Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

البيت العراقي الدولي و الائتلافات السياسية في العراق

بعد أن تجمعت الأحزاب الصغيرة مع بعضها لتتكوّر و تزداد قوة من خلال تشكيل ائتلافات سياسية في العراق، بدأت الحملات الإعلامية المعلنة و الإيحائية التي تمارسها تلك الائتلافات و الحركات السياسية ضد خصومها، من اجل الفوز بأكبر عدد من المقاعد داخل قبة مجلس النواب العراقي لتشكيل حكومة العراق للأربعة أعوام المقبلة.

مجموعة من المنظمات الإعلامية و المدنية و الأشخاص قرروا كذلك أن يخوضوا غمار التجربة و أن يؤسسوا لكتلة مدنية إعلامية عريضة تمتد على اتساع المعمورة، لمسك زمام المبادرة من جديد و عدم إلقاء التهم و توجيه اللعنة ضد الساسة و الجلوس على أرائك الصبر، منتظرين ما تجود به أكفّ السياسيين من فتات الاهتمام و العطف و الرحمة على مصائر من لم ينتمِ إلى حزب أو حركة أو تنظيم سياسي في عراق تخيّم سحابات الخوف و الفساد على سمائه و التي تكاد تطبق على أنفاسه في التحرر و الإنعتاق.

من هنا كان "البيت العراقي الدولي" مشروعاً لكسر حاجز الاتكال على الساسة و الركون إلى إرادة الشعب من جديد و لكن ليس وفقاً لرؤية الشاعر "أبو القاسم الشابي" و رائعته "إرادة الحياة" المعروفة بمطلعها "إذا الشعب يوماً أراد الحياة....."، و لكن بصورة لا تكون مغايرة في جوهرها و إنما في الطريقة و السلوك الذي يتناسب مع المرحلة و تمزيق شرنقة اللامبالاة التي نخرت جسد الأماني العراقية و التي هاجرت إلى أعشاش اليأس و القنوط أحيانا، و العمل على تحفيز أجنحة التغيير لتحلق نحو سماء سومر و آفاق العقل العراقي المبدع في كل مكان و زمان!

بعد أيام قلائل على إطلاق الخبر الأول الذي تحدث عن حراك عراقي في العواصم الغربية و الشرقية من أجل تأسيس البيت العراقي الدولي، الذي أريد له أن يكون مشروعاً حضارياً يعتمد على رؤيا واضحة و غير مضببة تجاه الإشكالات الاجتماعية و الإنسانية و الحضارية التي يمرّ بها العراق و شعبه خلال هذه الفترة الحساسة التي تشهد تنافساً محموماً من نوع آخر يلقي بظلاله على الشجر و النهر و الأرض و التاريخ و ليس على الإنسان فحسب، إنه صراع الساسة العراقيين الذين اثبتوا بجدارة أنهم سادة الاختلاف و التناحر و القفز باحتراف عالٍ فوق جراح القصائد و أنغام الأمنيات.

ماذا يعني وسط هذا الضجيج أن يؤسس لمشروع إعلامي ثقافي اجتماعي جديد؟ و هناك العشرات من تلك المشاريع لا تعدو أن تكون ترديد لشعارات لها مدلولات سياسية، أو تقليد و محاكاة لحالة تفريخ الأحزاب في حاضنة "العراق الجديد"، ماذا يعني أن تُنمّق العبارات و الجمل لصياغة أهداف لا تعدو أن تكون منسوخة من الأنظمة الداخلية المرمية هنا و هناك و التي ضلّت تراوح في طوابير طويلة أمام أبواب المسؤولين من أجل حفنة من الدولارات تكفي لسد رمق المؤسسين لفترة تطول أو تقصر وفقاً للحصة النقدية المقررة؟!

مِثلنا يعرف تماماً أسماء بعض المنظمات التي تعتبر من الجيوب السرية للسادة المسؤولين و التي تذهب إليها مئات الألوف من الدولارات كتبرعات في واجهتها و كمخزون لذلك المسؤول أو تلك الجهة السياسية في باطنها، هل آن الأوان لكشف تلك المؤسسات بالأسماء و أماكن تواجدها على الأرض أم أن هذا الأمر سيزيد من إحباط المواطن و يأسه من الإصلاح ؟!

عشرات رسائل التهنئة و الرغبة في الاندماج مع البيت العراقي الدولي تلقيناها خلال اليومين الماضيين، و كانت حصة الأسد من تلك الرسائل تتحدث عن الاستعداد لتزويدنا بوثائق و معلومات عن الجهات السياسية و فساد بعض المؤسسات و ما إلى ذلك، و هنا نريد أن نوضح شيئاً في منتهى الأهمية و هو أن أهم أهداف البيت العراقي الدولي يتمثل في خلق مشروع حضاري له لغة أخرى لم تستهلك بعد.

نعم سنشكل مجاميع ضغط إعلامية مدنية ضد الفساد و المفسدين و هذا من أهم أهدافنا، لكننا في الوقت ذاته نريد أن نتحدث عن الجمال، عن الصفات التي نريد لها أن ترتقي بنا كشعب صاحب حضارة، نرغب أن نحافظ على النوع المبدع و الخلاق، عن ذلك الإنسان الذي لم يزل يحمل عراقه أينما حلّ و كيفما ترحّل، نطمح أن يكون لدى الإنسان في العالم المتقدم أفق تعاون حتى و إن كان على صعيد الإعلام و الفن و السياحة، لإنساننا الساكن في أقاصي الهور و الذي يتباكى الآن على هياكل السمك الذي يلبط أمام ناظريه على ذلك الطين الذي صنع منه الرقيم الأول في الحضارات، بعيداً عن تلك "الفالة" المحترفة في القنص حين تسبر أغوار المياه التي شحت بكرمها عن الحياة هناك و قررت أن ترحل بعيداً إلى حيث تأمرها سدود الطغاة !

هل نؤسس البيت العراقي الدولي، لاستدراج الحكومات النزقة كي تعفّ عن أفعالها المستهترة بحق هذا الشعب و تجاوزاتها على فقرائه و علمائه، أم ندلّها على خيوط لم تسنح لها فرصة اللعب عليها بعد، أو القفز فوقها من أجل رؤيا جديدة و وعي حداثي يؤسس لمجتمع مدني متكاتف فيما بينه بعيداً عن ألاعيب السياسة و مصالحها التي تنتهي دائماً بعد الإدلاء بأصوات الناخبين عبر صناديق الاقتراع، أم نغريها لتستعرض مفاتن جسد الانجازات أمام مدفأة تسامحنا الصدئة ؟!

ليس من الصعب أن يوجد شخص واحد على أقل تقدير في كل دول العالم و محافظات العراق، يؤمن بهذا المشروع و يعمل على إنجاحه و التواصل مع أخيه الإنسان الآخر الذي حمل عراقه في حدقات عينيه و هو يلّون نظراته بصورٍ من مختلف البلدان، كي تكتمل الصورة في آخر المطاف و تتشكّل الحقيقية التي لا بدّ أن تلقي بظلالها على أرض الواقع، فالمشكلة كوننا نرى الأمور دائماً من زاوية واحدة و ليس من زاوية أخرى؟!

مثلما نخر الفساد جسد الدولة العراقية، مثلما كسر التشاؤم من أضلاع هواجس العودة لملايين المهجرين، و مثلما يخطف الغرب بأضوائه البراقة آمال العراقيين الذين يرزحون تحت وطأة المحاصصة و الخراب و الموت الذي يكاد يكون يومياً بشكله الدموي المقزز، كذلك نحن على يقين بأن الإنسان العراقي لا يكل عن المحاولة لأجل حياته و مستقبل الأجيال القادمة !

العراق يتكلم

هنا و هناك سيتكلم العراق و من الواجب أن يصغي أبناؤه لما سيقول..

من أراد الانسلاخ عن الوطن و طي صفحة العراق و العراقيين، فله مطلق الحرية و لا عتب عليه، و من أراد أن يؤثر أناه و أهله، فتلك من الأوليات التي لا مزايدات في شأنها، و من اختص بالعلوم أو الفنون و انشغل بها فهذا مدعاة فخر و شرف.

الوطن ليس السياسة، و الوطن ليس بقعة أرض و تاريخ فحسب، الوطن ليس دجلة و الفرات الذين تسعى قوى القهر على تجفيفهما، الوطن ليس ابن لتلك الحكومة و ليس أب لهؤلاء الساسة و ليس خرائب منهوبة نسميها آثار، ليس كلكامش و بابل و سومر و آشور فحسب، ليس اللحن المنساب عبر القيثارة التي عزفت لحنها قبل آلاف السنين، ليس ذلك الموج القاذف بالأزياء ذات الألوان و الأشكال الموحدة، ليس الأجداد و ليس من سيولد من جديد، ليس أنا و ليس أنت !

الوطن يتجسد بجميع تلك الأشياء حين نحملها طلاسم انتماء و تعويذات مكابرة، هو نحن و قد عمّدتنا قسوة الأهل و قوانين الغرباء الرحيمة حين تحاول أن لا تعصر فوقيتها على رؤوساً وفقاً لمبدأ الأجيال المهاجرة، أنه اللعنة التي تلوكنا في الاغتراب و في أحضانه المتربة، انه الشهقة حين تصعقنا موسيقى كلمة سحقتها الذاكرة و نثرت صداها عبر لا وعي النبوءات الحالمة.

من رحم تلك الإحباطات و الإرهاصات و التصورات كان لا بدّ لنا أن نؤسس لمشروع البيت العراقي الدولي، لوضع أول سُلّمة لخطوةٍ تريد أن تصل إلى أكفٍّ تتصافح بعيداً عن المصالحات السياسية التي غالباً ما تضمر خنجراً في أردان الشك و الريبة، لوضع أول لبنة على طريق حب الوطن، بعيداً حتى عن تلك المفردة المستهلكة المسماة "وطنية" !

نريد أن نلتفت لآلام غيرنا مع إدراكنا المسبق بضيق صبرنا و انشغالنا بآلامنا الخاصة، نريد أن نتوحد ضد الطغاة و نسعى لردم الهوّة التي خلفتها السياسات الحمقاء.

العراق لن يصفع آلامه إلا من خلال سواعد أبنائه، العراق لن يقف مرة أخرى على قدميه إلا و كانت رؤى أبنائه أرضا و واقعاً و طموحاً ينتصب عليها كسارية ضوء و أمل.

بعد هذا، يستطيع أيّاً كان أن يغلق الباب بوجهي لأنني لست العراق، و تستطيع الحكومة أن تقهقه و تسخر من تلك الأحلام التي لن تنافسها على حصتها من أصوات الناخبين، و ربما تفكر في يومٍ من الأيام أن تهدم ذلك البيت على ٍرأس مؤسسيه كونهم لا يمثلون العراق.

لكنني استطيع الآن أن أمد يدي إلى إخواني جميعاً لنؤكد مرّة أخرى بأننا العراق !

و للحديث تتمة يا عراق.



*رئيس تحرير "اتجاهات حرة"

13-1- 2010- بلجيكا



Hussein Al Husseini

itjahathurra@yahoo.com

www.itjahathurra.com

Opinions