الانتخابات بين دائرتي الحق والواجب
ليست الانتخابات بجديدة على الشعب العراقي، وليست هي وليدة عراق ما بعد 9/4/2003م، فقد خاض العراقيون الانتخابات قبل ذلك في العهدين الجمهوري والملكي والجزء الأخير من العهد العثماني، وكان الخوف في العهد البائد هو الذي يقود الناس إلى الانتخابات، وأظن أن الأرقام التي كانت تعلن عنها حكومة صدام حسين عن حجم المشاركة هي أقرب للواقع، لان المواطن الذي لا ينتخب كان يخاف درك الحرمان من بطاقة التموين كعقوبة دنيا، وهي كل رأسماله في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة، على إن الانتخابات في العهد الملكي كانت اقرب للممارسة الديمقراطية، لكن ما يميز العهد الجديد أن العراقي لم يعد أسير النظام السياسي المؤسس عام 1921م على قاعدة الطائفية السياسية، ولا النظام الحزبي الواحد الذي يرى (من ليس معنا فهو ضدنا)، فالعراقي يملك كامل الحرية في انتخاب من يرى فيه الصلاح، فهو يمشي إلى صندوق الإقتراع دون أن يكون خائفا يترقب، ويضع الورقة في الصندوق دون أن يلتفت شمالا ويمينا خشية عيون السلطان!وإذا كان الخوف من الحرمان من البطاقة التموينية أو الاعتقال هو ما كان يدفع المواطن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، فهل يعني إزالة هذه الأسباب مدعاة للترهل الانتخابي؟
في اعتقادي أن الانتخابات تقع بين مداري الحق والواجب، فهي حق قبل أن تكون واجبا، وهي في الوقت نفسه واجب، لكن الحق مقدم رتبة على الواجب، قد يسقط الواجب ولا يسقط الحق، فالحج بذاته، على سبيل المثال، واجب الأداء، ولكن شريطة توفر الظروف الموضوعية من مال وسلامة طريق وسلامة صحة وغير ذلك، فإذا لم تتوفر الظروف الموضوعية لا يتحقق الواجب ولا يلام المرء، في المقابل فان البطاقة التموينية هي حق من حقوق المواطنين، حق رب العائلة وأفراد أسرته، فإذا ما أعلنت السلطات المسؤولة عن توفر مادة من مواد البطاقة التموينية وهو واجب متعلق برقبة الحكومة تحقيقه، فرب الأسرة يذهب لاستلام حقه، ولا يتنازل عنه، وإن كانت الظروف غير مؤاتية، من برد قارص وحر قاتل وأمطار غزيرة وغير ذلك.
وهذا ما ينبغي أن ينظر للانتخابات، فهي حق يجب على الناخب أن يأخذه بأسنانه بوضع الورقة في صندوق الاقتراع حتى وإن كانت الورقة بيضاء، لأن المشاركة هي بحد ذاتها علامة صحة على تفهم الحق وتقبل حدوده ومفاده ومؤداه.
أما بالنسبة إلى المرشح، فان المنافسة ينبغي أن تكون على خدمة المواطن، بخاصة في الانتخابات المحلية التي تنغلق دائرتها على المسائل الخدمية أكثر منها مسائل سياسية، والأخيرة متروك أمرها للانتخابات النيابية العامة التي يلاحظ فيها الوضع السياسي العام الوطني والإقليمي والدولي، ولذلك ينبغي أن يمارس المرشحون أو القوائم الانتخابية العمليات الدعائية بطريقة سليمة دون مزايدة على الولاءات الوطنية والقومية والدينية والمذهبية، لان المنافسة النظيفة والتسابق إلى الخيرات تشبه تماما منافسة العدائين الذين ينطلقون من خط واحد في دوائر متوازية وكل منهم يريد الوصول إلى خط النهاية قبل غيره، والعداء في هذا التسابق المشروع لا يقوم بعرقلة زميله وإلا سقط زميله واُخرج هو من حلبة المنافسة مما يسمح للمتأخر بالفوز دون استحقاق رياضي موزون، فإذا مارس المرشحون أو القوائم هذا الفعل المنبوذ، فان الناس ستنصرف عنهم إلى غيرهم مما يضيّع على الناس الصوت الأقرب إلى الحق.
فالمسؤولية في أي انتخابات محلية أو برلمانية في العراق أو في غيره متعلقة برقبة الناخب والمرشح على حد سواء، فإذا ما نظر الناخب إلى الانتخابات كحق من حقوقه المشروعة لازمة الأخذ لضمان سلامة مستقبله وخير أولاده من خلال المشاركة وانتخاب الأصلح، وإذا ما نظر المرشح إلى الانتخابات بوصفها مسؤولية ثقيلة وأمانة في رقبته، فان البلد الذي يملك مثل هكذا ناخب واع وهكذا مرشح مسؤول في ظل حكومة وطنية تقف من كل المرشحين والقوائم الانتخابية على مسافة واحدة، توفر الأمن لإنجاح الانتخابات، فان مثل هذا البلد سيعلو كعبه ويسعد أبناؤه.
alrayalakhar@hotmail.co.uk