Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

البولاني يتقدم بهدوء و المالكي يُهزم بضجيج و الائتلافات تلوّح بأسلحتها

أجمل ما في اللعبة السياسية في العراق أنها تخرج في كثير من الأحيان عن المألوف، لتتساقط الأقنعة بصورة دراماتيكية، موحية للمراقب بمشاهدة مشوّقة، مع عَرضٍ حي و على الهواء الطلق، على الرغم من الهاجس الكواليسي لمعظمهم و المقترن شَرطياً ببرودة السراديب!

وزير الداخلية جواد البولاني تعرض لهجمة شرسة من قبل حزب الدعوة الحاكم و رئيس الوزراء نوري المالكي، فما الذي دفع هذا الحزب لشن مثل تلك الهجمة؟

السبب التقليدي هو اختيار ضحية لإلهاء الأفواه الساخطة من التفجيرات الأخيرة و انتهاج سياسة تعليق الأخطاء الأمنية الفادحة على شماعة الوزير الأمني الأول في العراق الممثل بوزير الداخلية تعد أسهل وسيلة لتحقيق ذلك. لكن السبب الحقيقي و الذي دفع الشخص الثاني في حزب الدعوة علي الأديب، ليتهم السيد البولاني بالعمالة و التقليل من شانه و ثقله في الانتخابات المقبلة و وصفه بأنه ليس بالشخصية المؤثرة و أن تحركاته اكبر من حجمه، إضافة الى مطالبات مجلس محافظة بغداد المنتمي لحزب الدعوة لإقالة الوزير، كانت دوافعها تكمن في الخوف الحقيقي من هذا الرجل الذي بدأ نجمه يصعد بهدوء متزن الى الساحة العراقية.

المتتبع لطريقة تفكير السادة في حزب الدعوة يعرف تماماً بان هذا الحزب يتبع طريقة التسقيط الشخصي لمنافسيه و لو لم يكن السيد البولاني منافساً حقيقياً و رقماً بات الأصعب في المعادلة لَما ترك السيد المالكي الخصوم التقليديين من (الائتلاف و علاوي و المطلك و الهاشمي)، و انصرف هو و أنصاره بكل ثقل ماكنتهم الإعلامية لمهاجمة جواد البولاني رئيس ائتلاف وحدة العراق!

نعم فالسبب الحقيقي هو "ائتلاف وحدة العراق"، المنافس الحقيقي "لائتلاف دولة القانون"، و الذي سحب البساط تماماً و بدون ضجة الى صالحه بدخول شخصيات لها الثقل الأكبر في الجانب السني، ليضفي الى شكل القائمة الطابع الوطني المتوازن و هذا ما أثار حفيظة حزب الدعوة و السيد المالكي على وجه الخصوص، خاصة و أن الشعارات التي رفعها في حملته السابقة ركزت على تلك النقطة في الابتعاد عن الطائفية، إلا أن الفارق يكمن في الطريقة الشعاراتية للمالكي و التي باتت مفضوحة و ادعاءاته الفانتازية للمنجز الأمني خلال الفترة الماضية حتى اذا وقع ما وقع في الأربعاء الدامي و الأحد الأسود، تنصل السيد المالكي بكل هستيرية و جنون و ذعر الى الوراء و بدأ بكيل التهم من بعيد، ليقول أن وزير الداخلية هو المسؤول، فكان مظهره و كأنه يكشف عن دملة و عاهة جعلت من الشعب العراقي يتقزز من ذلك المظهر الذي ظهر به و الذي ستنطبع صورته هذه دون غيرها بكل تأكيد في مخيلة هذا الشعب، كونها الأكثر إيحاء و كشف لحقيقة المواقف !



لكن البولاني الهادئ بطبعه لم يكن متفرجاً و تاركاً السادة في حزب الدعوة يتمادون في الطعن و كيل الاتهامات، فجاءت تصريحاته بأنه مستعد لضبط الأمن متى ما تنصل المالكي عن دكتاتوريته في مصادرة صلاحيات الوزراء الأمنيين و حصرها في حدود مكتبه الخاص، إضافة الى تصريح آخر استفز البولاني به السيد المالكي و أوحى بأنه المرشح الأقوى و المدعوم بقوة من قبل الشارع العراقي قبل غيره لتشكيل الحكومة المقبلة، فكانت هذه هي التسديدة الثانية بعد تشكيل ائتلاف وحدة العراق، لكن هناك تسديدة الفوز و هذه ما سوف تنبئ به الأيام المقبلة و تكشف عنه الانسحابات المرتقبة من "ائتلاف دولة القانون" لصالح "ائتلاف وحدة العراق" خاصة بعد الزيارة الأخيرة لعلي لاريجاني و حثه المالكي بضرورة العودة الى الائتلاف، لحفظ ماء الوجه و الرضوخ و ليس الإملاء عليهم تحت مبدأ "لا فرض ولا رفض" كما أعلن.

كل ذلك سيجعل العديد من الحركات و الأحزاب و الشخصيات المنضوية تحت عباءة دولة القانون تنسحب بالضرورة الى ائتلاف وحدة العراق كونها القائمة المنافسة و الأقرب لتوجهاتهم و الأكثر هدوء بطروحاتها و برنامجها السياسي، لأنها لم تؤسس على أساس الطائفية و ليست مؤدلجة بشعاراتها و دعواتها الصارخة للمناداة بضرورة عودة حزب البعث الى الساحة السياسية، كما تفعل الحركة الوطنية العراقية بقيادة علاوي و المطلك!



و يوضح المحلل السياسي في "مؤسسه اتجاهات حرة للإعلام و الثقافة الدولية" بأن المراهنات على ائتلاف دولة القانون قد بدأت بالتراجع و أن علائم الانهيار والتصدع لهذا التكتل الطارئ بدأت تلوح بالأفق السياسي للمتابع للشأن العراقي من خلال اشتداد الصراع داخل التكتل و انتماء العديد من الكيانات السياسية إلى أيدلوجيات تختلف كلياً عن أيدلوجية السيد المالكي و تطلعاته السياسية رغم كل مكياج العلمانية الذي يصطبغ به.

و أضاف، أن ارتباطاً واضحاً لبعض مكونات دولة القانون بأجندة خارجية أمرتها بالانضواء تحت هذا التكتل لغرضين: الأول هو توجيه ضربة الغدر القاتلة في اللحظة المناسبة و الحرجة قبل انطلاق الانتخابات بقليل و الربح مضمون في تلك اللحظات من خلال تعهد المالكي بتنازلات إستراتيجيه أو أن يخرج من العملية السياسية بالضربة القاضية و هذا يعني الخسارة العظمى على المستوى الشخصي و على المستوى الحزبي، خصوصاً و أن أعضاء من حزب الدعوة عادوا سرا و منهم علنا إلى أحضان الائتلاف الوطني وفقاً لقاعدة عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة و لا شجرة في الأفق القريب!

و قد جاءت تصريحات علي الأديب بوجود مباحثات لعودة ائتلاف دولة القانون الى الائتلاف الوطني العراقي، خاصة أن هناك معلومات تؤكد أن الأديب يمارس ضغوطاً كبيرة داخل حزب الدعوة على المالكي لحثه على الرجوع الى أحضان الائتلاف و ضرورة التفرغ الى المنصب الحكومي أو الى قيادة الحزب التي يطمح الأديب إليها كما هو واضح.



و يؤكد المحلل السياسي في "اتجاهات حرة" بأن الإرادة الدولية و الإقليمية على وجه الخصوص بدأت تضغط بشكل واضح على المرشحين للانتخابات المقبلة و حصرهم بائتلافات و أقطاب كبيرة، و بات واضحاً أن ائتلاف دولة القانون سيخسر اللعبة سواء بقى خارج الائتلاف أم رجع إليه و أن صيغة الائتلاف الوطني تكاد تكون هي نفسها التي تشكل بها في السابق، لكن الفارق في معادلة الانتخابات هذه المرة يتمثل بالكتلة العريضة التي ستتشكل من ائتلاف وحدة العراق بقيادة البولاني و الحركة الوطنية العراقية بقيادة علاوي و التي من المرجح أن تتحالف داخل البرلمان المقبل لتوازي إن لم نقل تتغلب على كتلة الائتلاف، خاصة و أن شهية الشارع العراقي منفتحة دائماً على حب التغيير و السعي لتجريب وجوه جديدة تطرح نفسها كمتصدية للمسؤولية وفق برنامج نتمنى له أن يكون وطنياً و بعيداً عن أخطاء المراحل السابقة.



*رئيس تحرير "اتجاهات حرة"

7-11- 2009- بلجيكا

Hussein Al Husseini

itjahathurra@yahoo.com
www.itjahathurra.com

Opinions