الأزمة وتغيير ميزان القوى
لو انك لم تستنتج ان الأزمة العامة التي يئن العراق تحت وطئتها سببها نظام المحاصصة، التي تركزت في بنية النظام السياسي أساسا، و شلته برمته، وأصبح تبعا لذلك مفقسا للازمات على جميع الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخدمية.. لو انك لم تستنتج ذلك، وبحثت عن سبب آخر لما آلت إليه الأوضاع، وأردت تـأشير أول سبب فجر أزمة الثقة بين الإطراف، لسرعان ما ازدحمت الأسباب لكثرتها. وحينما تريد أن تؤرخ لأول حالة صراع بين قوى العملية السياسية، تختلط عليك التواريخ، فصراعاتهم عديدة.
عادة تبدأ المشكلة بين المتحاصصين على أمر معين، وسرعان ما تجد انهم نسوا الأمر الذي اختلفوا عليه، واشتبكوا مجددا على امر تولد لاحقا، غداة مشكلتهم الأولى. كما ان اصطفاف المتنفذين مع بعضهم البعض، وضد بعضهم البعض ليس ثابتاً، يتحرك ويدور سريعا، وينتقل من هذا الاتجاه الى الاتجاه الآخر، فلا يستطيع المتابع تتبعه واللحاق به، ويصعب على المرء تحليله ان لم يضعه في إطار صراع المصالح بين المتنفذين، الصراع الذي يدور حول السلطة والمال والنفوذ، بعيدا عن مصالح المواطنين وحاجاتهم. ولا يحتاج ذلك الى تأكيد فهم يختلفون على كل شيء وفي كل شيء ولا يتورعون عن استخدام كل الوسائل من اجل فرض مصالحهم. ولأجلها أيضا يتفقون في ما بينهم دونما عناء، وقد صوتوا من اجل قانون شرعن سرقة الأصوات، كما صوتوا على إلغاء البطاقة التموينية، فيما الفقر في المجتمع قد تفشى واتخذ ابعادا مريعة.
وحينما تريد ان تحدد تاريخ بدء الخلاف الأخير بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، تتزحلق بك الأيام وتوصلك الى ان الخلاف ابتدأ عندما بدأ النزاع بين اطراف حكومة "الشراكة الوطنية "، وانسحاب عدد من وزراء الكتلة العراقية ومن بينهم نائب رئيس الوزراء. وحينما تستعرض الوسائل التي استخدمها المتنفذون في ما بينهم، تكتشف انها لا تنحصر بالوسائل الشرعية والقانونية والسياسية بل تعدت ذلك وتجاوزته كثيرا.
كما انك لا تستطيع ان تجد حدودا للازمة، فقد دخلت فيها أطراف عديدة، داخلية وخارجية، دولية واقليمية، اما عمقها فأعمق مما يتم عرضه وتصوره، بل انها شملت كل نواحي الحياة. لقد انعكست هذه الأزمة على الوضع السياسي، وجعلته متوترا، وأربكت الوضع الأمني المرتبك أصلا، وكشفت مدى فقر الخدمات، والدليل هو المطر الذي اغرق بغداد في أول زخاته!! وكل ذلك يلقي بأعبائه على المواطن، فهو الذي يتحمل كل ذلك.
لمعرفة الأزمة وأبعادها وأسبابها لا يتطلب الأمر، بعد كل الذي حدث، كثيرا من العناء. فمن الواضح انها أزمة النظام السياسي بمجمله، ولا نهاية لها، مهما بذل من جهود، ولا علاج لها الا بإعادة بناء النظام السياسي على أساس المواطنة وبناء المؤسسات، والإسراع بإصدار التشريعات التي تفسح المجال لمشاركة المواطن في الشأن العام، ما يسهل تغيير ميزان القوى لصالح القوى المدنية الديمقراطية صاحبة مشروع الدولة المدنية الديمقراطية.