Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

استحداث المحافظة في سهل نينوى: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة

بالعودة مرة أخرى إلى الاستحقاق القومي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري القاضي باستحداث محافظة له في مناطق من سهل نينوى إلى جانب المكونات الأخرى المتعايشة فيها من الشبك والإيزيديين والكورد والتركمان والعرب، وما إذا كان هذا المطلب قائما على أسس دينية طائفية قومية تقود إلى عزل (المسيحيين) أو تجميعهم أو استقطاعهم عن منظومة المجتمع العراقي، أم أنه حق إداري يكفله الدستور.



نستهل الحديث بالإشارة إلى أن اللقاءات الأخيرة لوفد تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا في بغداد مع عدد من القوى السياسية والكتل النيابية وممثلي المكونات القومية والدينية كانت خطوة مهمة على هذا الطريق، وعادت بجملة من الإيجابيات يمكن تلخيصها بالآتي:



أولا: إطلاع هذه القوى السياسية والكتل النيابية المؤثرة في صناعة القرار في العراق الجديد.. على حقيقة الواقع الجديد بانتقال أحزاب وتنظيمات شعبنا إلى مرحلة توحيد الخطاب والعمل القومي المشترك من خلال تجمع التنظيمات السياسية الذي يضم معظم هذه الأحزاب والتنظيمات الفاعلة في الوطن، وبالتالي إسقاط ورقة التفرقة والتشتت والانقسام التي كانت بعض هذه القوى تبرزها في تعاملها مع قضايا شعبنا من خلال أحزابه وتنظيماته.



ثانيا: عرض مطلب استحداث المحافظة بشكل واضح ودقيق من خلال شرح وتوضيح أساسه الجغرافي الإداري الاقتصادي المنسجم مع مواد الدستور العراقي.. بعيدا عن أية أسس أخرى قومية أو دينية ضيقة، وسنعود إلى شرح هذه النقطة مجددا أدناه.



ثالثا: الوقوف على المواقف الحقيقية لهذه القوى، المؤيدة منها لهذا المطلب.. أو الراغبة في المزيد من البحث والدراسة والحوارات، أو المتحفظة عليه أو الرافضة له، وما يحدده ذلك من رسم الخطوات المقبلة.



وإذ نعود إلى أسس هذه المحافظة.. نجدد القول على أنها ليست محافظة مسيحية قائمة على أساس ديني، ولم يتبن تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا هذه التسمية في أي من بياناته ومذكراته الرسمية، ولا هي محافظة لعزل المسيحيين أو تجميعهم في منطقة واحدة، وليس في الأمر انفصال أو تقسيم أو تقوقع أو استقطاع أو تفكيك أو تمزيق للنسيج الاجتماعي، هذه قراءة قاصرة للأمر. فالمطلب إنما هو مسعى تطويري يتعلق بأبناء هذه المناطق تحديدا، وهو حق إداري دستوري تكفله المادة 125 التي تضمن الحقوق القومية والإدارية والثقافية لمكونات الشعب العراقي، كما هو الحال مع حق أبناء القضاء الفلاني المطالبين منذ فترة بجعله محافظة، أو مطالبة أبناء المحافظة الفلانية بجعلها إقليما.



إن المسيحي القاطن في مدينة الموصل مثلا.. سيبقى فيها طالما التزمت الحكومة العراقية المركزية والحكومة المحلية في المحافظة بتوفير الأمن والأمان والخدمات الأساسية وفرص العمل والعيش الكريم له كما لباقي أبناء المدينة من مختلف المكونات القومية والدينية الأخرى، وكذلك الحال مع المسيحي الذي يسكن كركوك أو بغداد أو ميسان أو البصرة.

فهو مواطن عراقي شأنه شأن باقي المواطنين، وكل ما يرجوه ويـأمله هو نجاح الحكومة المركزية والحكومات المحلية في المحافظات والمدن التي يقطن فيها.. في ترسيخ الأمن والاستقرار وفرض سلطة القانون والقضاء على الفساد والطائفية والمحسوبية، وتوفير الخدمات وفرص العمل والعيش بكرامة وطمأنينة له وللجميع على أساس المواطنة، ليبقى في مدينته ومسكنه وعمله وحياته اليومية.

أما منطقة سهل نينوى، فقد كانت منذ زمن النظام البائد حتى اليوم، منطقة مهملة تفتقد لأية مشاريع تطوير أو نهوض بالبنى التحتية، إلى جانب سياسات التهميش والإقصاء لأبنائها في مختلف المجالات.

ولما كانت هذه المنطقة تقف على عوامل كثيرة كالكثافة السكانية وتجاور البلدات والمساحة التي توزاي مساحة محافظات عراقية أخرى، والموارد غير المستغلة والكفاءات والكوادر بمختلف الاختصاصات، فإن استحداث هذا التشكيل الإداري سيخدم مكونات هذه المنطقة من الكلدان السريان الآشوريين والشبك والإيزيديين وباقي المكونات على حد سواء، ويساهم في تطويرها وازدهارها، بعد أن يخصص لها من الموازنة المالية والتعيينات الإدارية، من الحكومة العراقية المركزية، ما يخصص لكل محافظة في ميزانية الدولة.

وبمعنى آخر.. وبدلا من أن يكون التوصيف الإداري لهذه المناطق عبارة عن قضائين وعدد من النواحي والبلدات والقرى الواقعة في منطقة صراع وخلاف بين طرفين أو أكثر.. لا هذا يوليها الاهتمام المطلوب ولا ذاك، يكون هذا التوصيف محافظة عراقية بهيكلية إدارية وميزانية محددة، دون أن تكون بالضرورة معزولة أو منفصلة عن المنظومة الجمعية الاتحادية للعراق، ذلك أن امتداد وتواصل أبنائها مع باقي العراق سيبقى قائما ومكفولا كتحصيل حاصل طبيعي كما باقي المحافظات، وسيكون الأمر في ذات الوقت خطوة مهمة من خطوات معالجة نزيف الهجرة المدمر.

ثم ما هي المشكلة إذا صار العراق يتكون من تسعة عشرة محافظة أو عشرين أو حتى اثنتين وعشرين ضمن الوطن الواحد بدلا من ثمان عشرة محافظة.. طالما أن الأمر إداري اقتصادي يتعلق بالتوسع السكاني والعمراني وتطوير البنى التحتية وتحسين الخدمات، مثلما إنه أمر مكفول في الدستور العراقي!!.

وإذ يقول قائل، في محاولة لدحض هذا المطلب: إن (المسيحيين) لا يشكلون سوى 30 % من مكونات السهل، فإن هذا القول يأتي في صالح هذا المطلب تأكيدا على أن المحافظة ليست (للمسيحين) فقط، إنما للشبك والإيزيديين الذين يشكل كل منهم نسبة مقاربة لهذه النسبة، وبذلك تزيد نسبة هذه المكونات عن الـ 90 % في هذه المناطق يُضاف إليهم الأخوة الكورد والتركمان والعرب، ويُصبح هذا الأمر أيضا مستوفيا لشروط ومواد الدستور في استحداث المحافظة لهذه المكونات.



وبعد هذا كله، فإن من يصر على أنها محافظة مسيحية، ويسميها هكذا.. ويبني موقفه على ذلك، فهو إما أنه لا يزال يفتقد المعلومة الصحيحة وحقيقة الواقع على الأرض والمعطيات الحقيقية لهذا المطلب.. ولم يخض في كل تفاصيله، فيبني موقفه هذا على أساس سطحي قائم على العاطفة والنوايا الطيبة أو ما سمعه من هنا وهناك. أو أنه يعرف الحقيقة لكنه يحرفها بقصد أو من دون قصد، فيضع نفسه ضمن مفهوم المثل المعروف: (إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم)، أو يصبح رديفا لذلك الذي لا يرحم.. ولا يسمح لرحمة الله أن تنزل على عباده.



قد يكون مفهوما أن تعترض بعض القوى العراقية من خارج أوساط شعبنا على هذا المطلب والحق الدستوري المشروع، إما لأنها لم تزل تعيش حالة الفوبيا كنتيجة طبيعية لترسبات ثقافة الزمن البائد الذي يفرض هاجس الخوف والتوجس من الآخر سياسيا وقوميا، أو بحجة عدم ملائمة الأجواء السياسية، أو لأن هذه القوى تنظر إلى الأمر لا من زاوية مصلحة شعبنا في وطنه.. بل من زاوية مصالحها هي بحسب أجنداتها وآيديولوجيتها وانتماءاتها القومية والطائفية والفكرية والحزبية. لكن الغريب أن نطالع أسماء وعناوين من أوساط شعبنا.. لم نشهد لها حضورها أو تأثيرا أو تمثيلا لشعبنا وقضاياه وطموحاته في الساحة العراقية، تحاول عرقلة تحقيق هذا المطلب بحجج شتى، ومن ذلك إقحام بعض الرئاسات الكنسية الموقرة في الأمر إقحاما غريبا، بينما تعلم تماما أن رأيا لأحدى الرئاسات الجليلة لا يمثل بالضرورة رأي كل الكنائس الأربعة عشرة الرسمية المقرة في العراق والتي لكل منها رئاستها المستقلة دون تكون جميعها مرتبطة بمرجعية واحدة، مثلما تعلم أن موقفا ما قد يكون واقعا تحت ضغط قوى سياسية متنفذة، وإن الرئاسات الكنسية الجليلة تدرك تماما أن الكنيسة هي مجموعة الناس المؤمنين، وأنه ومن دون السعي لاتخاذ إجراءات سياسية وإدارية تحفظ وجود وحقوق شعبنا في العراق، فإن نزيف الهجرة المستمر سيفضي إلى واقع مرير ومصير مؤلم خلال المدى القريب أو المتوسط!!.



الخلاصة: إن شرح وتوضيح الأسس الجغرافية والإدارية والاقتصادية والدستورية لمطلب استحداث المحافظة في مناطق من سهل نينوى للمكونات المتعايشة فيها ينبغي أن يكون الآن قد خطى خطوات طيبة، تليها خطوات أخرى متصلة يتم إنجازها من قبل تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا على المدى القريب، من بينها استمرار توعية ما تبقى من أبناء شعبنا بأساسها وضرورتها، ومواصلة الحوار مع الأخوة من المكونات الأخرى في السهل ومؤسساتهم المختلفة، وتشكيل لجنة مشتركة معهم بهذا الشأن كما أشار زميل عزيز في مقال له عن نفس الموضوع قبل فترة، مع مواصلة توضيح الأمر لما تبقى من القوى السياسية الفعالة على الساحة العراقية، على أن يلي ذلك بداية المرحلة الثانية من العمل على تحقيق هذا المطلب والحق الشرعي الدستوري.. والمتمثلة بالنظر في الأطر القانونية والتشريعية لها، وما يتضمنه ويعقبه من إجراءات، وإلا.. وفي حال إجهاض هذا الحق، مع استمرار وتظافر التداعيات المترادفة الأخرى للمرحلة الحالية ضمن واقع وظروف أبناء شعبنا، فسيبقى السبيل هو المهجر والشتات، ولن يبقى من كنائسنا ومقار أحزابنا ومؤسساتنا في الوطن إلا الأطلال. ومن يرغب في هذا المصير.. فليصر على أنها محافظة مسيحية!!!. وستكون لنا عودة إلى الموضوع.



Opinions