الأب يوسف حبي والكنيسة وعمى الألوان
بمناسبة ذكرى رحيلك السادسة أخي• طبعاً ستبقى أخي الى ما حييت ، وستكون معلمي مهما تقدمت ، وشمعة في طريقي إن ظللت ، نم قرير العين يا أستاذي وصديقي لأنك خلقت جنود مجهولين يدافعون عن القيم والمبادئ وإلتزام بالثقافة الواقعية الحية التي آمنت بها ، ومن خلال تأسيسك لكلية بابل والفلسفة واللاهوت ، بوضعك حجر الأساس بلمساتك السحرية في جذب الطلبة ومحبي العلم والمعرفة من بيوتهم ومعاملهم ومحلاتهم ومدارسهم ، ليصبحوا نواة الكلية ومعهد التعليم المسيحي ، ولنا الشرف أن نكون من ضمن هذه النواة الى تخرجنا في 1995 ، وطالبنا بنشر أسماء الوجبة الأولى وما يليها في مقالنا عن ذكرى وفاتك الخامسة بعنوان " الأب يوسف حبي والثقافة وكلية بابل " المنشورة في معظم مواقعنا الألكترونية في 15 / أكتوبر / 2006 ، ولكن بدون جدوى وجواب ! هل تعرف لماذا يا أخي ؟ لأنهم يريدون طمس جزء من التاريخ ،وهذا ليس بجديد ! أرادوا أن يسلبوا منجزاتك وأنت في القبر لينسبونها الى أنفسهم ، أفرح ونفرح معك لأنهم لحد الآن يهابونك كما كانوا في كل مناسبة ،وخاصة في مؤتمر 1995 ، الذي انت بحق مهندسه ومخرجه ، لا يهابون عضلاتك لأنك كما هو معروف قصير القامة لكن طويل الصبر والأناة ، خفيف الوزن لكن ثقيل العلم والمعرفة ، قليل الأخطاء كثير العطاء والرفاء ، صغير الرأس كبير المخ ،سريع البديهية ، كثيرالرجاء ، ورجوان الأمل ، ورجيح العقل ، في كل موقف أتذكرك سيدي وأقول : ماذا كان يعمل حبي لو كان حياً ؟ والله كنت ستصول وتجول بين الداخل والخارج لتشرح قضيتنا للرأي العام العالمي ، ها هم قسم من زملائك يقومون بواجباتهم على أكمل وجه ، ولكن ، كنت تلتقي مع السني والشيعي قبل الاثوري والسرياني وحتى الكلداني ، كنت لا تغمض عينيك وشعبك يموت من الأضطهاد والقتل والخوف والأرهاب ، كيف كنت تنام وانت شبعان وشعبك حوعان ، كيف كنت تنام في التدفئة والتبريد والموائد العامرة وشعبك ينام عريان وعطشان الى كل شيئ ! وخاصة ان طلبتك يدرسون على ضوء الشمعة أو الفانوس ، هل كنت تنتظر أن يطرق بابك فقير أو محتاج وتنهره ! وحسابك في البنك بآلاف الدولارات ، سيأتي يوم الحساب : " فمن أين لك هذا "؟ هل كانت كنيستنا قد وصلت على ما هي عليه الان ؟ نتصور مواقفك وكتاباتك كما لو كنت بيننا وعليه نتصرف ! ،،،،، وهكذا سيدي يهابون علمك وثقافتك ، تصور أردنا تخليد ذكراك لتكون قريب من طلابك فامتنعوا بحجة القانون ! أي قانون ! لا يوجد !!!! أردنا توثيق انجازاتك ومؤلفاتك وكتاباتك وقدمناها على طبق من ذهب " عن طريق صديق يعمل في المكتبة الوطنية " ولحد الان ننتظر، " مع الاسف " ، حتى كلمات رثائك المقدمة من محبيك الكثيرين استولوا عليها على اساس نشرها موحدة في نشرة وكراس ، وكالعادة " عدم الصدق " ، إذن من حقهم أن ينسوا ذكرى رحيلك في 14 - 15 / ت1 / 2001، هذا اليوم المشؤوم الذي خسرنا فيه واحد من ألمع النجوم الساطعة في سماء الكنسية والعالم ، قد سقط بيد الغدر والخيانة ،نذكر ما قلناه قبل سفرك بحضور الاخ والاستاذ ماهر " مدرس اللغة الانكليزية في الكلية وآخرون " ، نعم سيدي لقد حذرناك من هذه السفرة وخاصة ان السينودس قد انقضى ، ولكن قلت بالحرف ليسمعه العالم : انني جندي أفدي نفسي لكنيستي ،الله على الوفاء ، الله على التضحية بالنفس لحد الموت ، وهكذا كان أيها الشهيد العزيز ، نعم خسرنا أحد رجال العلم والمعرفة ، من نوادر الفلاسفة المسيحيين في التاريخ الحديث ، لا تحزن سيدي ، كما فعلوا مع المرحوم المطران توماس ، هكذا أرادوا لك الموت ، ولكن تمادوا أكثر في تشويه سمعتك ، وتناسوا ان العصا في اعينهم أكبر بكثير من القذا في عينيك ، ونسوا ولم يعملوا حسابهم أن للتاريخ لسان ! وعاشوا تلك اللحظة التي استدرجوها الى حضرة السفير البابوي لتقديم افادتها ،الله على هذه الروحية " العالية " ! كل هذا من أجل ماذا ؟ الجواب نعرفه نحن ويعرفه الكثيرون ونترك الباقي لله والتاريخ ، هكذا تعلمنا وعلمتنا ، انه السماح والتسامح والحب الحقيقي والروحية المسيحية الحقة ، نعرف انهم مصابون بمرض عمى الألوان الذي أشرت اليه في الخلجة 22 من خلجاتك التي لا تنسى ، والتي تؤكد فيها على ثلاث مواقف :
• الموقف الأول - هو القائل أنا وحدي المحق وصاحب الحقيقة ، المهم رأي ،طائفتي ، مذهبي ، ديني ، وأنا وبس ، وحزبي ، وكنيستي فقط ، وليذهب الاخرون ومن ليسوا معي الى الجحيم وبئس المصير - أصحاب هذا الموقف لا يفرقون بين الاسود والابيض ، وبين الاحمر والاخضر ، انه عمى الالوان من الدرجة الاولى ، موقف بداوة ، قرارات طفولية ، اختلاط الامور مثل الطفل: فطري وإتكالي ، لا يتحمل المسؤولية ويحملها على غيره .
• الموقف الثاني - يقول الكل على حق - ولا فرق بين ابيض واسود - متملق ، مع القوي ، مع الدولارات ومن يدفع أكثر ، لا فرق بين دين ودين، وتاريخ وآخر، لا قيمة للفروق ، فالله واحد والناس واحد ، انه موقف توفيقي ، سطحي ، انه موقف المراهقين والشباب ، لا واقعية ولا ثوابت ولا ركائز .
• الموقف الثالث - الحق والحقيقة انها اسمى من استوعبها كلها ، هناك مبادئ وقيم وأخلاق على كل صعيد لا يمكن تجاوزها ، قبول الاخر مهما كان دينه ولونه وشكله ، التسامح والسماح ، ثقافة الحوار ، التواضع ونكران الذات ، ممارسة النقد البناء ، القول نعم ولا ،حماية كرامة الشخص البشري المتساوية .
• الخلاصة - لتنطلع الى الدنيا ، نرى الجبال والوديان والسهول ، نرى المياه الجارية والراكدة ، نرى الحقول وأنواع الزنابق والورود ، نرى الزوان والحنطة والشعير ، نرى السواقي والروابي ، نتأثر بالشمس والمطر والرياح ، نلمس البرد والحر ، نرى الحيوانات والطيور والاسماك ، انه التنوع والتعدد ، هل يجوز ان تكون الحياة ذات لون واحد " أسود فقط مثلا ؟ وطعم واحد " حلو فقط ؟ هل ممكن ان تكون الدنيا جبال فقط ؟ أو مياه فقط ؟ أو هواء فقط ؟ أو تراب فقط ؟ أو نار فقط ؟ الجواب طبعاً كلا ، إذن لا يمكن أن يكون هناك دين واحد فقط ! ولا إنسان أبيض فقط ! ولا كنيسة واحدة فقط ! ولا كلداني فقط !ولا آشوري فقط ، ولا حزب واحد فقط ! ولا شيعي فقط ! ولا عشيرة واحدة فقط ! ولا فلسفة واحدة فقط ! ولا لاهوت واحد فقط !
• النتيجة -** لا يمكن تحقيق الهوية الا من خلال التنوع والتعدد
• ** ليس من لقاء صحي وصحيح الا بين التنوع والتعدد على كافة الاصعدة - المعرفي ، العاطفي ، الروحي ، الفردي والجماعي ، الديني ،،،،
• ** لا يمكن الأنتقاص من تنوع الاخر وتعدده وتميزه ، وان فعلت ستبقى حبيس الشرنقة ، وتصاب حتماً بعمى الالوان ، لأن كرامته تساوي كرامتك بالضبط
• ** علينا القبول بالاختلاف ، ونواجه التنوع بشجاعة ، ونؤمن بالتعددية ، مع التمسك بفردانيتنا ، وأصالتنا ، وتميزنا عن الاخرين ، فنرى الدنيا ألواناً متعددة ، وأفكار متنوعة ومختلفة .
• ** وجوب أن نزيل الغشاوة والضبابية من أمام أعيننا لنرى زوال الطائفية والمذهبية والعنصرية ، ولنرى الحقيقة كما هي وليس كما نتمنى أن تكون ،
• نعم سيدي هذه فكرة من محاضرتك في كلية بابل للفلسفة واللاهوت - بغداد 1995 ، ونشرتها في خلجاتك ، من هنا نسوا وبالأحرى تناسوا ذكراك العطرة يا صديقي العزيزويا معلمي الغالي ويا أخي الوقور ،لأنهم يهابون علمك وفلسفتك ومعرفتك وقدرتك ، ولكن أفكارك ستبقى خالدة الى الأبد شاءوا أم أبوا .
shabasamir@yahoo.com