومة العراقية مع سوريا لكي تفرض التأشيرة على العراقيين الفارين من العراق ، هل استقرت الأوضاع في العراق ؟
إنها معضلة كبيرة حينما تغدو الحكومة عاجزة عن حل مشاكل البلاد ، وتلجأ الى إصدار قرارات فيها المزيد من المكاسب لأعضائها في قمة الهرم التنظيمي المتمثل في الحكومة والبرلمان .
ومن جميل الصدف ان أقرأ مقالاً للكاتب خالد القشطيني في جريدة الشرق الأوسط يقول فيه :
ان الملك فيصل الأول كان في زيارة للندن وأراد ان يشتري سيارة لاستعماله الشخصي ، لكن ما يملكه لا يكفي لشراء سيارة جديدة فقرر النزول الى مستوى السيارات المستعملة ، ووجد سيارة مارسيدس ( سكند هاند ) وبعد كثير من المساومة اتفقا على السعر ، ومع ذلك وجد الملك فيصل انه غير قادر على تسديد الثمن ، واقترح على المعرض بيعها له بالتقسيط ، ولكن صاحب المعرض لم يسبق له ان باع بالتقسط لشخص أجنبي ، فسأله هل عندك كفيل في هذا البلد يكفلك ؟
فطرح الموضوع على وزارة الخارجية البريطانية لعلهم يجدون له كفيلاً وفعلاً وجد حلاً لمشكلته ، فاشترى السيارة بالأقساط وكتب في العقد :
المشتري : فيصل بن حسين
المهنة : ملك
العنوان الدائم : البلاط الملكي ، محلة الميدان ، بغداد .
الكفيل : وزارة الخارجية البريطانية
وعندما وصلت السيارة المستعملة الى بغداد كان يوماً حافلاً بهيجاً من الأيام القليلة البهيجة التي ذاقها المغفور له في حياته .
اما المرحوم نوري السعيد الذي كان رئيساً للوزراء 14 مرة فإن زوجته ظلت تعيش بقية عمرها على مبلغاً زهيداً خصصته لها الحكومة البريطانية ، وابنته انتهت حياتها في دار للرعاية الأجتماعية في بغداد .
كيف نقارن الأمانة والأخلاص والحرص على اموال الدولة ومصلحة الشعب في تلك الأيام ، بما نشهده اليوم من التسابق والتصارع والتقاتل من اجل براميل النفط ، والأستحواذ على ثروات الشعب ، وإبقائه في خانة الشعوب الفقيرة .
إن مشاكل الحكومة هي كامنه بها ومنها لأنها حكومة مبنية على اساس طائفي يمزق وحدة البلاد وتهادن الميليشيات التي تعمل على زعزعة الأمن في البلد وتهمش دور الحكومة ، فتصبح ( الحكومة ) جهازاً مشلولاً لا خير يرجى منه .
لا أدري أين تقف الحكومة والبرلمان من متطلبات الحياة الأساسية للمواطن العراقي . وكما هو معروف يكافئ الأنسان في وظيفته حينما يقدم خدمة مميزة لشعبه ، وسؤالنا ماذا قدم البرلمان والحكومة العراقية للشعب : هل قدما الأمن والأستقرار ؟ الجواب كلا ! والدليل هو الفرار الجماعي والهجرة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ العراقي ، كما ان العراق في مقدمة الأمم في تفشي الفساد الأداري والمالي ، ثم ياتي غياب او ندرة الطاقة ان كانت كهربائية او وقود السيارات ، وانعدام خدمات الصرف الصحي والعناية الطبية وصعوبة الحصول على جوازات سفر والى آخره من القائمة الطويلة .
في العهد الملكي كان للشعب مشاكل اساسية ومنا الغلاء ، والحكومة بدورها بادرت الى تسعير بعض المواد بضمنها الفواكه والخضر وبادر الصحفي العراقي سعيد ثابت ( إن لم تكن الذاكرة قد خانتني ) الى نشر نص برقية الى الحكومة العراقية في جريدته الساخرة حبزبوز يقول فيها :
تسعيركم الشلغم أثلج صدورنا .
وبدورنا نقول لكم يا اعضاء البرلمان الف مبروك على المكاسب الجديدة ، وإن حصولكم على المزيد من الأمتيازات أثلج صدورنا .
حبيب تومي / اوسلو
habeebtomi@yahoo.com