الأحد الثاني من سابوع البشارة بشارة الملاك جبرائيل لمريم العذراء بميلاد المخلص / عيد البشارة
الفكرة الطقسية: يدعونا الأحد الثاني من البشارة، إلى التأمل في البشارة إلى مريم بولادة المسيح، وفي موقفها الواعي والراشد من كلمة الله التي حاولت أن تفهمها، وأن تقبلها بفرح وتعيشها بعمق، نحن أيضاً، نلقى الكلمة، أي البشرى في هذه الأيام، وبأشكال شتى. فلنسأل أنفسنا عن كيفية فهمها وتقبلها وعيشها.وفي هذا الأحد نستمع إلى كلمة الله تعلن لنا من خلال ثلاث قراءات هي:
الأولى من سفر أشعيا ( 43 /14 _ 28 ) + ( 44 / 1 _ 5 ) تحكي خبر الشعب السائر عكس مخطط الله، ثم كيف يقوده الله في النهاية إلى السير بحسب تصميمه.
والثانية من رسالة بولس إلى أهل قولسي ( 4 / 2 _ 18 ) تعطي بعض التوصيات بشأن الصلاة والآداب المسيحية.
والثالثة من إنجيل لوقا( 1 / 26 _ 56 ) تروي خبر البشارة إلى مريم بإسلوب مشوق، ومظهرة جوانبها اللاهوتية.[1]
عيد البشارة: إن بشارة العذراء مريم[2] بواسطة الملاك جبرائيل، وتجسد ابن الله في أحشائها، هما من بدائع القدرة الإلهية، وليس لغير الله أن يصل إلى هذا الحد من الإبداع.
كان آدم[3] قد سقط بالمعصية وسقطت به البشرية كلها. فجاء ابن الله وصار بشراً، ليعيد البشرية إلى مجدها وجمالها وبهائها الأول. فقد بقيت البشرية مدة أجيال وأجيال تتخبط في ظلمات الجهل والخطيئة والوثنية.
فلما كمل زمان العقاب والامتحان أرسل الله ابنه إلى العالم، ليخلص العالم من خطيئته وجهله وغروره. وفي الشهر السادس أرسل الله الملاك جبرائيل[4] من قبل الله إلى مدينة في الجليل[5] تسمى الناصرة[6] إلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف من بيت داود، واسم العذراء مريم. وكانت مريم قد تركت الهيكل حيث تربت، وذهبت مع خطيبها يوسف إلى الناصرة، بعد أن عقد رئيس الأحبار لها عليه، وساكنته في بيته. ولما جاءها الملاك يوم البشارة كانت لا تزال بتولاً عذراء، وكان يوسف الصديق لا يزال خطيباً لها. فما معنى هذه المساكنة مع قيام البتولية ؟ أليس أن مريم كانت قد عاهدت الله على أن تحفظ له بتوليتها طول حياتها، وكان يوسف قد رضي معها بذلك ؟ وإذا كان هذان العروسان قد بدآ بالبتولية وهما شابان طليقان، فهل من المنطق ومن المصدق أن يهجر تلك البتولية السامية وقد صار الكلمة بينهما، وهو النور الأزلي، وموزع الطهر على الكائنات، المنبثق من الآب كما تنبثق الأشعة من الشهب.
فلما دخل الملاك إليها قال: " السلام عليك يا ممتلئة الرب معك، مباركة أنتِ في النساء ". فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن يكون هذا السلام. فقال لها الملاك: " لا تخافي يا مريم فإنكِ قد نلت نعمة عند الله. وها أنتِ تحبلين وتلدين أبناً وتسمينه يسوع. وهذا سيكون عظيماً وابن العلي يدعى. وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه ويملك على آل يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه انقضاء ". فانذهلت مريم لهذا الكلام.
ولما كانت قد عاهدت الله ويوسف خطيبها على حفظ البتولية، جسرت على الملاك واعترضت وقالت: " كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً ؟ ". فأجاب الملاك وقال لها: " إن الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تظللكِ. ولذلك فالقدوس المولود منكِ يدعى ابن الله. وها إن إليشباع نسيتكِ قد حبلت هي أيضاً بابن في شيخوختها، وهذا الشهر هو السادس لتلك المدعوة عاقراً، لأنه ليس أمر غير ممكن لدى الله ". فاقتنعت البتول ورضيت وتواضعت وأجابت: " ها أنا أمة الرب فليكن لي حسب قولك ". فتجسد ابن الله في أحشائها، " والكلمة صار جسداً وحل فينا ". وهكذا بشر الملاك جبرائيل بتجسد ابن الله، وأضحى ابن الله ابن البتول وابن البشر.
إن سر التجسد الإلهي هو سر عظيم يفوق إدراك الملائكة. أما العقل البشري فيسلم به تسليماً ويؤمن به إيماناً. ولقد أفاض الآباء القديسون والكتبة اللاهوتيون في تعريفه وشرحه، وملأوا الكتب الضخمة في الكلام عليها. والنفس تجد في التأمل فيها ينابيع أنوار ونعم وبركات. والاحتفال بهذا العيد يعود إلى أجيال الكنيسة الأولى. ولقد ذكره في مواعظهم آباء القرن الثالث للمسيح، وتكلموا عنه بإسهاب, فالبتول مريم أضحت بالتجسد الإلهي حقاً أم الله، لأنها صارت أم يسوع الذي هو ابن الله. وهذا ما قالته الكنيسة جمعاء في المجمع المسكوني الثالث الأفسسي سنة 431[7]. ولذلك حق للبتول أن تهتف في بيت نسيبتها إليشباع: " لأن القدير صنع بي عظائم ".
وتحتفل الكنيسة جمعاء بهذا العيد احتفالاً رائعاً، وهي تهنئ البتول بعواطف فياضة وبكل ما عندها من حب وإكرام وحماسة وابتهاج. وتدعوا المؤمنين ليبتهجوا في هذا اليوم ويسبحوها مع الملاك هاتفين: " افرحي يا ممتلئة نعمةً الرب معك ".[8]
وتصلي كنيسة المشرق في رمش هذا الأحد هذه الترتيلة الملوكية: " الموجود قبل العالمين: السر العظيم الذي كان مخفياً عن الأجيال والقبائل، تجلى لنا في نهاية الأزمنة. وهو أن الوحيد الموجود في حض والده جاء وأخذ هيئة العبد بنعمته. وهو أخبرنا وكشف لنا عن الإيمان الكامل بالثالوث. ".[9]
وخلال القداس ترتل ترتيلة الدخول نذكر منها: " يأسر الرياح ويسيّر المياه: في شهر كانون الذي فيه لا تمنح الأرض ثماراً، فيه تجلى ربنا يسوع في بطن العذراء، فهو علة جميع الخيرات، ورجاء جميع البرايا الصالح، وهو النور الحقيقي، المسيح رب الكل، مسجود مع أبيه وروحه القدوس. ".[10]
--------------------------------------------------------------------------------
1_ حياتنا الليترجية الورقة الطقسية للقداس الكلداني لمدار السنة الأب ( المطران ) لويس ساكو ص 15.
2_ مريم: اسم عبري معناه " عصيان ". معجم الكتاب المقدس ص 856. إن أصل الكلمة غير أكيد. يبدو أن الاعتقاد كان سائداً في زمن يسوع بأن اسم مريم مشتق من كلمة " مارا " وتعني " السيد " بالآرامية، فيكون معنى مريم السيدة. معجم الأيمان المسيحي الأب صبحي حموي اليسوعي ص 451.
3_ آدم: كلمة عبرية معناها " إنسان ". يطلق الكتاب المقدس هذا الاسم على أبي البشرية الأولى. خلقه الله على صورته. ورأي فيه القديس بولس صورة للمسيح الذي يسميه آدم الجديد. معجم الأيمان المسيحي الأب صبحي حموي اليسوعي ص 25. وكذلك تعني كلمة آدم لغوياً " أحمر " من " آدام " العبرية. ويقال أنها جاءت في الأصل الأكادي أو الآشوري " آدامو " أي " يعمل " أو " ينتج ". معجم الكتاب المقدس ص 3.
4_ جبرائيل: اسم عبري الأصل يعني " الله قوي ". وهو أحد الملائكة الذين وردت أسماؤهم في الكتاب المقدس. تراءى للنبي دانيال، ولزكريا أبي يوحنا المعمدان، ولمريم التي بشرها بسر التجسد. معجم الأيمان المسيحي الأب صبحي حموي اليسوعي ص 170.
5_ الجليل: اسم عبري معناه " دائرة " أو " مقاطعة ". كانت في الأصل في القطر الجبلي لنفتالي. وكانت المدن العشرون غير المهمة الموهوبة من سليمان لحيرام واقعة في أرض الجليل. وفي الحروب اليهودية سنة 70 م كانت الجليل مقسمة إلى قسمين هما: الجليل العليا ويحدها من الشمال صور ومن الجنوب السامرة ومن الغرب فينيقية ومن الشرق الأردن. والجليل السفلى تقع جنوب العليا وتمتد من بحيرة طبرية إلى قرب بطوليماس والتي اسمها الآن مدينة عكا. قاموس الكتاب المقدس ص 265.
6_ الناصرة: اسم عبري ربما معناه " القضيب " أو " الحارسة " أو " المحروسة " أو " المحبوسة ". وهي مدينة في الجليل في شمال فلسطين. وهي تقوم على جبل مرتفع، ويرى منها جبل الشيخ والكرمل وطابور ومرج بن عامر. وكانت مسقط رأس يوسف ومريم. قاموس الكتاب المقدس ص 946.
7_ مجمع أفسس: أفسس مدينة في آسية الصغرى على بحر إيجة. بشرها بولس وأبلس. وقد عقد فيها مجمع سنة 431 هو المجمع المسكوني الثالث، دعا إليه الأمبراطور ثيودوسيوس الثاني للبت في قضية نسطور الذي يميل إلى الاعتراف بوجود شخصين في المسيح. رئس المجمع القديس كيرلس بطريرك الإسكندرية وخصم نسطور، بتأييد من البابا سيلستينس الأول، وافتتحه من دون أن ينتظر وصول أنصار نسطور الأنطاكيين. فشكلوا مجمعاً معارضاً. حكم على نسطور وتمت الموافقة على التعليم القويم " إطلاق لقب والدة الإله على مريم العذراء ". معجم الأيمان المسيحي الأب صبحي حموي اليسوعي ص 52.
8_ السنكسار المشتمل على سير القديسين المطران ميخائيل عساف ج 1 ص 64 _ 68.
9_ الحوذرة " مدار السنة الطقسية " الجزء الأول ص فذ _ فر.
10_ الحوذرة " مدار السنة الطقسية " الجزء الأول ص ق.