Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

احتمالات الحرب الأهلية في العراق

سبق وكتبت عدة مرات، أن واحداً من أهداف الإرهاب المستمر في العراق، منذ سبع سنوات حتى الآن، إثارة الفتنة الطائفية في العراق، وإشعال نار الحرب الأهلية في العراق. وهي الحرب الكفيلة بتدمير العراق لسنوات طويلة، كما حصل في لبنان (1975-1990) الذي ما زال يعاني من تداعيات وآثار تلك الحرب الأهلية، حتى الآن.



حقيقة علينا أن نعترف بها

وسواء أغضب الكلام التالي كثير من القراء، أو نال رضاهم، فالحقيقة أن القوات الأجنبية في العراق، وفي مقدمتها القوات الأمريكية، كانت بمثابة صمام الأمان والمانع النافع، في وجه الحرب الأهلية. وأمريكا بكل بساطة، قامت بمحاربة الإرهاب في العراق ما أمكنها ذلك، ودفعت مئات المليارات من الدولارات، وخسرت أكثر من 4400 جندي، لكي تُبعد العراق عن شبح الحرب الأهلية المدمرة. ولعل هذين الرقمين، هما أكبر رقمين في التاريخ البشري، دُفعا للحيلولة دون نشوب حرب أهلية.

ففي الوقت الذي تُرك فيه لبنان عام 1975 لنار الحرب الأهلية، دون جهود عربية أو غربية، للحيلولة دون نشوب الحرب الأهلية اللبنانية، في الوقت الذي ساق فيه التاريخ والظروف السياسية المختلفة، أمريكا وبريطانيا لغزو العراق ولإسقاط النظام البائد، وللحيلولة دون نشوب حرب أهلية نتيجة لذلك. فقد كان من المتوقع نشوب الحرب الأهلية العراقية بعد سقوط النظام البائد، الذي كان يتسلح بالسيف السُنّي، ويقطع به رؤوس الشيعة، ورؤوس السُنَّة والشيعة الأكراد كذلك.



فرصة ذهبية ضاعت

وهنا نستطيع أن نقول بأن العراق – لسوء خطير في نُخبه السياسية – أضاع على نفسه فرصة ذهبية ثمينة لبناء العراق الجديد، أثناء وجود القوات الأمريكية طيلة السنوات السبع الماضية.

فبدل أن يتفرَّغ السياسيون العراقيون لبناء العراق الجديد وإرساء قواعده المكينة، راحوا يتسابقون على نهب ثرواته والهروب بها خارج العراق، فقالت "منظمة الشفافية الدولية" إن الفساد الذي شهده العراق طوال السنوات السبع الماضية لم يشهده التاريخ البشري كله.

وبدل أن يقوم السياسيون العراقيون بتدعيم الديمقراطية الوليدة في العراق، والاعتناء بهذه الفسيلة الجديدة التي حرص الأجانب على غرسها في العراق ثم تعميمها في كافة أنحاء العالم العربي فيما لو نجحت التجربة العراقية، راحوا يتنافسون على الكراسي، ويئدون الديمقراطية بآليات ديمقراطية (صناديق الاقتراع) كما قال المفكر الكويتي خلدون النقيب، في كتابة "آراء في فقه التخلف".

وتلك الفرصة التاريخية الذهبية، لن تتكرر للعراق ولا لغير العراق من الدول العربية.

فمن هي الجهة أو الدولة القادرة على دفع تلك المئات من مليارات الدولارات، والتضحية بآلاف الجنود لزراعة فسيلة الديمقراطية في العراق، وحمايته من نشوب حرب أهلية، ومحاربة الإرهاب فيه، وقيام الجنود الأمريكيين بتدريب الجيش ورجال الأمن العراقيين، والقيام بخدمات مختلفة.



احتمالات الحرب الأهلية العراقية

تُجمع كتب التاريخ البشري، على أن الحروب الأهلية تنشب في بلدان يكون فيها جماعات مختلفة من السكان. وكل جماعة ترى في الجماعة الأخرى عدوها البارز، وترى أنها الأحق في تولي مقاليد الحكم، والاستئثار بالسلطة. كما تُجمع كتب التاريخ البشري على أن أسباب الحروب الأهلية قد تكون سياسية، أو طبقية، أو دينية، أو عرقية، أو إقليمية، أو مزيجاً من هذه العوامل. وكادت الحرب الأهلية العراقية أن تنشب بعد سقوط النظام البائد لأسباب سياسية منها:

1- سيطرة السُنَّة على مقاليد الحكم والجيش والأمن، ومحاولة الشيعة استعادة هذه المقاليد والسيطرة على أجهزة الجيش والأمن.

2- عدم حسم العراق لنفسه، هل هو دولة عَلْمانية تفصل بين الدولة والدين؟ أم هو دولة دينية يتولى شؤونها رجال الدين، كما هو الحال في إيران، وهو ما يرغب به جزء كبير من أحزاب العراق الشيعي كما يرغب به جزء آخر من أحزاب العراق العربي السُنّي؟ أم أن العراق لم يحسم أمره بعد، في هذين الخيارين، ويحتاج الى وقت كافٍ لحسم هذين الخيارين؟

3- أن من طبيعة الحروب الأهلية أن تنشب بعد سقوط نظام سابق، سيما وأن النظام العراقي السابق، كان يمثل فئة دينية معينة فقط، وهم العرب السُنَّة.

4- ما زال معظم العرب ومنهم العراقيون، يميلون الى العنف في حلِّ خلافاتهم، وخاصة السياسية منها. ومن يقرأ الجزء الخامس بقسميه الأول والثاني، من كتاب المفكر الاجتماعي علي الوردي "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث"، يُدرك بما لا يدع مجالاً للشك، أن المجتمع العراقي - كأي مجتمع عربي آخر - ما زال مجتمعاً بدوياً صحراوياً بعلاقاته مع الآخر خاصة، حيث القوة والعنف هما الوسيلتان الناجعتان للحصول على المُراد، وتحقيق الهدف.

عوامل تحول دون نشوب حرب أهلية

ليس العراق في كوكب آخر غير الأرض، ولم يعد معزولاً عن العالم ومجريات السياسة منذ عام 2003. وأهميته الاقتصادية والثقافية والجغرافية والتاريخية تُجبر الدول العظمى على الاهتمام به اهتماماً كبيراً. والضمانة الكبرى في العراق، ضد نشوب حرب أهلية، تتأتى من علاقة العراق علاقة وثيقة ومفصلية بأمريكا، رغم الانسحاب العسكري الأمريكي الأخير من العراق، والذي لا يعني شيئاً كثيراً في ظل الانتشار العسكري لأمريكا في الخليج، أرضاً، وجواً، وبحراً. والقوة العسكرية التي غادرت العراق بالأمس، يمكنها أن تعود إليه في أيام معدودة – إذا دعا الداعي - لتحول دون نشوب حرب أهلية بين الأطراف المتنازعة. زيادة على ذلك، فإن الأطراف المتنازعة والمؤهلة لحرب أهلية، تعلم علم اليقين، بأن لا رابح مضموناً في هذه الحرب، في ظل سيطرة قوى إقليمية سُنيّة وشيعية على القرار العراقي.


Opinions