Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الأمضى والأبقى من الإبداع الرصينُ القوي

على هامش معرض دلدار فلمز
في إحدى الليالي الباردة منذ شتائين أخذت دلدار من مرسمه بإتجاه الشمال إلى حيث أسهرُ بعض الليالي
في مكان قصي بعيدٍ عن الضوضاء وهو عبارة عن مشروع زراعي قمت بتهيأته كمزرعة صغيرة فيها
غرفة ومطبخ ومنقل للشواء وبعض الكتب وعدة السهر كان الجو عاصفاً تماماً حين أردت تخليصه من
مرسمه الصغير حيث أكتئب من رؤية لوحاته الغريبة التي تتشابه في الوجوه المتدرنة والمتطاولة والمنحنية
شيئ يشبه العجب بعض الوجوه مثقوبة وأكثرها لا تشبه الوجوه الآدمية لهذا قلت له هيا بنا الى الصالحية
في الطريق كانت بعض الغيوم تتراكض مسرعة بشكل غير مألوف وكنت أقول لدلدار إنها الريح الشمالية
التي تطارد فلول الغيم وسوف تصبح السماء صافية الى أبعد مما تتصور بعد قليل ، وهذا ما كان ،
كانت الريح تزداد برودة كلما سرى بنا الليل وقد شددنا أطراف الحديث الى السياسة والفن والشعر وحتى
الزراعة حيث إختصاصي الوحيد في الحياة
بعد أيام قرأت له نصاً شعرياً جميلاً تسربت مفرداته الجميلة الى أعماقي وكان عنوان النص الريح الزرقاء
وحين سألته متى كتب هذه القصيدة قال ألا تذكر تلك الليلة الباردة منذ أيام حين سهرنا في الصالحية عندما
قلت لي بعد خروجك من الغرفة لغرضٍ ثم عدتَ لتقول انها رياح عجيبة وأشعر أن للرياح الوانٌ وهذه
لا أدري من أي لون هي ، حينها تلقفت العنوان من كلامك وكتبت النص إثر الحصول على ذلك،
هذا هو دلدار فلمز الذي تحوّل في لحظة غير متوقعة الى الرسم والتشكيل وبات ينام بين لوحاته التي
تثير فيّ الرعب نتيجة ربما لإخراجه مكنونات نفسه من الرعب والشعور بالرهبة من هذه التناقضات ليحيلها
وجوهاً تشبه المغارات ملتفة ومثقوبة ومتطاولة أو ملتوية ، أما الأقدام والأيادي فهي تكاد تشبه كل الأعضاء
إلا الأقدام والأيادي ! أظافر طويلة منحنية تشبه القواقع البحرية، تشاهِدُ بعد التدقيق الملي بقايا الجرائد والتبن
ونشارة الخشب وعملات معدنية من الماضي البعيد حتى الخيش في لوحاته دلالة على سعة الخيال
ومحاولته الولوج دائماً بجديد جديد وتميز غني عن كل مرة سبقت له
مرة سألته لماذا تحولتَ عَن الكتابة إلى الرسم قال لي إن عالم التشكيل أكثر نقاءاً فعلى الأقل إن الذين
يقتحمونه لا يستطيعون ذلك بلا أرضية أولية وإلمام ، أما الشعر فقد داخله كل من إستطاع أن يزخرف
موضوعاً وإن كان ركيكاً لهذا تجدني أحاول الإبتعاد عن هذا الجو و أسهبَ لي في الشرح وقد وجد نفسه
محل إتهام ألمحتُ إليه بأنه ربما كان يستفيد مادياً من بَيع لوحاتهِ على العكس من الشعر الذي أصبح متعة
لا ضرورة لها إلا للنخب التي تتعاطاه في أوقات الفراغ
دلدار أصاب حين إنتقل الى الرسم وهو يمتلك المقدرة على ذلك بسبب خياله وحبه لهذه الهواية وربما كان
رأيه في الشعر وعدم نقاءه يدعو المرء الى ذلك السؤال الذي مازال صداه، هل من جدوى له ؟هل الشعر
يستطيع مجاراة الرواية أوالمقالة أو القصة ؟ طبعاً مع التنويه أننا نقصد الراهن الآن حيث عاش الشعر قبل
الآن فترته الذهبية وأثرَ بشموخ وقوة على مجريات الأحداث ولمعت من خلاله أسماء عظيمة لا نستطيع
أن نقول إلا انها أثْرَتْ أوطانها وتعالت بها نحو الذرى ومن هذه الأسماء تلك القامات العالية مثل نزار قباني
وسعيد عقل ومحمد مهدي الجواهري وأدونيس والماغوط وأمل دنقل و خليل حاوي و cegerxuin
-tyrej-letif helmet
وبالطبع لا ينسحب الأمر على قامات مازالتْ موجودة تكتب بقوة ورصانة ولكن ليس ثمة من يقرأ يكاد يصح
القول ان هذا ليس زمن الشعر وإلا لماذا لا يبلغون الذرى أصحاب هذه الأقلام القوية والرصينة
في المحصلة وبين الإبداعات الكثيرة من فن الرسم وكتابة الشعر والرواية والخاطرة لا يصح غير الصحيح
حيث ان الإبداع بكافة أشكاله لا يستمر إلا ما كان منه قوياً جداً وبالخصوص في زحمة هذا الكم الهائل من
المنافسة والتزاحم

الحسكة 30 - 5 - 2008

faruq-tozo@hotmail.com

ــــ أفتتح المعرض بتاريخ 30-4-2008 برعاية وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا في صالة عشتار بدمشق
لدلدار مجموعة شعرية صادرة عن دار عبدالمنعم ناشرون 2003 بعنوان عاش باكراً ومجموعة أخرى قيد الطبع

Opinions