الأقليات في العراق.. حقوق مكفولة دستورياً مستباحة على الأرض
المصدر: شفق نيوز
تشكل الأقليات أكثر من 10% من سكان العراق، وعلى الرغم من تكفل الدستور بحماية كل المكونات وإعطاء حقوقهم بالتساوي، إلا أن سياسات الأحزاب كرّست مفاهيم المحاصصة والطائفية بدل الاعتبارات القانونية والحقوقية، ومع غياب التحركات الجدية لاسترجاع حقوقهم، تتجاهل الأحزاب الكبيرة الأقليات على اعتبار أن صوتهم لا يمثل رقماً صعباً في العملية السياسية، بحسب مراقبين.
ويؤكد المراقبون أن النظام الدكتاتوري السابق، وزّع الظلم على الجميع فلم يسلم من الاضطهاد الشيعة والكرد والسنة، لذلك قضية استرجاع الحقوق عامة تخص الجميع، داعين إلى ضرورة الرجوع إلى الدستور وأن يكون المعيار الوحيد للأقليات والآخرين هو المواطنة.
وتشعر الأقليات في العراق أنهم "مضطهدون ومظلومون وليس لديهم تمثيل حقيقي على كل المستويات"، وفق ممثل كوتا الشبك في البرلمان العراقي، وعد قدو، مبيناً أن "المادة 16 من الدستور تنص على أن العراقيين متساوون بالحقوق والواجبات والتمثيل وغيره، لكن المحاصصة دخلت على العملية السياسية، وبالتالي أصبح تمثيل الأقليات ضعيف ومسخّرين من قبل الأحزاب الكبيرة التي لا تكترث بهم، باعتبار أن صوتهم لا يمثل رقماً صعباً لقلّة عددهم".
إنهاء الأقليات
قدو أشار خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "هناك استهدافاً واضحاً وممنهجاً للاستحواذ على أراضي الأقليات وخاصة الشبك، وخلق نوع من التغيير الديمغرافي لإنهاء وجود الأقليات، كما أن الشبك ليس لديهم تمثيل في الحكومة المركزية على كل المستويات، وكذلك في محافظة نينوى التي يمثلون فيها 11 بالمائة".
وأوضح أن "الشبك (تقدر أعدادهم بـ 400 ألف نسمة) تعرضوا إلى التهجير ثلاث مرات وهدّمت منازلهم وسرقت ممتلكاتهم وسُبيت نساؤهم، أولها في زمن النظام البائد عام 1988، وأبان سيطرة تنظيم القاعدة عام 2003، حيث هجّروا من داخل مدينة الموصل إلى سهل نينوى، وكذلك مع دخول داعش في 2014 حيث هجّروا إلى المحافظات الشمالية والجنوبية، ولا تزال هناك 155 مختطفة وسبية شبكية حتى الآن، بحسب ما مُسجّل لدى منظمات حقوق الإنسان".
ظلم بالتساوي
من جانبه، أكد القاضي الكوردي الفيلي، منير حداد، أن "قضية الحقوق عامة تخص الجميع لأن النظام البائد لم يسلم من اضطهاده الشيعة والكورد والسنة، فقد وزّع صدام حسين الظلم على الكل، أما استرجاع الحقوق فيكون بالتدريج، وقد ساوى الدستور العراقي الحالي الحقوق بين أبناء كل مكونات الشعب العراقي، حيث أصبح للمسيحيين حقوق علنية وكوتا في الانتخابات".
ونبّه حداد، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الكورد الفيليين ليسوا أقلية، فهم كورد (القومية الثانية في العراق) وشيعة، (المكوّن الأغلب في العراق)، وإن كانت هناك إجراءات معينة تتعلق بإجراءات الجنسية ونزاع الملكية فهذا روتين موجود لكل شرائح الشعب العراقي، ويمكن تصحيحه".
دعاوى الملكية
بعد أحداث عام 2003 وتشكيل الحكومة العراقية وتأسيس إدارة الهجرة والمهجرين، تم تشكيل هيئة دعاوى الملكية، وأخذت على عاتقها متابعة قضايا مصادرة أملاك المهجرين من أبناء الكورد الفيليين، بحسب المحلل السياسي وعضو مجلس محافظة واسط سابقاً، حيدر هشام، لافتاً إلى أن "هذه الهيئة باشرت باستقبال مئات الطلبات الخاصة باسترداد أملاك الكورد الفيليين".
وأضاف هشام للوكالة، أن "المشكلة كانت بأن القرارات التي صدرت من هيئة دعاوى الملكية بتقييم الأملاك المتجاوز عليها كانت قرارات لا ترتقي إلى المستوى الذي يصل إلى قيمة الملك الحقيقية، بل إلى ربع قيمته كأقصى حد، كما أن المتجاوز على الملك يدفع له مبلغ مالي مقابل الضرر أكثر من صاحب الملك الأصلي".
وتابع: "نتيجة لذلك ما تزال هناك العشرات اذا لم تكن المئات من الدعاوى المتوقفة بسبب رفض استلام أصحاب الأملاك لهذه القيم التعويضية المجحفة لأملاكهم، فضلاً عن عدم وجود دفع بدلات إيجار لهم، وهو ما معمول به في جميع دول العالم عندما يتجاوز أو تصادر أملاك ومن ثم تعود إلى أصحابها الحقيقيين يدفع لهم تعويضات مالية من سنة المصادرة وتعتبر بدل إيجار لهذا الملك".
وشدد هشام، على ضرورة "إعادة تفعيل هيئة دعاوى الملكية بطريقة أخرى تتلائم مع الواقع الحقيقي لتقييم الأراضي والأملاك المصادرة والمتجاوز عليها وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين، أو تخييرهم ما بين استلام أثمانها أو استلام الملك".
إشكالية قانونية
من جهته نوه المستشار القانوني للمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، أسلم الشمري، إلى أن "الدستور كفل حماية حقوق الأقليات - التي تشكل أكثر من 10 بالمائة من سكان العراق - قبل عام 2003 وبعده، ولكن الإشكالية تكمن في تطبيق القانون مع استمرار الصراع السياسي وظهور مشكلة الجماعات المسلحة في العراق، وتغلغل الممارسات العنصرية في بنية المجتمع، فضلاً عن تصاعد التدخلات الإقليمية والدولية، مما دفع إلى بروز مشكلة هجرة الأقليات الدينية والعرقية من العراق".
وبين الشمري، خلال حديثه للوكالة أن "هذه السياسات التي تعرضت لها الأقليات في العراق بعد الاحتلال الأميركي أثّرت بشكل كبير على حقوقهم واستولت على أملاكهم بعد أن قاموا بتهجير غالبيتهم لدوافع سياسية طائفية".
وزاد: "كما شكَّلت هذه السياسات من تدهور للقيم الاجتماعية والسياسية، وتكريس مفاهيم المحاصصة والطائفية بدل الاعتبارات القانونية والحقوقية - نكسةً للكثير من مكونات المجتمع العراقي، ومنها الأقليات الدينية على وجه الخصوص".
وعلى الرغم من تضمين حقوقهم، لكن إلى الآن ما تزال أملاك الأقليات في العراق مستباحة ومملوكة من قبل غيرهم، ولا توجد أي تحركات جدية بشأن استرجاع أملاكهم وحقوقهم، وفقاً للمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب.