Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

التيار الديمقراطي وأزمة تحالفاته المستمرة!

حين أسعى إلى فهم منطق الصراع داخل التيار الديمقراطي وعجز قواه في الوصول إلى اتفاق سياسي لخوض الانتخابات القادمة أو الوصول إلى اتفاق استراتيجي يسمح بإقناع الفئات الاجتماعية بقدرته على تحقيق منجزات إيجابية له من خلال زيادة دوره وتأثيره في الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والعسكرية والبيئية والعلاقات الدولية الجارية في العراق, أجد نفسي أنا الآخر أكثر عجزاً عن فهم هذا اللغز الذي يصعب على كل عاقل فهمه ما لم يدخل في تفاصيل الأمور ويسعى إلى فهم أو استيعاب صعوبات العملية الجارية في العراق والمناورات والوعود التي تمنحها القوائم الكثيرة ذات القاعدة الفكرية الإسلامية السياسية والطائفية السياسية التي تشكلت لخوض الانتخابات القادمة تحت تسميات جديدة قديمة. ليست التسميات الجديدة سوى التعبير عن فشل قوى التيار الطائفي السياسي عن إقناع الناس بصواب منهجه المقيت. وهو أمر جيد, رغم أن أساسه الفعلي يقوم على المثل الشعبي القائل "أخاك مجبر لا بَطل".

قبل سقوط النظام الدكتاتوري البعثي كانت الأحزاب كلها ممنوعة, بما فيها الأحزاب الإسلامية السياسية, إلا أن الأخيرة كانت تمتلك بيوت الله حيث كانت قواها المتخفية, وبدعم من المرجعيات الدينية لتلك القوى, تمارس نشاطها في العراق وتعوض عن وجود قيادات أحزابها في العمل بين الناس, في حين لم تستطع القوى العلمانية الديمقراطية أن تمارس ذلك في بيوت الله, بل كانت مهددة بالموت دوماً, ولكن بعضها كان يمارس العمل حتى تحت تهديد المقصلة وقتل الكثير من عناصر جميع القوى السياسية دون استثناء.

وبعد سقوط النظام انفتح الجو للجميع ولكن بصورة غير متكافئة, إذ كان الانفتاح لقوى الإسلام السياسية والقوى الكردستانية أكثر بكثير من انفتاحه على القوى الديمقراطية العربية, إذ جرى تطويق وحصر القوى الديمقراطية بالفكر الإسلامي السياسي وبالفكر الطائفي من جهة وبالفكر المناهض لما حصل في العراق من تغيير من جهة أخرى. ولم يكن دور الاحتلال مساعداً لقوى التيار الديمقراطي , بل كان معززاً لقوى التيار الديني في السلطة والمجتمع من جهة ثالثة.

وهكذا لم تستطع القوى الديمقراطية أن تحقق مواقع مهمة وواسعة في صفوف المجتمع رغم الجهود الخيرة التي بذلت على هذا الطريق, خاصة وأنها كانت مهددة أكثر من غيرها بالقتل من جانب كل قوى الإرهاب, سواء أكانت من قوى القاعدة, أم من قوى البعث ألصدّامية أم من قوى هيئة علماء المسلمين السنة, أم من قوى جيش الهدي أو المليشيات الطائفية الأخرى, وقد قتل الكثير منهم فعلاً. وهي لا شك تعمل في ظروف فكرية وسياسية معقدة وفيها الكثير من ردود الفعل الطائفية لسياسات النظام البعثي الشوفيني والطائفي السابق.

أما اليوم فنحن أمام تكتلين سياسيين هما الائتلاف الوطني العراقي وائتلاف دولة القانون. وهذان الائتلافان يسعيان بكل جهد, ومن خلال مواقعهما في السلطة ولدى المرجعيات الدينية, للوصول إلى تمزيق التيار الديمقراطي العلماني من خلال التفاوض مع بعض قوى التيار الديمقراطي لكسبه إلى جانبها, ومن خلال تطويق بقية قوى التيار الديمقراطي بنشاطها ومنع حركته الفاعلة. وحركة الكسب محمومة جداً والوعود بمناصب ودور أكبر في الحياة السياسية معسولة وتتجه لعناصر معينة في التيار الديمقراطي. وقد استطاعت أن تكسب فعلاً بعض عناصر قوى التيار الديمقراطي. فالدكتور عامر حسن فياض التحق بالائتلاف الوطني العراقي, والدكتور مهدي الحافظ بعد انتقالات وتشكيلات ومحاولات كثيرة استقر في صف ائتلاف دولة القانون, وهما نموذجان لعدد آخر من عناصر كانت تعتبر تقليدياً جزءاً من التيار الديمقراطي أو محسوبة عليه, وهما على سبيل المثال لا الحصر.

ولم يكن هذا كافياً بل توجهوا صوب القوى الأساسية في التيار الديمقراطي وتحرك الدكتور أحمد الچلبي ليجر إليه من يمكن جره, كما تحرك السيد علي الأديب ليكسب هو الآخر من يستطيع كسبه. وإذ نجح الچلبي بسهولة, كما يبدو, في كسب الحزب الوطني الديمقراطي مجموعة السيد نصير الجادرجي والدكتور هاشم شبلي), وهو أمر مثير للشجن وصعوبة الهضم, عجز الاثنان أو التكتلان الإسلاميان عن كسب الحزب الشيوعي العراقي وبعض المنظمات السياسية الديمقراطية الجديدة والتي لا تزال في بدايات عملها المنظم أو في تكوين تحالفاتها الجديدة. لقد أصبح التيار الديمقراطي في العراق (عدا الكُرد الذين لهم التحالف الكردستاني وقائمة التغيير حتى الآن) عرضة للنهب والسلب من قبل قوى التيارات الأخرى, وهي والحق يقال مشكلة كبيرة يفترض أن تعالج بعقل بارد وقلب دافئ من قبل قوى التيار ومستقبله ونضاله.

إن هذا الكسب لبعض قوى التيار الديمقراطي من جانب القوى الإسلامية السياسية والطائفية يبدو وكأنه كسر للطائفية, وهو ينطوي على نصف الحقيقة, أي ينطوي على مسألتين, وهما حقيقة فشل التوجه الطائفي في الدولة والمجتمع إلى حدود مهمة, وليس كلية, بين صفوف الجماهير من جهة, ولكنه في الوقت نفسه انحناء مؤقت أمام العاصفة المضادة للسياسات الطائفية من جهة أخرى. ولهذا يفترض في من تبقى من التيار الديمقراطي الرافض للركض وراء سياسات المكاسب الجزئية والشخصية, أن يتحروا عن أسلوب عمل يساعدهم على تعبئة من تبقى من قوى التيار الديمقراطي, وهم ليسوا بقلة, فهم الحزب الشيوعي العراقي ومنظمات وشخصيات أخرى, وتحت اسم وطني وديمقراطي عام يستطيع أن يعبئ كل القوى الديمقراطي حوله وتحت رايته, إذ يمكن لمثل هذا التحالف أن يكسب إلى جانبه حتى عناصر ومجموعات من بين صفوف أولئك الذين انتقلوا إلى صف قائمة أهل البيت الشيعي (قائمة ائتلاف العراقي الموحد السابقة) أو قائمة ائتلاف دولة القانون أو التجمع الذي نظم أخيراً وبمشاركة طارق الهاشمي. لنعطي قائمة التيار الديمقراطي اسماً أرحب من اسم يقترب من حزب بعينه, لنمنح القائمة اسم قائمة الشعب الديمقراطية أو قائمة "المستقبل الديمقراطي العراقي", أو قائمة "الديمقراطية والتجديد" لكي يمكن به تعبئة القوى وليس الانفراد بقائمة مستقلة, فقائمة متحالفة هي الأداة الأفضل والأكثر حكمة في المرحلة الراهنة لنضال من تبقى من قوى ديمقراطية في الساحة السياسية العراقية أو في القسم العربي من العراق, وهي ليست قليلة حقاً ويمكن العمل في صفوفها لصالح المسيرة الديمقراطية للقوى العراقية, خاصة وأن أغلب القوى المتبقية التي لم تلتحق بقوى التيارات الأخرى هي ديمقراطية يسارية لا اعتقد بصعوبة الوصول في ما بينها إلى اتفاق انتخابي مناسب. لا أنكر وجود اختلافات, ولكن يمكن لوي عنقها لصالح التحالف المشترك.

أتمنى على الجميع بذل أقصى الجهود لتحقيق هذه الخطوة المهمة, خطوة ضمان بروز قائمة مشتركة لقوى التيار الديمقراطي, لتلك القوى التي لم تتخل عن مواقفها المبدئية لصالح مستقبل العراق الديمقراطي. المساومة المحسوبة هنا ضرورية, والقبول المشترك بها ينفع الجميع. ليس لي غير أن أتمنى, رغم أن التمني هو رأس مال المخلص لمثل هذا التحالف الديمقراطي بين قوى التيار الذي يراد تفتيته والتضييق عليه وحصره في زاوية حادة.

25/10/2009 كاظم حبيب
Opinions