الإنسان في نهاية الأمر
أليس هو المعني بحراك الحياة ومافيها من عواصف وخواطر وعقائد وماتنبته الأرض وماينزل من السماء؟
أو ليس من أجله جعل الله البحار والأنهار والرعود والبروق والأمطار، وكل مايبعث منها لأجله ( ولقد كرمنا بني آدم فحملناهم في البر والبحر) ؟ هذا يعني إن الإنسان هو الغاية من العمل والحركة والتخطيط وإنشاء الحكومات التي تعمل ليل نهار لتؤسس المدارس والمخافر والمستشفيات ودوائر الخدمة العامة، وليس أحد غيره ،فلا الحيوان ولاالنبات ولا العمران لأجله تكون الحركة، بل هو جزء من تلك الحركة التي تتكرر وتتصاعد ليحصل بنو البشر في النهاية على مايؤمن قوتهم ومعاشهم ومستقبل أبنائهم فلايكون من منة لأحد عليهم لأنه منهم وهو يطلب حاجاته أيضا ،ولاينبغي أن تعمل الحكومات بعد أن تؤسس على أشلاء الجموع الهادرة وتكتب وتسن قوانينها وتشريعاتها بدماء حمراء تسيل من أجسادهم المضمخة بالهموم والعذابات ،لاينبغي أن تبني وتعمر السجون والمصحات والمراكز الأمنية التي تنتج الرهبة والخوف وتحيل الناس الى مجموعات من الباحثين عن الامن والإستقرار بعد أن أيقنوا أنهم في خدمة مايؤسس لهم وليس العكس فيكون عليهم دوام الطاعة للحاكم ولمن معه من الحاشية ومن يعمل في إمرته من قوى أمن وجيش وشرطة واجهزة سرية وليس لهم الإعتراض أو الموافقة حتى فهم يستجيبون بصمت ولايتحدثون حتى لايفهم من كلامهم ماقد يفسر إنه نوع من الخطيئة المرتكبة ضد الحاكم أو جماعته .
عند الطغاة والمجانين من الحكام والمتجبرين والفراعنة لاقيمة للإنسان ،لاقيمة له عند اللصوص والقتلة والباحثين عن المناصب والأموال ، فالساع في طريق السلطة لايعود للإنسان مثيله من وجود إلا بمقدار مايستخدمه في دوام سلطانه مع الذين إرتضوا الهوان وتعودوه كما في قول الشاعر المتنبي
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
خذ مثلا في هتلر، وهو مثل ليس ببعيد لكنه مؤثر. فالرجل الذي سحب أعظم قوة في العالم لتكون حطاما وبقايا عمران وبشر لم يكترث لشئ سوى لدوام فكرته المجنونة وكان مرتاحا للغاية وهو يتجرع السم مع عشيقته وبعض المقربين منه ،وحين دخلت القوات الأمريكية والروسية الى دولته العظيمة تلك كان الناس يستجدون الطعام ،وكانت النسوة الألمانيات مجرد بقايا وبغايا في خدمة رغبات الجنود المتهالكين والمنتشين بالنصر ،وبعد سنوات من الجنون ذهب هتلر وترك بلده محطما وشعبه تائها ،ومع إن ألمانيا تستعيد مجدها إلا إن الجروح القديمة لاتندمل بيسر ،والتاريخ لايتجاهل تسجيل لحظاته المؤلمة ومايفعله الإنسان يترتب عليه حساب وعقاب ،ولابد للظالم أن يدفع الحساب في الدنيا والآخرة ،حيث يخزيه الله في الأولى ويكبه على وجهه في النار في الثانية ويكون مثار سخرية البشر جميعا ،الذين عذبهم وأذلهم، أو الذين ساندوه وماأكثرهم طمعا ، أو خوفا .فلايتجاهلن أحد فكرة، إن الغاية من كل هذا الحراك هو خدمة الناس لا إذلالهم.