التاريخ يتكلم الحلقة 120 مقتل الشهيدين بطرس جركو وكوريال تلسقفي
كنت مرة اجهش بالبكاء حين جاء والدي يستعلم عن الامر , قلت ليس لدي الوقت الكافي للدراسة لكثرة العمل مع والدتي في المنزل , طلب من والدتي ان اتفرغ لمدة عشرة ايام فالتزمت والدتي بذلك واتخذت من سطح المنزل المكان المناسب لي . اخترت زاوية واخي باسل زاوية اخرى , كانت والدتي تجهزنا بالحلويات وكانت تصنع لنا قطع الكيك تقطعها في صحن وتأخذها الينا لنأكل اثناء الدراسة على السطح , كانت تفكر اننا بحاجة الى تغذية جيدة اثناء الدراسة . بعد الامتحان ظهرت النتائج وكنت الاولى على جميع المدارس في المرحلة الابتدائية في القوش . قدم والدي لي ساعة يدوية بماركة جوفيال هدية لذلك النجاح الباهر فكنت الطالبة الوحيدة التي تقتني ساعة وكان ذلك مبعث فخري واثار غروري .بدأت المرحلة المتوسطة واتيح لي وقت اكثر للدراسة واللعب , كنت اهوي دراسة الرياضيات واكره مادة التاريخ , احب الشعر وكنت انظم مباراة شعرية مع والدي الذي كان يحفظ اكثر من اربعة الالاف بيت من الشعر , كان يعمل هذا لتشجيعنا على حب الادب , كما كنت مولعة بتعلم اللغة الانكليزية . كان والدي يزودني بقصص وكتب باللغة الانكليزية ويساعدني في تعلمها وكذلك يسعفني في اللغة العربية ألغنية بمفرداتها الا انه كان يتذمر من درس التاريخ ولا يحب ان يسمع عنه ويشعر بالآلم عندما الاقي صعوبة في مذاكرته , فالتاريخ الاسلامي كما هو مدون لايتحدث الا عن الغزوات والقتل والنهب والسلب بحيث يكون تأثيره سلبياً على ذهنية الطالب , كان دائم الانتقاد لتلك العقلية التي كانت دائمة الاشادة بالتاريخ العربي الذي يتغننى دائما بالامجاد الغابرة ولا يحاول اللحاق بركب الحضارة والتطور , فقد جاء الوقت الذي ننعم فيه بالسلام ونبني مستقبل اوطاننا نابذين الحروب وما يصاحبها من دمار , كان هذا رأى والدي الذي كان دائماً ينبذ العنف والتسلط وفرض القوة , كنت استمع دائما الى ملاحظات والدي واحاول ان افهم الكثير , اضافة الى توجيهاته القيمة , كان يحتفظ بمكتبة عامرة فيها كتب بلغات ثلاثة العربية والانكليزية والسريانيية التي كان يجيدها جميعا كتابة وقراءة مما وفر لنا جوا رائعا للاطلاع والمعرفة خلالها .
كل شيْ جميل وهادئ , تفوقي في الدراسة زادني ثقة بنفسي واكسبني مودة واحترام المدرسات . حتى جاء مطلع 1963 شهر شباط فبدأت بانقلاب عسكري قتل فيه عبد الكريم قاسم وتسلم السلطة عبد السلام عارف اليميني المتطرف . عم الارهاب والفوضى والقتل وسفك الدماء واغتصاب الاعراض. والسجون اكتظت بالنزلاء . بعد اسبوع تم تشكيل الحرس القومي (الجيش غير النظامي الذي قوامه البعثيون ) ارتكب ابشع الجرائم بحق مختلف قاطاعات الشعب العراقي بجميع اقلياته وتياراته السياسية وانتماءاته الدينية . كانت له صلاحيات استثنائية الا انه , كان , ولازال ألبيان رقم 13 وصمة عار في تاريخ البعث وقد تنصل منه في وقتها حتى عارف أحد ألمشاركين ألرئيسيين الذى أعترف بانه جيش ارهابي ( وسماه الحرس اللاقومي ) وصدر كتاب يحمل عنوان ألمنحرفون موثق بالادلة الدامغة عن الافعال المشينة والجرائم التي ارتكبها بحق ناس ابرياء . كانوا احيانا يتصيدون الفرصة للايقاع بفتاة جميلة , فلا يتطلب منهم ذلك سوى اقتحام منزلها دون ان يحاسبهم احد وينتزعونها من اهلها بحجة انتسابها إلى انتماء سياسي معين ثم ينالون منها مآربهم "عاد التاريخ نفسه الان عندما ظهرت الميلشيات ثانية لتمارس نفس سلوك البعثيين ". علمنا ان زوج خالتي المرحومة يازي- سليمان وهو الضابط الشيوعي في الجيش العراقي قد اعتقل , توجهت جدتي شوشي الى بغداد لتقف مع خالتي في محنتها وفي نفس السنة اعتقل زوج خالتي الاخرى مريم - ياقو توماس ايضا . حارت جدتي بالامر لا تعلم كيف ومن تساعد والى جانب من تقف ؟ ومن تزور ؟ انها حقاً اوقات عصيبة ويعتبر اليساريون تلك الحقبة من اسود الايام في تاريخ العراق .
كان هدف البعث اجتثاث اليسار من جذوره في العراق ولكن القوة والبطش لم تستطيعا اخماد الفكر التقدمي وان كان قد نجحا في اضعافه لفترات في ظل الارهاب والقمع , ولكن الشعوب وفي مقدمتها الشعب العراقي تواق للحرية والديمقراطية .
استهل البعث حكمه باكبر حملة للاعدامات ومارسو ابشع اساليب التعذيب في السجون ونتيجة لذلك التجأ الاف المواطنين للاحتماء بالجبال ومن ضمنهم والدي واخي سفر الذي كان عمره 17 عاماً طالب في الاعدادية , في الليل يعودون احياناً الى البيت ويمكثون حتى الخامسة صباحاً ويتزودون بالطعام الذي هو الخبز , والجبن اكثر الاحيان , وينسحبون بعدها الى الكهوف الجبلية او الى قرية للاكراد من مربى الاغنام فيها كهوف ايضاً ومنبع للمياه واشجار كثيرة يمكن الاختفاء بينها في حالة الضرورة .
كانت الكهوف تلك مأوى النساء والاطفال ونسبة قليلة من الرجال المسنين منهم لان غالبية الشباب الذين حالفهم الحظ في الافلات من ايادي الطغاة التحقوا بالحركة الكردية . اعتدنا ان نجد افراد الحرس القومي مرة كل اسبوع في المدرسة لاعتقال من يرغبون من الاساتذة والطلبة دون ان يستطيع ان يعارضهم احد , كانوا يحضرون على حين غرة , صباحاً , لاعتقال الطالبات وعند شعورنا بمقدمهم لم نكن نخاطر بالذهاب الى المدرسة , اما حينما نكون في المدرسة تشعرنا البوابة بقدومهم وتفسح لنا المجال للهروب . طالبات في الثالثة عشر من عمرهن يواجهن ذلك الخوف والرعب والأضطهاد ! انتهى العام الدراسي الذي لم نشعر فيه باننا طالبات في مدرسة بل في معتقل نتجنب ارتياده اما الحياة في البيت فلم تكن افضل لما كنا نلاقيه في المدرسة , الوالد مختفي ومعه الاخ الاكبر , جدتي في بغداد ونحن نتوقع بين لحظة واخرى مداهمة الحرس القومي لدارنا . في الليل نراقب حركة الشارع حيث يؤم الدار والدي مع رفاقه من المعارضة يتناولون طعامهم ويتناولون قسطاً من الدفْ والراحة استعداداً للمغامرة في الصباح الباكر والامور تسير من سىْ الى اسوء , لم تكن قد استقرت للمعارضة قواعد او اماكن يلوذون بها او يحتمون من البرد او من عناصر الحرس القومي والسلطة , كما لم يكن هناك مجال لترحيل العوائل وابعادها عن متناول اولئك لنفس السبب , فاتخذ قرار ببناء مقرات للبيشمركة في الكهوف او بالقرب منها حيث تتواجد ينابيع الماء , وهكذا انقضى الشتاء وحل الربيع . كان والدي يعاني من قرحة في المعدة , وكانت حالته تسوء بسبب القلق النفسي والظروف الصعبة , فكانت والدتي تهيْ له الطعام الخاص به ليأخذه معه عند مروره بالبيت .
بداية العطلة الصيفية قررنا ، نحن الطلبة القيام بحملة لجمع المواد الغذائية ؛ كان يجري ذلك في الليل , كنا نجمع البرغل والجبن والسمن والسكر والشاي فضلاً عن الخبز نحملها ونتوجه بها الى الجبل . اتذكر في احدى المرات ونحن نقوم بتلك العملية مع زميلين لي جلال جلو والاخر جلال يلدكو حاملين على ظهورنا المواد الغذائية , كنت مرتدية ثوباً احمر , قال احدهم ان لون الثوب سيكشفنا امام الطائرات المقاتلة , واضاف الثاني للمرة القادمة البسي ثوب ابيض او خاكي . لم يكملا حديثهم واذا بعدد من الطائرات المقاتلة من نوع ( ميك 17) تحلق فوق روؤسنا , ارتمينا على الارض واشاروا على ان اختبيْ تحت شجرة البلوط ووضعوا اغصان الشجرة فوق رأسي . بعد ان ولت الطائرات نهضنا وواصلنا التسلق الى المقر في الجبل . وطول الطريق كنت احمل اغصان الشجرة على رأسي للتمويه على لون الثوب في حالة تحليق الطائرات ثانية .وحينما شاهدني اخي غضب جداً وامرني بعدم ارتداء ذلك الثوب ثانية , سلمنا لهم تلك المؤن ورجعنا في المساء وارسل معي والدي البريد واعتقد كان حزبياً فاوصلته , استغربوا لتلك الجرأة التي ابديتها في الطريق الوعر والشمس اللافحة , تكرر الحال هكذا كل اسبوع بالاشتراك مع الزملاء والزميلات من الطلبة ونساء المنطقة .
يوم 7 تموز 1963 , يوم عابس كئيب ذكراه راسخة في الاذهان ولا يمكن ابداً محوها , استيقظنا من النوم في الخامسة صباحاً على اثر الجلبة والضوضاء لنتفاجأ بافراد الحرس القومي فوق روؤسنا ونحن في مناماتنا فوق السطح . امرونا بالنهوض بعد ان سحبوا الاغطية عن اجسامنا . كنا جميعاً اطفالاً ومعنا والدتي , يصرخون بشكل جنوني موجهين فوهات بنادقهم نحونا متسائلين عن والدي . وبعد ان تأكدوا ان والدي غير موجود معنا , بدأوا باستجواب والدتي , وبعد ان بعثروا كل شيْ وحملوا كلما وقعت عليه ايديهم غادروا . قادتنا والدتي الى كهف يوجد في بيت احد الجيران وهو قريب منا "كهف بيت فعونا ". وجدناه قد ازدحم بعشرات النساء والاطفال يحتمون به خوفا من القصف الجوي للمدينة .
كنا قد غادرنا دارنا صباحاً بدون طعام او شراب , ونحن داخل الكهف المظلم طلب القس من الجميع الركوع والصلاة من اجل النجاة . بدأنا نتلوا الصلوات نتضرع الى الله ونرتل جميعاً ( السلام عليك يا مريم العذراء) ونرجوا منها ان تكتب لنا النجاة مما نحن فيه من ضيق ولأولئك الذين في أعالي الجبال . طرقت سمعنا اصوات طلقات نارية بدأت تزداد حدة وكثافة ومن ثم اختلطت مع اصوات افراد الحرس القومي ( كنا نميزهم من اللغة العربية التي يتكلمون بها لان اهل القرية يتكلمون فقط السريانية ) الشوارع خالية تماماً من اهل القرية , الحرس القومي وحده يتجول .
في السادسة مساءاً بدآت اصوات المصفحات والدبابات بالتحرك واوامر الانسحاب تسمع . كنا في الكهف تكاد انفاسنا تتوقف من شدة الخوف لا نجرؤ على النطق أو التحرك . في حالة كهذه تعمل كل اجهزة الجسم وكانه كومبيوتر يلغي وظيفة ويحفز اخرى ، بعد ان تآكدنا من خلو الازقة عدنا الى بيوتنا ولكن القصف المدفعي والجوي استمر يستهدف اوكار المقاومة في الجبال القريبة وتواصل لاكثر من 12 ساعة . سيطر علينا الهلع على مصير الرجال هناك . من استشهد ومن كتبت له الحياة ؟
بعد خلو القرية من الحرس القومي توجه قسم منا الى الجبل لتلقي الاخبار وعلمنا بوجود قتيلين في قمة الجبل ولكن لم تتضح بعد هوياتهم . الكل يسآل بهستيرية من يكون هذين الشهيدين ؟
عندما دخلت الدار جاءت صديقتي انجيل جركو تسآلني الذهاب لمشاهدة القتيلين اللذين القيت جثتيهما على قارعة الطريق في القرية. تهافت الناس الى المكان لتشخيص من يكونا , وللتو بدآت اركض مع صديقتي دون علم والدتي ووصلنا لنجد حشداً غفيراً من الناس , تمكنا من التسلل بينهم والوصول الى الجثتين المرميتين , لااحد يستطيع تشخيصهما . يالهول وبشاعة ما رأينا! انتفخت الجثتان الى حد غير معقول وكانتا ملطختان بالدماء , من كل الجهات , وقد احالت حرارة الشمس التي كانت تتجاوز 45 مْ بشرتهما البيضاء الى الوان تتراوح بين الاحمر الداكن والاخضر والازرق , فكان يتبادر الى الناظر اليهما ان وزن كل واحد يزيد على 150 كغم , كانا قد لقيا حتفيهما في الثامنة صباحاً , وسحلا من قمة الجبل حتى المدينة متدحرجين بين الصخور والاشجار والاشواك الجبلية . الجروح تغطي كل جزء طاهر من جسديهما , فاختلط الدم المتخثر مع الشعر مع بقايا الملابس . اسنانهما مقتلعة ويبدو انهم (اي الحرس القومي ) مثلوا بجثتيهما حتى بعد مفارقتهما الحياة.
بلغ الاسى والحزن اشده عند الجمهور المحيط بالجثتين وهو يلعن اولئك القتلة المجرمين . لكن المفارقة المذهلة والتي تدمي القلوب هي ان صديقتي انجيل تكلمت بفزع ظاهر :"هذه الجواريب الزرقاء التي في قدمي هذا الشهيد تشبه الجواريب التي اعطيتها لاخي بطرس يوم امس ولكن اخي لم يكن بدينا مثل هذا . لا لايمكن ان يكون هذا اخي فهو لا يشبهه مطلقاً ". لم تدرك انجيل , في حينه , انه بتأثير الحرارة ونتيجة تعرض الجثة للسحل مسافات طويلة تغيرت كل معالمها . والدتها ايضاً حضرت لمشاهدة الموقف ولكن الظلام كان قد اسدل ستائره , فكان من الصعب التعرف عليها . في الثامنة مساءا جاء عمال القسم البلدي ليدفنوهما في مكان عام , على غير ما اعتاد الناس هناك اذ لكل عائلة مقبرتها الخاصة بها ضمن المقبرة العامة الكبيرة للقرية . دفنتهما السلطات البعثية بطريقة بشعة كالطريقة التي تم قتلهما بها , ومن يومها ظلت كلمة بعثي مرادفة لابشع ما يتصوره الانسان من جريمة , منذ الخليقة حتى تلك اللحظة !
ظلت والدة انجيل قلقة . توجهت وسط الظلام صوب الجبال لتتفقد اولادها الموجودين هناك ولكن صادفها ابنها لزكين وقال لها : الى اين انت ذاهبة ؟ انفجرت الدموع من مقلتيها متسائلة : اين اخوك بطرس ؟ اجابها انه توجه الى جبل كارة الذي يبعد مسافة سبع ساعات . ولكنها و(قلب الام دليلها ) كما يقول المثل , لم تطمئن لهذا الجواب مطلقاً . فتحولت هذه الام الهادئة الرقيقة الوادعة الى كتلة من الانفعال والاظطراب وهي تتلهف لسماح من يخبرها عن مصير ولدها بطرس , بعد ايام جاء لزكين وقال ان الذين دفنا هما اخوه بطرس ورفيقه كوريال من قرية تلسقف. اية ارض يمكن ان تتحمل حزن تلك الوالدة واية دموع تشفي غليلها ؟ صرخاتها كانت تشق عنان السماء . لم يكن احد يتجرأ على الاقتراب من دارهم , فلقد منعت الشرطة والسلطة المحلية الاهالي من زيارتهم او تقديم التعازي والمواساة لهم , كما منعت اقامة المراسيم والصلاة على روحه . ومنذ ذلك وحتى اللحظة هذه هي ممارسات البعثيين .
ذهبت عند صديقتي انجيل وجدتها جالسة في سرداب البيت وقد اوصدت النوافذ والابواب , والدتها تبكي بصوت خافت . تقطع شعر رأسها الذي حلته ( وهذا تقليد عند النساء ) دليل على الحزن العميق ، وبين يدي الام الحزينة صورة ابنها تقبلها وقد غسلتها بدموعها , تشاركها انجيل في النحيب . نهضت صديقتي وجاءت بكأس ماء تقدمها لوالدتها وتقول لها : اشربي يا امي ! لا تصرخي ! ابكي بهدوء ! الشرطة تراقب دارنا . كانت الوالدة تلوح بيديها نحو السماء : ما هذا الظلم يارب ! فلا تستطيع الام الثكلى البكاء على ابنها او لبس السواد حداداً عليه ؟ لن انسى معاناة صديقتي عندما كنا نرجع من المدرسة , كانت تقول: لا ارغب الذهاب الى البيت انا لا استطيع العيش فيه واخي بطرس غائب عنه . انني لا اصدق انه هو الذي شاهدناه . الجميع في البيت يبكون طوال الليل فلم يكن يؤنس وحشتهم فيه احد , وتضيف انني ارغب ان ابقى عندكم في البيت . كانت والدتي تحتضن انجيل وتشد من ازرها وتحاول تقليل وطأة المأساة عليها وتنصحها بالتوجه الينا . تقول انجيل انني عندما ارجع الى البيت أرى والدتي في السرداب وقد حلت شعرها تواصل البكاء والنحيب . الشهيد الاخر كوريال كان شاباً لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره . اما كوريال , كانت زوجته حامل في شهرها التاسع , عندما ابلغت بتلك الكارثة , بعد بومين احست بالام الولادة , فانجبت توأمين , انجبتهما وهي في حالة يرثي لها من الحزن والاسى فاختلطت دموعها وحسرتها بالام وصرخات الولادة . اطلقت على احد التوأمين كوريال والاخر بطرس . لقد علمت ان الشهيد الاخر هو رفيق زوجها . كتب للطفلين الحياة , وشبا في كنف والدتهما وعاشا المأساة العائلية حيث لا والد لهما , يسألان عن قتلة والدهما وصديقه ويرغبان في زيارة قبريهما . عام 1970 نقلت رفاتهما الى مقبرة سميت فيما بعد (مقبرة الشهداء) واقيم حفل تأبيني كبير للشهيدين حضره الطفلان , لم اكن موجودة أنئذ ولكن صديقتي انجيل روت لي عن مشاهداتها وانطباعاتها في ذلك اليوم المشهود ؛ بعد سنين تمكنت انجيل ان تغسل تراب اخيها بدموعها . بعد سنوات تنبش تلك الحفر للبحث عن بقايا العظام وتنقل الى قبور لائقة بهما ليخلدا في الذاكرة والذكرى . ولكن لتفتح الجراح القديمة وتعاد الى الاذهان , مرة اخرى , تلك المأساة بأبعادها المثيرة للالم والاسى .
لا اعلم اين هم ولداك التوأمان ايها الشهيد كوريال ؟ ربما ستقرآن هذه القصة لتعلما من كان والدكما ومن الذي حرمكما من عطفه وحنانه . مجداً وسلاماً لروحيكما ايها الرفيقان اللذان كنتما باكورة قافلة الشهداء التي روت ارض كردستان العراق بدمائها الزكية .