الإنتماء الشيوعي لم ولن يكون ﭭـيزا للإخلاص ( ألقـوش- موسـكـو الصغـيرة ) ( 2 )
أكـرّر دعائي إلى الرب من أجـل جـميع الشهداء مِن أبناء شعـبي وعـلى أرض وطـني الذين راحـوا شهادة لجـهودهم في سبـيل تحـقـيق المَسرّة بـين البشر وكانـوا كادحـين في طريق الحـق الذي يُحـرّر الناس من قـيود عـبودية الشـر ، وكل قـطرة دم إستـرخـصوها للتبشير بحـياة أفـضل ، كـما أكـرّر رجائي أن لا يأخـذ أحـد عـلى نـفـسه في هـذه السلسلة من المقالات مهما كان موقعه في ألقـوش وفي تلك الفـترة التي أنا بصددها قـبل حـوالي خـمسين سنة . إن الإنسان هـو الذي يصنع التأريخ ومثـلما للعـظماء تأريخهم يفـرضون كـتابته أو يتبرّع البعـض لكـتابته ونحـن نـتلهف لقـراءته بشغـف دون تـذمُّـر فهكـذا يكـون لِعامة الناس البسطاء والمستـضعَـفـين والمضطـهَـدين تأريخهم أيضاً ويكـتـبونه بأنـفـسهم لأولادهم ولهـواة القـراءة ، لا لغاية إلاّ وثيقة شهادة للتأريخ فـهل نستـكـثـره عـليهم ؟ طيِّـب وإذا كان الأقـوياء يمجِّـدون سطـوتـَهم بكـبرياء فـهل مِن مانع يمنع المظلومين من أن يُـخـَـلـّـِدوا معاناتِهم بتواضع وصبر ثم بالغـفـران وتسليم ذاتهم إلى ربهم ، وكِلا الطرفـين متوجّهَـين إلى المصير الذي لا يرحم أحـداً ، فـكـل قـويّ للزمان يلين والمناصب والرتب تـزول ولا يـبقى حـياً إلاّ الخالق الجـليل . وقـد يُحـرجـنا أحـدهم إذ يضعـنا بـين ضلعَي زاوية حادة ويطـلب منا إخـتيار وتـصوير الجانب المشرق والإيجابي فـقـط من أية قـصة ، وعـرضه في مَعـرض أو مُـتحـف كي يُـقـتدى به ويُـنـتـفع منه ، نقـول له ليس لـدينا مانع عـلى الإطلاق ولكـن أجـِـبْـنا بنعـم أو لا ، كي نلبّي طلبك فـوراً وأمام الجـميع : هـل تـقـبل أن نغـض النـظر عـن ممارسات واحـد من بـين أكـثر عـتاة الدكـتاتوريّة في العالم صدام حـسين مثلاً ونصوّر جـوانبه المُضيئة ومَـظاهـره المنيرة وأقـواله الحـكـيمة وهي كـثيرة ؟ أقـول مقـدّماً ومهما أعـطانا مِن جـواب إنه بالتأكـيد سوف يـزعـل عـلينا أكـثر ، لآنه لا يريد الكـيل بالمكـيال نـفـسه للجـميع ( مثـلما كانـت هـناك عـُـلبَـتـَـين في خان ألقـوش *للبـيع # للشراء !! إسألوا أهـل العِـلم إنْ كـنـتم لا تـعـلمون ) حـقاً إنّ بعـض الحـق مُـرٌّ .وعَـودة إلى مهـرجاناتـنا التي كان ينـظـمها بلاشـفة ألقـوش الغـيارى ( مصطلح جـميل للمداعـبة فـقـط وليس للزعـل ) ونحـن صغاراً لا نـدرك معانيها بل نـحـشر أنـفـسنا مع المُـتمَهـرجـين بإعـتباره إحـتـفالاً ونحـن صبـياناً ، فـكـنـتُ أرى طالباً شاباً يُـحـمَل عـلى الأكـتاف لفـترات طـويلة وأسمعه يخـطب بحـماس مادّاً يده اليمنى نحـو الأعـلى تارة وتارة أخـرى يُـسراه ومُـلتـفـتاً إلى جهات الجـماهـير المحـتـشدة والمُصَفـِّـقة له وأسمع كـلمات الإعـجاب به حـتى بعـد تـفـرّقهم مفـتخـرين به نموذجاً وقـدوة لهم ، ولكن لـمّا دارت الأيام غـنـَّـتْ أم كـلثـوم دارت الأيام : (( مِلينا الدنيا أمل وحـنان في كل مكان ، وَصَـفـولي الصبر لقـيته خـيال وكلام في الحـب ..... أي بمعـنى : لقـد ملأنا الدنيا بشعارات برّاقة ، وقالوا إصـبروا ، فـكان الصبر خـيالاً عاطفـياً.... )) إنّ ذلك القـدوة الموقـر إنسلخ عـنهم ولم يعـد رمزاً لهم ، وإذا قـيل إنه كان واحـداً فـليس مقـياساً سـنجـيـبهم : إن لدينا مثالـَـين وثلاثة وعـشرة وخـمسين وووو . أما عـلى صعـيد آخـر فإنّ تلك الفـترة كانـت حـيوية جـداً حـيث تأسّستْ وبسرعة البرق إتحادات متـنوّعة نسائية وفلاحـية وعـمالية وكـذلك مدرسة محـو الأمية ، وكأن بلاشفة موسكـو تـركـوا قـصر الـ كـْـرِمْلِنْ وجاؤوا إلى ألقـوش إلاّ أنها سرعان ما تبخـرتْ كـلها بسرعة الضوء أيضاً ولا أدري لماذا .
إن جـيلنا والأجـيال الأخـرى يتـذكـّـرون جـيداً المربّي الكـبـير مدير ثانـوية ألقـوش للبنين المؤسسة في عام 1957 والشمعة المحـترقة لطلابه والمحِـب لبلدته ألقـوش الأستاذ القـدير المرحـوم منـصور أوده ، نعـم لم يكـن شيوعـياً ولكـن لم يشـكْ أحـدٌ بإخلاصه وتـفانيه من جهة ومن جهة أخـرى بسلطـته السحـرية الأبوية المتواضعة ، وبقـدرته الناقـدة الساخـرة ، وبكـفاءته الإدارية المتــَّـزنة ، والتي كان يتمتـَّع بها في تعامله مع الطلاب وأولياء أمورهم ، ولم يكن شبابنا الشيوعـيون راضين عـنه ليس لسبـب إلاّ لأنه لم يكـن يحـمل أفـكارهم بل كان ينـتـقـدهم مباشرة بشجاعـته المألوفة بصورة ساخـرة جـميلة ومؤثـرة ، ولم يشتـرك في أيّ مهـرجان عـلى الإطلاق وطـيلة تلك الأيام ولذلك لم يُـكـتبْ عـنه أيَّ تـقـرير وشاية ضدّه إلى الأنـظمة التي تعاقـبَـتْ عـلى الحُـكـم في العـراق وكـنـتيجة لسلوكه ذلك لم يُـحـجَـز أو يُـسجَـن أو يُـتــَّـهَم أو يُستدعى للإستجـواب أبـداً لا في زمان الحـرس القـومي ولا غـيره ، وبفـضل الكارزما التي كان يمتـلكها لم يتـجاسـر عـليه أحـد نهاراً - لا خـوفاً بل هـيـبة - حـتى الرَبُعْ المتمكـنين من ليلاً . أما أستاذنا القـدير جـرجـيس حـميكا كان شبـيهاً به من حـيث تـواضعه وإخلاصه ومحـبته لألقـوش ولكـني لا أتـذكـّـره في فـترة المهـرجانات ، لكـن أستاذي الكـفـوء باللغة العـربـية في المرحـلة الإبتدائية المرحـوم جـرجـيس زرا فـما من شك رزانـته وإيمانه ومواظبته عـلى الحـضور في الكـنيسة وصداقـته الشخـصية للمطران عـبد الأحد صنا ومجـموعة القـسس في ألقـوش رحـمهم الله جـميعاً ، إلاّ أنه ( لا يسلم الشرف الرفـيع من الأذى ..... ) فأنا أتـذكـَّـره حـين إشتـرك في أحـد المهرجانات إبتهاجاً بالجـمهـورية الفـتية وفـرِحاً مع المحـتـفـلين وقـرأ كـلمة وطـنية عـلى مرتـفع بسيط مقابل بستان شعـيا بابي لم أفـهمها في حـينها ولكـن عـبارة وردَتْ فـيها لا تـزال تـرنّ في أذني منـذ أكـثر من خـمسين سنة وصفـَّـق لها المحـتـشدون وهي : يا كـميل شـمعـون ! إشـلون طِـلـَـعِـتْ من لبنان ملعـون ؟ ( أعـتـقـد كانـت إشارة إلى إستـقالة كـميل شمعـون المناوىء للشـيوعـية العالمية والمُوالي للغـرب ) ولكـن المُخـبرين الألقـوشيّـين في فـترة 1963 - غـير مثـقـفـين - كانـوا يتربّـصون ليجـدوا أية حجة خـسيسة للمتاجـرة بها في مهمتهم عـند السلطة فـتذكـَّـروا تلك المشاركة وكـتبوا عـنها دون أن يدركـوا معـناها بإعـتبارها لزمة عـليه - وهـذا تـحليلي الشخـصي - والتي فـسَّـر منها ما أراد المفـسِّـر ، وإنْ لم أكـن مخـطـئاً فإن أستاذي القـدير دفع ثمنها . ولا نستـغـرب من عـقليات ساذجة كـتلك لا بل فإن السلطة تعـتمد عـلى أمثالهم ، فـفي بداية أيام بعـثـيّـي عام 1968 صادفـتُ في فـندق – منطقة ساحة الوثبة – بغـداد مجـموعة رجال مصلاويّـين وبـينهم - يعـقـوب كـوشان - قـيل بأن صدام أعـدمه لاحـقاً وسمعـتُ أحـدهم يتكـلم عـن شخـص مصلاوي آخـر سبق وأنْ إشترك في أحـد مهـرجانات الموصل أيام ثورة 1958 (( لاحِـظـوا - قـبل عـشر سنين )) ، فـقال : أنا شـفـتـونو كان يصفـق ، فسأله الآخـر : تعـرف بإيما محـلة يسكـن ؟ ....
إلى الرفاق الديمقـراطيّـين : عـلينا أن نستـفـيد من أخـطائـنا ، ونـقـولها للتأريخ إن جـماعة شـيوعـيّي ألقـوش في تلك الأيام أخـطأوا في نـظرتهم الشمولية والإقـصائية للغـير فـلم تكـن عـندهم ثـقافة الحِـوار ولا الإعـتراف بالآخـر ، فـكـل شخـص خارج ساحـتهم كان رجـعـياً غـير مخـلص في نـظرهم ويجـب أن يُـحارَب بشتى الوسائل ويصبح منبوذاً ولا يستـحـق الحـياة ، وإذا تـكلم أحـد في أيّ موضوع ثـقافي آخـر يكـون في نـظـرهم شوفـينياً ذا عـقـل ضيق لا ينـفع للمجـتمع وسأذكـر أمثلة عـلى ذلك في المقالات اللاحـقة ، وكان إذا وضع أحـدهم جَـمَّـداناً نـظيفاً عـلى رأسه نهاراً ، صار برجـوازياً ويجـب أن يُـبْـتــَـز ليلاً ( إذا كـتب أحـد وإدّعى أنّ ذلك لم يحـصل سأضطر إلى ذكـر أمثلة ) وأرجـو من الجـماعة القـدامى الذين عاشوا في ألقـوش أن يكـون صدرهم رحِـباً ، فـمنهم مَن قـضى نحـبه نـصلي ونطلب له الغـفـران ، ومنهم مَن ينـتـظر ونحـن معهم ، ولكـن يجـب أن نـبدّل عـقـولنا تبديلاً كـما فـعـل الكـثيرون من معارفـنا اليوم فـعَـظِـموا في قـلوبنا ، ومَن يعـترف بخـطـئه يصبح فاضلاً نـزيهاً في نـظر المجـتمع ونـُـشعِـل له المشاعـل ويستـحـق أن نـُـهَـلل له بالصنـَّوج .
وليقـل كـل واحـد لصاحـبه : إقـشـطـوا ترسّـبات ثـقافة الهـيمنة وإلغاء الآخـر وفـرض الرأي من قـعـر أذهانكم تلك التي ورثـتموها من الماضي ، لقـد ولـّى الزمن الذي كـنـتم تعـتبرون أنـفـسكم أنكم الأصلح والأصح دائماً ، فالزمن تـغـيَّـر والعـقـل تـنـوَّر ولا مكان للدكـتاتورية ( الـﭙـروليتارية أو الجـنجـلوتية ) وأنـتم تلاحـظـون ماذا يجـري في العالم ، لم يعـد الأركان العـسكـريّـون ولا المدنيّـون السياسيّـون بحاجة إلى التخـطيط سنيناً وسرياً من أجـل إنـقلاب عـسكـري ليلاً ، ولا إلى تحـديد ساعة الصفـر لتبدأ الثورة والإغـتيال وإحـتلال الإذاعة وقـراءة البـيان رقـم واحـد وإقـتحام قـصر الملك أو رئيس الجـمهـورية لتغـيـير النـظام ، بل إنّ الشباب يفـعـلون ذلك في وضح النهار وفي ساعات قـليلة مخـتـصرين الوقـت وبدون سلاح بل بواسطة االتـكـنولوجـيا المعاصرة والعـقـول المتـفـتحة وهـذا كـله نـتيجة الوعي والإدراك والتصميم عـلى رفـض الهـيمنة التـسلـّـطـية فالناس لم تـعـد تقـبل بها بل تـريد الحـرية من الأسواق اللا سوﭭـيتيّة ، وقـد تـتهَـمـَّـسون الآن فـيما بـينكم فأرجـو أن لا تـتـسرعـوا لأن في مقالاتـنا القادمة سيشهـد عـليها شاهـد من أهـلها ( لا ، و فـوﮔـاها لمّا ناقـشـتـه - هُـوَّ زعَـل عـليّ - د تـعال وعـيش ويّه هـيـﭽـي بشر ) لـذا زيِّـنوا عـقـولكم بثـقافة إحـترام رأي الآخـر مثـلما تريدون منه إحـترام رأيكم ، وحـبذا لو أمكـنكم مشاهـدة الناشطة الألقـوشية وهي ليست غـريـبة عـنكم !! في منظمة حـقـوق الإنسان في واشنـطن وهي تشارك في برنامج مثير للجـدل عـلى قـناة أبو ظبي الأولى في 4 تموز 2011 بعـنـوان - ثـقافة الحـوار - لتـتـعَـلــَّـموا منها درساً في هـذا المجال وهي تـفـتخـر بوطـنيّـتها العـراقـية وبقـوميتها الكـلدانية دون تـردد ، وقالت : إن ثـقافة الحـوار تبـدأ أولاً من الذات ثم الأسرة و.... وعـلى مَن يحاورني يجـب أن لا يكـون رافـضاً لرأيي مسبقاً بل عـليه أن يسمعـني مثـلما أنا أسمع رأيه ، حـقاً إنها ألقـوشية فـخـرٌ لنا جـميعـنا . وإذا كـنـتم من متابعي مقالاتها فـقـد ذكـَـرَتْ في إحـداها قـبل بضعة سنين عـبارة : ( أنا مؤمنة بربّي ) . ورُبَّ سائل عـلى قارعة الطريق يقـول : مَن أنـتَ كي تــُعَـلـِّـمَـنا ؟ ألجـواب : إنـني أنا أنا مثـلما أنـتم أنـتم وكِلانا في الهـوى سـوى لا فـرق بـينـنا وإعـلموا أنّ الجـمود الفـكري ولـّى زمانه والتحـجُّـر العـقائدي فات وقـته ، ولولا محـبتي لكم ما كـنـتُ أكـلمكم بهذا المنطق يا إخـوان فإن الـ - مين سـويـﭺ - إنـطـفأ فـما فائـدة الـ سـويـﭽات في الغـرف ! ما أعـظمك يا مار ﭙـولص في رسالتك الثانية إلى أهـل كـورنـثـوس 5 : 17 وأنت تـقـول : (( إنّ الأشياء العـتيقة قـد مضتْ ، هـو ذا الكـل قـد صار جـديداً )) وكان بودّي أن أدخـل معـكم في متاهات أخـرى ولكـني لا أريـد الإطالة بل ( أتــُـرْكـَـكْ للزمَن يتحاسَبْ وْياكْ ) – أحلام وهـبي .
** المقال القادم إستراحة وبعـده نواصل العـمل عـلى بركة الله .
سـدني – تموز 2011