البطاقة التموينية.. ومستقبل الاقتصاد العراقي
تتردد هذه الايام اخبار حول تقليص نظام البطاقة التموينية في العراق والذي ظهر سنة 1995 من خلال اعلان حالة الحصار على العراق بسبب السياسات الاجرامية للنظام البعثي البائد...لقد تم توزيع المواد الغذائية الاساسية في هذه البطاقة ..بمشروع فرض على الحكومة العراقية من قبل الامم المتحدة..لكي لايتضرر المواطن العراقي جراء العقوبات الاقتصادية التي فرضت.ضمن قرارات الامم المتحدة...الان وقد مرت على هذا النظام اكثر من 17 عشر سنة..وقد تغيرت اسباب فرض العقوبات ..فقد حان الوقت لمطالبة الحكومة العراقية للامم المتحدة بان ترفع العراق من بند الوصاية في الفصل السابع من قوانينها...وتسمح للحكومة العراقية بالتصرف الكامل بموارد العراق واحكام السيادة على ترابه...
قد يقول البعض ان مانراه اليوم من فوضى ادارية وامنية قد يجعل من التفكير بخطوة تقليص المستفيدين من البطاقة التموينية والدعم الحكومي امرا فيه مجازفة وقد يؤدي الى تازم الوضع الاقتصادي اكثر فاكثر...ولكن الحقيقة غير ذلك..فمن اهم اسباب تازم الوضع الخدمي والغذائي الحالي في العراق هو بسبب الجهاز الحكومي المتخلف واعتماد الشعب العراقي في كل نواحي الحياة على هذا الجهاز...
فالدور الحكومي في الخدمات العامة هو المسيطر ولايوجد له منافس من القطاع الخاص...فالخدمات البلدية مهملة وشبه معدومة في اغلب مدن العراق...والمحروقات والكهرباء والمدارس والمواصلات جميعها بيد الدولة ...ان هكذا وضع يجعل العراق دولة لاتختلف عن اي دولة شيوعية سابقة..سوى وجود هذا المال الجاهز المتحصل من تصدير البترول..وهذا لايتطلب شيئ سوى ايجاد من يستطيع استخراجه والتصرف فيه عبر انتاجه في الداخل او تصديره الى السوق النفطية الدولية..وفي الحقيقة الان يعتمد شعب العراق في كل نواحي حياته فقط على البترول...فالنسبة التي تستقطع للكويت وهي 5 بالمائة تعتبر حصة مستقطعة ضمن قرارات الامم المتحدة..يضاف اليها مصاريف اشراف الامم المتحدة على التصرف بالعائد المالي من تصدير هذا البترول..اضف الى ذلك استيراد العراق للمواد النفطية التي اصبحت مطلوبة في ظل الازمات المصطنعة من خلال شحة الغاز والبنزين وزيت الغاز وجميع المشتقات البترولية بسبب الوضع الامني..حيث يجعل عائد البترول المصدر مرهون بكميات الاستيراد لهذه المواد..اضف الى ذلك استيراد الدولة للمواد الغذائية والانشائية وكل مايخص المواطن العراقي وحاجاته في الداخل..وكل ذلك يتم من خلال المال المستحصل من تصدير البترول...وهناك التزامات للدولة العراقي تفرض عليها مصروفات كبيرة وتدخل ضمنها ميزانية وزارة الدفاع والخطط التسليحية المستقبلية...فسوف نجد ان العراق في ازمة حقيقية يجب معالجتها...ولايتم ذلك عبر مبدأ اصرف مافي الجيب ياتيك مافي الغيب...
نحن امام مرحلة جديدة تماما يجب فيها معالجة الامور باعصاب هادئة عقول متفتحة ...
التخبط الذي يعيشه العراق حاليا ناتج من تراكم الازمات المصطنعة التي ادخل فيها البلد حزب البعث المجرم وقياداته الفاشية...فلو افترضنا ان العراق لايمتلك هذه الثروة الهائلة من النفط فهل يجرؤء اي حاكم عراقي على فعل مافعله بالعراق..قطعا لا..فعملية استجداء الاموال من الدول الاخرى .. هي غيران تحصل على ثروة طائلة بلا عناء وحاصلة من سلعة سترتيجية تتنافس عليها الدول للحصول على حصة منظمونة منها...
ومن خلال ذلك علينا ان نتصور الشكل المستقبلي للانسان العراقي في ظل النظام الجديد والذي لازال يحارب بشراسة من قبل المحيطين بالعراق ..بسبب تشابك وتشابه المشاكل في بلدانهم مثل العراق.
فالصراعات العرقية والدينية وكذلك تفشي الدكتاتورية والاستأثار بثراوات تلك البلدان من قبل الكدتاتوريات المزمنة وغيرها من المشاكل..تجعل الحالة العراقية في خطر دائم يتنظر انفراج الوضع في تلك البلدان حتى يتم الاستقرار في الداخل العراقي..
وبما ان العراق قد اختار النظام الديمقراطي المبني على الانتخابات الحرة والمباشرة والايمان بالمبدأ السلمي في تبادل السلطة فان ادوات هذه الطريقة في العملية السياسية ترافقها شروط وضروف اخرى تساعد على انجاحها...فالنظام الديمقراطي يعتبرا ناجحا عندما تتوفر العدالة الاجتماعية وحقوق الفرد وتوزيع الثروة العادل...وصيانة كرامة المواطن عبر توفير الخدمات الاساسية له وكذلك المساهمة في رفع المستوى المعيشي له...وكل هذه الامور طبعا تتم من خلال خطط تقدمها الاحزاب الحاكمة ومن خلال دراسات معمقة للواقع السياسي والاجتماعي للدولة...والتبشير بهذه الخطط والسعي الى تنفيذها على ارض الواقع..ويعتبر تحقيق ماوعدت به تلك الاحزاب قبل انتخابها من قبل الشعب هو الميزان الحقيقي لمدى صدقيتها ونجاحها في الدورات القادمة من الانتخابات...واي تلكؤ في تنفيذ هذه الخطط معناه فقدان ثقة الشعب بها...
اذا علينا ان نعي ان مبدأ التبادل السلمي للسلطة ومعالجة المشاكل الاجتماعية ووضع الحلول المناسبة لها تعتبر من اهم علامات تقدم البلدان في الوقت الحاضر...ومن المشاكل المستعصية في العراق هو العامل الاقتصادي بعد ان تمت عملية تصفية الكدتاتورية ...
فالوضع العراقي يعتبر من اغرب الظواهر التي مرت على البشرية...
ماذا نقول في بلد يصدر البترول منذ عشرات السنين...وهو يمتلك مخزون نفطي هائل ولكنه يعتبر من البلدان الفقيرة ويرزح تحت مديونية مالية هائلة..وبنى تحتية شبه معدومة وبلد مهمل بالكامل من كافة النواحي
ان الابقاء على الوضع المتردي الحالي يعتبر جريمة بحق شعب العراق...وقد وعدت الحكومة العراقية ان تكون سنة 2008 هي سنة الخطوة الاولى الكبيرة في مسيرة بناء البلد...ولايمكن للحكومة ان تصرح بذلك لولا انها تمتلك برنامج محدد كما فعلت مع الملف الامني وكيف نجحت فيه تقريبا...ان بناء بلد مدمر مثل العراق لايمكن ان يتم في سنة اوسنتان بل يتطلب ذلك وقت ومال وجهود كبيرة...
ان الخطوة الاولى والصحيحة في عملية ازالة الدكتاتورية البعثية واقامة النظام الديمقراطي..يجب ان تتبعها خطوات مدروسة وجاهزة التنفيذ في العراق ومنها نظام الرعاية الاجتماعية المطبق في معظم البلدان الديمقراطية في العالم عدا دول العالم الثالث...
ان نظام الرعاية الاجتماعية ليس هذا النظام الذي عرفه العراقيين عبر توزيع مكارم الدولة على الضعفاء والمساكين...نظام الرعاية الاجتماعية نظام يطبق على جميع المواطنين بلا استثناء ويستفيد منه حقا من هو بحاجة الى الرعاية من الدولة والمجتمع...
ان عملية حساب دخل المواطن بصورة صحيحة وحساب مستواه المعيشي قياسا الى القوة الشرائية للفرد حسب الاحصاءات الاقتصادية الحقيقية تجعل المواطن نفسه في مأمن من الوصول الى حالة الفقر المتعارف عليها في بلداننا المتخلفة...
حسب الدستور العراقي ..لكل عراقي الحق بالاستفادة من ثروات بلاده بغض النظر عن موقعه في المجتمع..
ماذا يعني ذلك؟؟
تحصل على عمل وتحصل بالمقابل على اجر يقابل عملك..هذا الاجر يجب ان يكون كافيا لكي تعيش بامان واستقرار...الاجر يمر بمراحل قبل ان يصل اليك بصيغته النهائية...كيف؟؟
هناك نسبة تؤخذ من هذا الراتب او الاجر للضمان الصحي..وتعتبر هذه النسبة كبيرة في البلدان الاوربية وامريكا والدول المتقدمة الاخرى..هناك نسبة تامين تقتطع من هذا الراتب للضمان عند فقدان العمل وهناك ضريبة او نسبة تستقطع من الراتب عندما يتجاوز الحد المسموح فيه بالمال المستحصل بدون ضرائب..ويختلف ذلك حسب الحالة الاجتماعية للفرد ..متزوج ..اعزب..وهكذا
الدولة تضمن للطفل منذ ولادته مبلغ من المال يصرف لكل اطفال البلاد بدون استثناء ان كانو اغنياء او فقراء ..وتسمى مخصصات اطفال.وتستمر حتى سن 16 سنة..
في العراق مثلا ينص الدستور العراقي ان التعليم والصحة مجانا..اذا الدعم الحكومي مضمون للمواطن من خلال هذين المسارين المهمين للمواطن..وهذا هو اساس الدعم الحكومي ..فلا تستقطع من راتب الموضف اية نسبة..ومادام العراق بلد في بداية تكوينه من جديد فالدعم المباشر للشعب بالمال عبر نظام الرعاية الاجتماعية المدروس افضل الطرق لحماية المال العام من السرقة وضمان وصوله الى كل مواطن محتاج
فالبطالة متفشية بين المواطنين بسبب الوضع السائد حاليا..ولكن ذلك حالة مؤقته سوف تزول قريبا مع بداية اعادة الاعمار وتحريك عجلة الاقتصاد العراقي..فالمواطن العراقي الذي يحصل على اجر يكفيه للعيش بكرامة ..لايمكنه ان يتزاحم مع مواطن فاقد العمل او القدرة على العمل..
ان رفع المستوى المعيشي للمواطن العراقي لايمكن ان يتم بطباعة النقود كما كان يفعل نظام حزب البعث..بل يعكس القيمة الحقيقية للاقتصاد العراقي...فتعزيز قيمة العملة العراقية مقابل العملات الاجنبية تجعل من اقتصاد العراق قوي بمافيه الكفاية لجعل المواطن بعيد عن الازمات الاقتصادية..تخصيص مبالغ ثابته للطلبة ..ومبالغ ثابته للعاطلين عن العمل..ووضع خطط دائمية ومتطورة للقضاء على الفقر بين طبقات المجتمع مع توفر الثروات الطبيعية الهائلة ..هذه الامور تقلل من حالة العوز للمواطن العراقي وتجعله يشعر ان هناك من يرعاه ويشعر بمشاكله ومشاغله..وهذا طبعا ليس ابتكار من عندنا بل هو مطبق في بلدان العالم ذات الثروة الكبيرة..ان ايجاد البدائل الحقيقية والناجحة لما يعانيه المواطن العراقي هو افضل الحلول للقضاء نهائيا على حالة الفقر المصطنعة في بلد غني مثل العراق..
غاز مصاحب لعملية استخراج النفط الخام يحترق منذ عقود في الهواء ..يمكن ان يستفيد منه اقتصاد البلاد من خلال تحويله عبر الانابيب الى بيوت المواطنين.. وهذا يقضي على معاناة العراقيين من ثقل وبدائية قنيقة الغاز..الاستفادة من الاراضي الزراعية في العراق للاكتفاء الذاتي من الحاجة الى الحبوب والبقوليات والخضر والفواكه والمنتجات الحيوانية..وهذا ليس صعبا مع وجود الارض الخصبة والماء الوفير..ان تطوير منظومة الخدمات البلدية والصحية سوف يقلل من المشاكل الصحية للمواطن ويقلل من الامراض وتقليل صرف الاموال الطائلة على الصحة عموما..
البدأ بتاسيس شركات تصنيع للمواد الغذائية بتكنلوجيا متطورة يسيطر عليها القطاع الخاص ويتحكم فيها العرض والطلب من كمية ونوعية..تجعل المواطن هو الرابح الاساسي في هذه المسالة..
ان مسالة القضاء على الازمة المزمنة للسكن في العراق تتم عبر انشاء المزيد من المجمعات السكنية التي يتم ايصال الخدمات الاساسية اليها بسهولة وهي افضل الطرق لمعالجة التوسع الافقي للمدن العراقية على حساب الخدمات المتردية...
ان التجمعات السكانية العمودية توفر الضروف الملائمة لتقديم افضل الخدمات البلدية وحتى انشاء المجمعات التجارية ..والتي بسببها سوف تزدهر المنتجات المحلية التي سوف يتم تحسين نوعيتها وتعبئتها وطريقة خزنها...
ان توزيع الغذاء مباشرة على الشعب وبهذه الصورة التي تتم في العراق عبر البطاقة التموينية..معناه ان البلاد في ازمة وكوارث مستمرة وربما مجاعة بسبب شحة الموارد في البلاد ..وهذا ليس صحيحا في بلد لديه من الموارد ماتكفيه للعيش بسلام وامان..
بدلا من ان نستورد الكهرباء من الدول المجاورة..علينا بناء بنى تحتية للكهرباء وهذا ليس صعبا..لان الشركات العالمية لاتتقيد باحد وهي تنفذ فورا لمجرد ان تدفع لها...علينا القضاء على ازمة الوقود عبر تحسين طريقة استهلاك المواطن العراقي للطاقة..وايصال الغاز والتدفئة المركزية الى بيته وعبر التشجيع على بناء الخلايا الشمسية وتدفئة المنازل شتاءا وتبريدها صيفا..السخان الشمسي موجود في كل مدن العالم الان...الخلايا الشمسية التي توفر الكهرباء اصبحت امرا واقعا في كل بلدان العالم...تستطيع الدولة ان تساهم في توفير ذلك عبر استيرادها وتوزيعها بقروض او مبالغ رمزية تستحصل من المستفيد منها وهو المواطن..او عن طريق انشاء شركات ومعامل تنتج هذه الامور وتشرف على تركيبها وصيانتها..
انشاء بنى تحتية للمواصلات متطورة وتتناسب مع حجم السكان في كل مدينة.. انشاء مترو الانفاق والذي يعتبر من المواصلات الملائمة للمناخ الذي يسود العراق..فالانفاق تقي الناس حر الصيف اللاهب والذي يمتد لفترات طويلة..فالانفاق باردة بطبيعتها ويمكن تبريدها بسهولة ..وكذلك سرعة وصول المواطن الى مكان عمله وسكنه..
هذه الامور وغيرها تعتبر من مهام الدولة وعليها القيام بها اولا والطلب من القطاع الخاص بادارتها عبر التنافس بين هذه شركاته وسيكون المعيار هو مدى تنفيذ الخدمات بطريقة افضل..
وكل ذلك ليست امنيات او كلمات انشائية..بل هي مسالة حتمية يجب فعلها ..وتجد هذه الامور في افقر الدول الاوربية التي لاتمتلك اية موارد..ولكنها تتوفر في مدنها..
لهذا يجب علينا ان نقضي على نظام التوزيع العادل للفقر..ونتجه الى التوزيع العادل للحقوق والواجبات والثروة العراقية الهائلة..اجعلوا الدعم الحكومي بالاتجاه الصحيح..ولنترك حالة الاستجداء التي يعيشها المواطن العراقي منذ تاسيس دولة العراق الحديثة..
المهندس كريم البيضاني
Kareem_albaidan@hotmail.com