التغيير الديموغرافي للمناطق المسيحية في سهل نينوى
كنا نعتقد ان سياسة الحكومة العراقية الحالية بعد التغير الذي حصل عام 2003 ستكون افضل من سياسة الحكومات السابقة التي كانت تتركز في التغيير الديموغرافي السكاني لمناطق شعبنا الكلدوآشوري السرياني (السوراي). ولكن خاب املنا عندما نرى استمرار هذه السياسة للحكومة الحالية في تغيير معالم المناطق التي يقطنها شعبنا في سهل نينوى، والجديد فيها قرقوش حالياً.ان ابتلاع الاراضي الزراعية التي يعتمد عليها سكان هذه المناطق في معيشتهم وتقسيمها كقطع سكنية يضر ضرراً بالغاً بمعيشة ساكنيها اولاً، وثانياً توزيع اربعة الاف قطعة سكنية في قرقوش لمواطنين من غير منطقة، انها صيغة مبرمجة وجماعية للتغيير السكاني في المناطق التي يقطنها المسيحيون منذ آلاف السنين. ان هذه السياسة منافية للشرع وكل القوانين التي تقرها العدالة. ان شعبنا كيان اصيل وعريق له دور كبير في بناء الوطن وحضارته وثقافته ومحب للعلم والعمل الصبور المنتج.
وممارسة مهن الاختصاص بكل جدارة والمتفاني في القيام بالاعمال الوظيفية بكل دقة، ويغلب على هذا الشعب الشعور الطاغي في المواطنة لكونه متجذر في ارض الاجداد وامتداداً لحضارتهم... لو اتيح المجال دون تفرقة وتميز لهذا المكون من احفاد سومر وبابل واشور، لكان العراق الآن يعد من الدول الصناعية المتقدمة في عصرنا الحالي.
ان كل فرد من هذا المكون السكاني نموذجاً في اقتفاء اثر الاجداد الذين اوجدوا الكتابة ودونوا القوانين واخترعوا الآلة. ولكن نرى العكس فقد تعرض هذا الشعب عبر تاريخ طويل الى عمليات الابادة والتشريد من ارض وطنه. وشتان بين معاملة متميزة خاصة تليق بهم بصفتهم السكان الاوائل في اوطانهم.
ان سياسة الاقصاء هذه منافية حتى مع الفقرة ب من المادة 27 من الدستور العراقي (رغم نواقص الدستور وعيوبه) وتنص هذه الفقرة: (يحضر التملك لاغراض التغيير السكاني).
ان سياسة التغيير السكاني كانت متبعة في حكومة صدام السابقة، واحداها في قرية بيندوايا القريبة من ناحية القوش، هذه القرية المصيف التي تمتاز بجدول الماء الذي ينساب من الجبل والذي كان يروي غابات بساتينها ومزارعها، فقد اغتصبت القرية وتهجر ساكنيها وتم اسكان الغرباء محلهم علماً ان القرية مملوكة لدير السيدة. وان هؤلاء القوم الغرباء تطاولوا على الاثار الآشورية فيها (آثار شيرو ملكثا) وعبثوا فيها وازالوها من الوجود لتغير حتى المعالم التاريخية للحضارات القديمة في المنطقة. كما وقامت السلطة البائدة بقلع غابات البساتين المثمرة التي كانت تشتهر بها بيندوايا وان طيب مذاق ثمارها لا زلنا نتذكره لحد الآن.
وبعد التغيير الذي حدث في العراق عام 2003، تم ابلاغ الغرباء بضرورة مغادرة القرية وتسليم المساكن والاراضي لشاغليها السابقين، اصر هؤلاء الغرباء عدم المغادرة دون ان يدفع لهم الدير التعويض المزعوم، وفعلاً دفع لهم التعويض.
في مقابلة خاصة في موقع عينكاوا الالكتروني ليوم 24/9، مدح السيد عصام عائد شيت رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي في مجلس محافظة نينوى، حيث ذكر جزءاً من المادة 23 من الدستور التي تقول: "يحق التملك لكل عراقي وفي اي مكان). هذا ما جاء في الفقرة (أ) من نفس المادة 23. ولكن رفض ان يكمل ما تنص عليه الفقرة ب من نفس المادة التي تمنع التملك لاغراض التغيير السكاني.والمعبرة بـ (لا تقربوا الصلاة).
ألم يكفي ما تحمله مسيحيي العراق من مآسي وويلات ليأتي دور سلب اراضيهم وحرمانهم من لقمة العيش، وجعلهم اقلية حتى في مناطقهم التي سكنها اجدادهم منذ فجر التاريخ؟
ان نظام صدام البائد كان قد وزع ثلاثة آلاف قطعة سكنية في قرقوش للغرباء عن المنطقة، والان النظام الحالي يروم توزيع اربع آلاف قطعة سكنية اخرى للغرباء ايضاً في نفس المنطقة. ان بيوت قرقوش لا يتجاوز عددها خمسة آلاف بيت، فاذا تم توزيع هذه الاراضي فبالتاكيد ستحدث تغييرات اجتماعية وثقافية وسيفقد اهالي المنطقة خصوصيتهم.
او لم تكن هذه السياسة استمراراً لحكومة صدام السابقة في تغيير التركيبة السكانية للمناطق المسيحية؟ اننا كمجلس كلدوآشوري سرياني قومي ندين ونستنكر هذه السياسة التي اوصلت شعبنا (السوراي) الى الهجرة من وطن الآباء والاجداد، واصبحنا مشردين في ديار الغربة. والعائلة الواحدة مقمسة في دول متعددة.
الى متى تتواصل سياسة التهميش والاقصاء للمكونات الصغيرة من شعبنا في الوطن؟؟؟