إنسانيتنا ترفض أن يستأسد أحدا على أصالتنا
من النصائح ألتي أسداها الفيلسوف الأشوري أحيقار الحكيم لأبناء عصره قوله باللغة السريانيه (لا كرشت إيذا مناشوخ), والتي تعني ( لا تسحب يدك عن أهلك), و تحوي المقوَله ضمن ما تحويه من معان عميقة تتعلّق بتاريخ علاقات وإنتماء كل ما يدبّ على الأرض , و براهين تأثيرات وفاعليّة هذا القول موجودة بكثرة في صفحات تاريخ مجتمعات الكائنات الحية و نتائجها في حاضرنا , وما إمكانية النسل الحياتي في تغلّبه على موانع الطبيعة رغم قساوتها من أجل الحفاظ على إستمرارية الأجيال إلا دليلا قاطعا على درجة تحدّي الكائن الحي لتقلبات الأزمنة و عناده إزاءها من أجل أن يبقى وأن تتبعه أجياله بإنتظام , فلولا بقاء القرد على سبيل المثال, قريبا من صنفه و ملازما إياه وشحاميا له لإنقرض , وهكذا الحمار (أجلّكم الله) لولا إصراره على إنجاب ذريّته والحفاظ على صفة صنفه بإتقان حصرا عن طريق مجامعته مع الإتان لما بقي لصنف الحمير اي ذكر في الوجود , و الدجاجة هي الأخرى لما إستطاعت الإكثار من صنفها والحفاظ عليه لو لم تتعنّى مهمّة إحتضانها بيضها معتكفة أسابيع عدّة إلى حين تفقيس البيض وخروج صغارها الى نور الدنيا, وهكذا طلع النخيل ونبات الإسفنج....... وإلخ , كل هذه النماذج الحياتيه تؤكّد بأنّ لعنصر حب الأنا للحياة دور تقني واضح في إظهار عشق الكائن للحياة ورغبة تواصل حلقاتها , و لتحقيق هذه الرغبة (المشروعة) يتطلب من الجميع الحفاظ كلّ على صنفه ومستقبل ذريته , و لولا إلتجاء الكائنات بأجمعها على انجاب ذريتها حبّا منها للعيش اللذيذ لما بقيت الانواع والاصناف,انه سر البقاء نولد من خلاله ونموت من اجله وهذه هي القوانين العظمى للطبيعه.من ضمن جماليّات الكون ألتي حبانا بها الله ومنحتها له الطبيعه هو وجود الإنسان حاله كحال المخلوقات الأخرى ,لكنّ ملكته العقليه التي ينفرد في درجتها هي التي ميّزته عن البقيه , و تمايزه عن بقية الكائنات يتجسّد حين يظهر لنا في الصورة مثابرا وحاملا هموم تحقيق طموح البقاء الصالح وأمنيته الساميّه في توريث القيم والمعاني الراقية لأحفاده وأسلافه , وتلك الرغبات بحسب قناعته تشكّل جوهر طموحاته ألتي غالبا ما كانت سببا يزّج به في صراعات متجدده ومتشعبه قاوم على جبهاتها المتعدده شراهة الطامع فيه كلّما أراده كوجبة غداء دسمة له , أو نوى إستلاب ما يتمتع به من إنتمائيه اصيله وسمات فاضله , وأساليب تحقيق هذه الشراهة تتعدد طبقا للزمان والمكان , منها عملية تفريغ ذاكرته أولا من كل تلك العناصر ألتي تمنحه شعور الفخر بموروثه الذي حازه عن الابوين في حال إنجابه , وبعد إتمام عملية التفريغ تلك تعاود محاولة حشو ذاكرة هذا السلف بالجديد المزيّف , بينما الابوين (الذكر والأنثى) اللذيّن بذلا كل ما في وسعهما من أجل العيش الكريم ومن أجل ترك بصماتهما المشهودة للأجيال كي ترعاها وتطورها , كانا بالضرورة قد إلتقيا وإشتركا في حبهما لهويتهما وإعتزازهما بها للحد الذي دفعهما غريزيا إلى التفكير السليم في كيفية ضمان نقل الأمانة إلى أجيالهما بالشكل الشرعي المعهود , ولتحقيق ذلك لايمكنهما إيجاد سبيلهما الناجع إليه سوى عبر إلتزامهما الخلقي والأخلاقي بما ورثاه من مسؤوليه تاريخية و بإحترام الوعد الضرورة الذي أبرماه بينهما لاحقا .
بعد هذه المقدمة , أقول والحديث حول واقع ومستقبل شعبنا البيثنهريني , بأننّا ك(كلدواشورييونسريان), بعد أن كنّا زينة تاريخ الأرض و بهجة ألهة سمائها و ملائكة نجومها لقرون عديده , قد أدخلنا أنفسنا اليوم طواعية ليست فقط في قفص إتهام الناريخ وملامته المريرة لنا, بل إنّ بؤس حاضرنا ألذي يعبث فيه البعض بات ينبذ فينا إستشراء ظاهرة التميّع المزاجي والإنحباس الفكري العبثي التي كانت إحدى أهم أسباب إنقراض العديد من الأجناس الحياتية.
تاريخنا البيثنهريني بصفحاته المتلوّنه والملوّنه وبسلبياته وإيجابياته , يخبرنا الكثير حول متانة شخصية ذلك الإنسان السوي الذي عاش دهره البيثنهريني قويا متحديّا في شموخه خصومه في الطبيعه والبشرية على حد سواء, حيث تقص لنا الوثائق بأنه عندما كانت تحلّ أية كارثة أو نذير بوقوع أي خطر محدق على المجموع , كان يُعَد ذلك حافزا غريزيا يُجبرها رغم مشاكل إختلافها في صلوات معابدها أو تنافسات إرواء مزارعها أو مشاجرات داخل بيوتاتها ليدفعها الحدث الطاريئ نحو الإلتفاف حول بعضها البعض من أجل درء الخطر الخارجي, أي أنها كانت تضع مشاكلها الداخلية مهما كانت ضخامتها جانبا , وتكف عن إجترار الخلافات المنزلية والدينية والإقتصادية لتمنعها من أن تكون سببا في فتح منفذ يدخل من خلاله الغريب إلى عقر فناء المدينة, لكن ومن خلال ما نعيشه في عصرنا هذا, يبدو من الواقع الذي نحن جزء منه بأن أقواما أخرى قد إستفادت الكثير من تاريخ تجاربنا في وضع مشاكلها جانبا والتفرّغ بشكل جماعي حول رسم مستقبل أجيالها , بينما إبن عمّي و ابن قريتي وكنيستي لا زال مشحونا يتصارع ضدّي وكأنني أنا الذي سلبت منه حقه وتاريخه وإستحوذت على أرضه .
ألذي أرهق جسدنا و عطّل عقلنا على مدى السنين القلائل الماضيه , هي التنابزات والتراشقات التي خيّمت وحصرت كوابيسها على أجواء بيتنا الداخلية , وقد تألّق البعض في هذا المجال مأسوفا عليه حينما إنهمك بصب الزيت فوق النار تاركا ألأبواب مشرعة لكل من هبّ ودبّ , وعلى الجانب الأخر وفي الناحية الساخنة نسمع أصوات الجموع المسكينة في أرض أبائنا وأجدادنا تنادي بألم وحسرة أن كفانا لهوا بالقيل والقال داخل البيت, حاجتنا الحقيقية اليوم هي الكف عن هذه الثرثرة الداخليّة المقرفه , وحاجتنا الأكثر إلحاحا هي إلى العقل (السياسي والديني) النيّر الذي بإستطاعته فقط أن يُخرِجنا وهذه المعركة الفاسدة والمُفسِده من داخل بيتنا الذي أصبحت جدرانه أكثر هزالة من الورق المبلّل بينما كانت ديوانيّات قرانا وأديرتها وكنائسها ملاذا لكل من سعى اليها معوزا يطلب الحماية او العون والأكل, نعم نريد الخروج بإنساننا الذي عُرِفَ عنه إقتداره اللامتناهي وإنتشاله من غياهب عبث الجدالات الفاهيّه ومطالبته بالنزول إلى ساحة العمل الحقيقية حيث العطاء والتضحية ونكران الذات والسهر هي المطلوبة, منصب وزير هنا او فنادق الخمس نجوم هناك و رزم الأوراق الخضراء و بطاقات السفر المجانيّة لم تعد تُحسب في مصاف الإنجازات القومية النظيفة , ولا هي بمبعث إعتزاز لأي أحد منّا و أرباب مثل هذه الفعائل ليسوا بخافين على أحد,ونتمنى أن لايكون هؤلاء الروّاد من ضمن الذين ساهموا في صب الزيت على نار الثرثرات داخل بيتنا كي ينفردوا في عرض ما تبّقى لدينا في سوق النخاسة .
يقول أحدهّم في معرض تهجمّه وهو يختتم أسطره ناصحا الجميع كي نصلّي صلاته وعلى طريقته , لكنّه يجهل بأننا نعرف جيدا حين بادر للصلاة والصوم فعلها فقط لأمر كان يأمله , وحين قضاه فما صلّى وما صاما!!, أقول للأخ بأنّ صلاتنا تختلف يا سيدّنا المصلّي ,لأننا نؤديّها في معابدنا المتواضعه,نذهب مشيا على أقدامنا , وفي لغتنا الأصيله , وعلى حصران من صنع أيادينا , وكاهننا نحن من ينتخبه لإدراة حشدنا في صلاة الجماعة.