Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الاعلام المضلل وطرق المواجهة

عدنان الصالحي/
دخلت البيوت وأصبحت معنا حتى في غرف النوم، انها وسائل الاتصالات في زمن الإعلام المنفتح المعولم، حيث أصبح العالم كقرية واحدة يختصر المسافات وتتعارف الثقافات وتتداخل العادات وتتناقل السلوكيات، فقد أصبح الإعلام بمختلف وسائطه المكتوبة والمسموعة والمرئية والافتراضية من أبرز خصائص هذا العصر وسماته، وإذا كان الأغلب يقرّون بأهمية الإعلام وفوائده غير المحدودة في مجالات الحياة والأنشطة الإنسانية ويرحبون بكل تطوير في إمكاناته المادية والمعنوية، فإن الاختلاف كبير في وجهات النظر حول وظيفة وسائل الإعلام وحدودها وتأثيراتها سلبا او إيجابا.

ورغم إن من اخطر وسائل الإعلام هي القنوات الفضائية الفاسدة والمروجة للإباحية لسهولة امتلاكها، الا إن الخطر الجديد الداهم الذي بدا يلوح في الأفق ولا يقل خطورة عن سابقه إن لم يكن يفوقه هي القنوات الفضائية المتطرفة التي تدعي الانتماء الى الإسلام وترفع شعاره وتحاول أن تبث سموم التفرقة والكراهية من خلال تحشيد المجتمع الإسلامي في خندقين متقابلين وفي طرفي صراع سيكون المستفيد الأول والأكبر منها الإرهاب الأعمى والمتطرف.

فأي مراقب لمسار اغلب تلك القنوات التي ترفع الشعار الإسلامي يؤشر وبوضوح أنها تركت الجانب الشرعي في تصرفاتها وتخلت عن مسؤولية تاريخية وشحذت كل طاقاتها وبرامجها وإمكانياتها لإثارة الفتن وجعلت من الهجوم على باقي الطوائف والأديان مسلكا ومنهجا لكل مساحات البث الفضائي، وهذا ما نراه جليا في قنوات عديدة اتخذت من الهجوم على الطائفة الشيعية وعلمائها هدفا رئيسا لها ومادة أساسية في تناولها لكل برامجها وخلال الأربع والعشرين ساعة للبث الخاص بها.

الحوار مع إدارات هذه الفضائيات ومؤسسيها ليس مجديا بل عقيما لأنهم يعلمون ماذا يعملون ويقدمون على هذا السلوك ولهم أهدافهم ومناهجهم الفكرية ومعتقداتهم التكفيرية والقضية ليست خطأ في التفكير او عن سوء فهم بل مع سبق إصرار كما يعبر أهل القانون.

غير اننا هنا نتحدث عن مسؤولية النخب والطبقات المعتدلة والواعية في كل الطوائف تجاه هذه الظاهرة فالوقوف بوجه هذه المنهج المنحرف والمتطرف الذي يقوده بعض المضللين تحت مسمى رجال الدين على هذه الطائفة او غيرها واجب شرعي وأخلاقي وهو مصداق وترجمان لرسالة الإصلاح وهي رسالة سيد المرسلين (صلوات الله عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين)، ذلك ان مواجهة هذا التضليل الإعلامي هو إنقاذ لعامة الناس وخصوصا البسطاء منهم وعدم سوقهم الى هاوية الهلاك، وعدم جر الأمة الى مصائب أخرى وتشرذم مما يزيد في تفكيك المفكك وتجزئة المجزئ.

فمن الواجب الشرعي أن يقف الجميع لبيان الحقائق وكشف المزورين للتاريخ والمغالطين والمتجنين وسعيهم لحشد المجتمع الإسلامي في طرفي صراع ليس لأحد فيه فائدة سوى فائدة هؤلاء المتزلفين لحكام الجور والفساد ولكي تبقى سلطة المتبرقعين بالدين وحكومات المشايخ والعوائل الى أطول فترة ممكنة لذلك هم يحاولون صرف نظر الناس عن المآسي التي يعيشها المجتمع الى خطر وهمي غير واقعي أسموه بالطائفية والتقسيم المذهبي.

حيث أكدت المنظمة العالمية لمواجهة التطرف (شهود) في أحدث تقاريرها (...إن التحدي الذي يفرضه المتطرفون على الآدميين كبير وان السكوت والتغاضي عن هذه المشكلة يساعد على تفاقم الظاهرة وان هؤلاء المتطرفون بدأوا يملكون وسائل إعلام متطورة).

في الآونة الأخيرة أخذت اغلب هذه الفضائيات بتصعيد هجومها على الطائفة الشيعية بالخصوص وعلى كل من لا يتفق معها بالرأي عموما، والمريب سكوت إدارة ومالكي الأقمار الصناعية التي تبث من خلال تردداتها هذه القنوات رغم خرقها لأهم بنود المواثيق الإعلامية، وهذا ينذر بخطر تمزيق وحدة الأمة الإسلامية ورفد أسواق التطرف والتعصب المذهبي وزرع روح الكراهية بين أبناء المجتمع العربي الواحد وصرف نظرهم عن هدفهم الأساس في بناء الإنسان المكلف بحمل رسالة السماء.

حيث أكد مجموعة من خبراء الإعلام في ندوة إعلامية ودينية موسعة، عقدت في القاهرة تحت عنوان (الخطاب الإعلامي المستنير في مواجهة فضائيات الغلو)، على أن مواجهة المد الوهابي المتطرف القادم عبر الفضائيات الممولة سعودياً لن ينجح إلا من خلال مواجهته بالفكر والخطاب الديني المتجدد ومن خلال إقامة الحجة عليه بالعقل والفهم المستنير، (بحسب نقل موقع وطن).

وتشير الإحصائيات الأخيرة الى إن الحركات المتطرفة (السلفية) منها بالخصوص أنشأت ما يزيد على 12 فضائية تمول سعودياً بقرابة نصف مليار دولار سنوياً، وهي تبث سموماً للتخلف وفقه البداوة والتشدد الذي يمهد للعنف المسلح ويبرر سلوكياته والذي عانت منه العديد من الدول العربية والإسلامية، وسيحمل المستقبل معاناة أشد عنفاً وأشد قسوة وتشويهاً للإسلام الصحيح، ودور هذه الفضائيات في بث هذا الفكر ونشره، دور خطير للغاية ومن الواجب الشرعي الانتباه له والإعداد الموسع لمواجهته.

طرق المواجهة:

1- بيان خطورة فتنة التكفير وشق عصا المسلمين وضرورة تحديد مواصفات العلماء الذين يتولون التعامل مع وسائل الإعلام في عرض موقف الإسلام من جميع أشكال ومظاهر الانحراف الفكري وفي ومقدمتها الغلو والتطرف وهذا الدور يجب أن تقوم به منظمة المؤتمر الإسلامي بشكل مباشر وجاد كونها الخيمة التي تجتمع تحتها الدول الإسلامية، غير ان تلك المنظمة تعيش في سبات عميق وكأن الأمور حولها تسير بشكل طبيعي.

2- التأكيد على القنوات الفضائية الإسلامية عموما على بث خليط من الإعلام والحملات الدعائية وإقامة المؤتمرات العلمية ونشر الدراسات والكتب التي تقدم الثقافة البديلة، ومنها نبذ العنف والتسامح وتركيز خطاب الوحدة الإسلامية وضرورة احترام الآراء والأديان والمذاهب.

3- التصدي للإعلام الفاسد من خلال إقامة حملات التوعية بعدم المتابعة لها والتحذير من خطرها في المجتمع ابتداء من الأسرة الى الشارع وكلا حسب مساحة عمله وإمكانياته والاهتمام بما تشاهده العائلة في الفضائيات للأطفال والشباب وقليلي الخبرة وتوعية المجتمع من خطر هذه الأفكار القاتلة.

4- إنتاج مناعة إعلامية مضادة تعتمد بناء الإنسان أخلاقيا وعقائديا، خصوصا في الجانب الإعلامي من قبل القنوات الإسلامية الفعلية والتي تنهج الخط المعتدل.

5- إيجاد مناهج تربوية تتماشى مع ما يتواجد من تطور إعلامي وخصوصا التي تدرس في المدارس الابتدائية والثانوية حيث تعد من أقدم المناهج وهي مازالت تعامل الطالب بنفس ذهنية القرن التاسع عشر والتي لم تكن فيها قنوات أرضية او تلفاز أصلا، فالطالب اليوم يأتي بذهنية متفتحة تتغذى من مئات القنوات الفضائية يوميا فيما تقف المدارس عاجزة عن مجاراة او رفد الطالب بالحصانة الذهنية لانتقاء الأفضل من هذه الفضائيات.

6- ضرورة إشراك منظمات المجتمع المدني الفكرية ومراكز البحوث خصوصا في نشر ثقافة الاعتدال والتنوير والتحذير من خطورة التقليد الأعمى او استلام الأفكار المعلبة، ورفد المجتمع بأفكار الحماية الذاتية من تهذيب وتشذيب وترفع عن المهاترات.

وأخيرا علينا إن لا نتهاون في هذا الجانب فمازالت ذاكرة التاريخ تؤشر الى ان الكثير من الحروب كانت نتاجا من الإعلام البسيط الناتج من قصيدة او شعر بحق طائفة ضد أخرى او قبيلة ضد مثيلتها وخلفت من المآسي ما خلفت هذا في زمن لم تكن فيه الأمور بتطورها الحاضر ولا بسلاحها الفتاك الحالي فكيف بما سيجري لو أن الأمور سارت بنفس ما يخطط له تجار السلاح وسماسرة الحروب فلك أن تتصور النتائج.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com/index.htm




Opinions