إن مَن يخـون ابناء قـومه لا يستحـقّ الحـياة
أتـذكر وأنا في الصف الرابع الابتدائي قـرأ لنا معـلمنا الألقـوشي ( المرحـوم الأسـتاذ جـرجـيس زرا ) قـصة عـلى ألسنة الطيور من كـتاب المطالعة العـربية عام 1958 . كان يقـرؤها بإيقاع مؤثـّر مفـعـم بالحـيوية ، والحركات الانفـعالية ترتسم عـلى وجهه ، أما قـلـْـبُه فـكان ينضح حُـباً لنا وقال : أراد صياد أن يصيد نوعاً من الطيور فـلم يفـلحْ ، فاشترى طيراً مشابها وهـو داخل قـفـصه (بعـد أن كان قـد وقع في الأسر) ووضعه عـند شبكة صيد مُحكـَمَة النصب ، فإذا اقـتربتْ منه الطيور يسحـب الصياد حـبلَ الشبكة لتطبق عـلى الطيور في داخـلها ، وانتظر بعـيدا والحـبل بيده وهـو يراقـب المكان المفـخـّخ دون أن يراه أحـد . أخـذ الطير يغـرّد من داخل قـفـصه ( بخـيانة لا تقـبل الشـك ) ويدعـو رفاقه إليه لقاء حـفـنات متعـفــّـنة يُـقـدّمها له صائده مما يتـناثر من مائدته ، فجاءت الطيور الأخرى نحـوَه فـشاهـدتـْه أسيراً داخـل قـفـصها الجـميل واقـتربتْ منه بهـدف اطلاق سراحه من الأسر ( لأنه إبن قـومها ، ثم هـذه هي الأصالة عـندها ) وفي تلك اللحـظة سحـب الصياد الحـبل فانتـفـضتْ الشبكة وأطبقـتْ عـلى باقي الطيور بداخـلها وأحـدثتْ ضجة وتصاعـد الغـبار بكـثرة فجاء الصياد منـتعـشاً ومتـبخـتراً ، وأمسك بالطيور واحـداً فـواحـداً ووضعها داخـل القـفـص مع الطير الأول . وعـندها صارت الطيور تـنـقـرُ رأسَ الطير الأول بمنقارها حـتى مات ولكـن بعـد فـوات الأوان ، ولما جاء الصياد ورأى المشهـدَ الحـزين قال : إن الطير يستحـقّ الموتَ فعـلاً ، فـمن يخـون ابناء قـومه لا يستحـق الحـياة . إن هـذه القـصة القـصيرة تــُذكـّرني بقـصة أخـرى عـنوانها : من يغـير جـلده يستحق الموت قـرأتها في مجـلة ( شـراغا ) الغـرّاء الصادرة في ألقـوش والتي قـدّمها لي صـديق في سـدني ، وإليكم ما جاء في تلك القـصة :يحكى أن صياداً ماهـراً قال لزوجـته يوماً : لستُ مكـتفـياً بصيد الغـزلان والأيائل عـن طريق قـتـلها بل أريدُ مسكَها وهي حـية . فـعـزم عـلى ذلك واصطاد أيلاً كبيرا فـسلخ جـلده وغـطـّى به جـسمه وتظاهـر وكأنه أيلٌ ووقـف عـند جـدول ماء تأتي الغزلان والأيائل لترتوي منه . ولما جاءت هـذه إلى الماء رأتْ هـذا الأيل الكبير (الذي بداخله الصياد) ولم تأبه به ظـناً منها بأنه واحـد مِـن جـماعـتها . وقـبل أن تقـترب إليه كثيرا كان هـنالك في الجانب الثاني من الجـدول صياد ثان وبيده بندقـيته مخـتـفـياً بين الأحـراش . فـلما رأى ذلك الصياد قـطيع الأيائل لفـتَ انتباهه الأيل الكبير فـرماه بطلقـتين ناريتين وأرْداه قـتيلاً ، فـفـرح وامتلأ غـبطة لصيده هـذا وهَـرْوَل إليه ليحـمله ، ولكـنه تفاجأ حـين عَـلـِم بأنه قـتل إنساناً . وقـبل أن يسلـّم القـتيل روحَه ، شرح لصائده غايته من إرتدائه جـلد الأيل ، فـردّ عـليه الصيّـاد بقــَولِه الحـكـيم : إنّ مَن يُغـيّر جـلده يستحـقّ طلقـتين ناريتين في قـلبه .
واليوم ونحـن نـتذكـّر ماضينا وكـيف تعَـلــّـمْـنا مِـن أساتذتـنا ، لابـدّ وأنْ نقـول لأنفـسـنا : ربما نحـن لم نسـتـفـدْ ، ولكـن قــُرّاءنا أفـضل منـّا فـقـد تــَشَـرّبوا مِـن حِـكـَم وأقـوال وقـصص آبائـنا وإرشادات أجـدادنا الذين هُـم مفـخـرة لـنا ، ولابـدّ وأن أصبحـوا حُـكـَماء بما يكـفـيهم لتوجـيهـنا نحـن البُسـطاء لأنـنا حـين لا نرى أمامنا ، تـنحـرف ُخـطواتـنا وتـزلّ أقـدامَـنا ونـتيه طـريقــَـنا ، تـُرى ! هـل يـبخـلوا عـلينا فـيغـضّوا النظر عـنـّا ويتركـونـنا في متاهاتـنا ؟ أهـذه هي ثـمرة جـلساتـنا ، و مَـوَدّة لقاءاتـنا ، وأصوات قــَهْـقـهاتـنا ؟ ثم ! ألــَمْ نـتبادل الـ NaCl والنشـأ عـلى الموائـد المشتركة بـينـنا ؟ أين العـيون المتلألـئة التي كـُـنـّا نـتـراشـق منها نظراتـنا ؟ والأكـفّ الحارة التي كـنا نـتصافـح بها ؟ هـل كـنا غافـلين ولا ندري بـبعـضنا ؟ فإن كانت هـكـذا ! فـتـلك مشـكـلتـنا ، وإن لا ، فـنحـن المُـخـطـئون عـلى أرضـنا ، ولكـن نؤكـّد بأنـنا لم نـُخـطىء بحـقّ سمائـنا حـيث لمْ نغــَـيّر جـلدنا وهـذا يكـفـينا رفـعة الرأس لـنا .