الجلسة المفتوحة: إشكالية النص وحل الإشكالية
د.ضياء الجابر الاسدي/استبشر العراقيون خيراً عندما التأم شمل مجلس النواب الجديد، وعقد جلسته الأولى يوم(14/6/2010)، والتي كان من المفترض دستورياً أن يتم فيها انتخاب رئيساً للمجلس ثم نائب أول وثان (هيئة رئاسة مجلس النواب)، وبالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس(المادة 55) من دستور جمهورية العراق لعام 2005.
ليكون هذا الأمر ممهداً لانتخاب المجلس لرئيس الجمهورية من بين المرشحين لهذا المنصب وبأغلبية ثلثي الأعضاء، وفي حالة عدم حصول أحد المرشحين على تلك الأغلبية، يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات، ليكون الرئيس من حصل على أعلى الأصوات في التصويت الثاني، أي الأغلبية النسبية(المادة70)، لتأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة، وهي تكليف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لتشكيل مجلس الوزراء(المادة76/أولاً).
ولكن خاب الأمل وأفل ضوء الحكومة الجديدة بعد حين، بالنظر لعدم توصل الكتل السياسية إلى توافقات فيما بينها على الرئاسات الثلاث(رئاسة مجلس النواب، رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء).
وأمام هذه الأزمة السياسية أو الإشكالية الدستورية والتي تشكل خرقاً دستورياً - عدم قيام الكتل السياسية خلال الجلسة الأولى باختيار رئاسة مجلس النواب، وعدم اختيار رئيس الجمهورية خلال ثلاثين يوم من تأريخ أول انعقاد للمجلس(المادة72/ثانياً/ب)، وعدم التوافق على رئيس مجلس الوزراء- لجأ الرئيس المؤقت لمجلس النواب((رئيس الجلسة الافتتاحية)) (فواد معصوم)، إلى رفع الجلسة الافتتاحية إلى إشعار آخر مع بقاءها مفتوحة إلى اجل غير محدد، للخروج من ذلك المأزق.
وأمام هذا الحل (( التخريج الدستوري أو القانوني)) والذي جاء عن طريق الجلسة المفتوحة لمجلس النواب، والتي يراها البعض بدعة دستورية (قانونية)، لعدم النص عليها في دستور جمهورية العراق لعام 2005، ولعدم ورودها أيضاً في النظام الداخلي لمجلس النواب، فمفهوم الجلسة يعني(( الفترة الزمنية التي تبدأ من لحظة افتتاحها وحتى رفعها من قبل رئيسها إلى فترة لاحقة محددة ومعينة))، وقد تتخلل هذه الجلسة فترة أو فترات استراحة - لتناول الطعام أو الصلاة أو الراحة- ولكن يجب أن لا تكون تلك الفترة طويلة جداً بل قد تستمر لساعات دون أن تتجاوز ذلك إلى الأيام.
وهذا هو الحال في جلسات المحاكم العادية(المدنية، الجزائية، الإدارية)، فإذا تطلب الأمر رفع الجلسة لسبب تراه السلطة المختصة-رئيس الجلسة-، يتم تأجيلها إلى موعد لاحق يبلغ به جميع الأطراف.
أما بالنسبة لجلسة مجلس النواب فمن المفترض أن تفتتح أو تبدأ وفقاً للآليات التي رسمها الدستور أو النظام الداخلي وأن تنتهي في أجل معلوم، فلكل جلسة بداية ونهاية، فلا ترفع الجلسة الاعتيادية في أغلب الأحيان إلا بعد استكمال جدول الأعمال المعد سلفاً، والموزع على جميع الأعضاء- باستثناء الجلسة الاستثنائية التي تعقد لمناقشة موضوع معين ومحدد-، وهنا من المفترض أن لا ترفع جلسة مجلس النواب الافتتاحية إلى بعد، ترأس اكبر الأعضاء الحاضرين سناً للجلسة الافتتاحية، ثم أداء النواب لليمين الدستورية، ومن ثم فتح باب الترشيح لاختيار رئيس المجلس ومن ثم النائب الأول والثاني.
وهذا ما لم يحصل فكيف يتم رفع الجلسة هذا الإشكال الأول، أما الإشكال الثاني، فعند رفع الجلسة يجب تحديد موعد لاحق معين لاستمرار الجلسة وأن لا يبقى الوقت مفتوحا من غير تحديد، فلا يعقل أن تبقى جلسة مجلس نواب مفتوحة شهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر من ذلك، فهذه سابقة دستورية لم تحصل في أي دولة من دول العالم.
في حين يرى جانب آخر من القانونيين والسياسيين بأن الجلسة المفتوحة هي حل دستوري قانوني ولا يشكل خرقاً دستورياً على الرغم من عدم وجود نص يعالجها في دستور جمهورية العراق لعام 2005، أو النظام الداخلي لمجلس النواب، فعدم وجود النص لا يعني حظر أو عدم جواز اللجوء إليها، كحل دستوري، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهي تشكل عرفاً دستوريا لوجود سابقة دستورية في عام 2005-2006، عندما بقيت الجلسة الأولى أو الافتتاحية لمجلس النواب السابق مفتوحة ما يقارب الشهرين حتى تمكنت الكتل السياسية في حينها من الوصول إلى توافقات حول الرئاسات الثلاث، دونما أي اعتراض من أي مؤسسة دستورية، فهنا نشأ عرف دستوري بالجلسة المفتوحة، فمجلس النواب لازال في جلسته الأولى كونها رفعت على أن تبقى مفتوحة، ولكن ما يلفت النظر في الجلسة المفتوحة لمجلس النواب الجديد في دورته النيابية الحالية أنها أطول من سابقتها.
مما تقدم نرى بان الجلسة المفتوحة وعلى الرغم من عدم النص عليها دستوريا، أو في النظام الداخلي لمجلس النواب، هي خير مخرج للمأزق الحالي، وحسنا فعل الرئيس المؤقت لمجلس النواب، عندما جعلها مفتوحة، ولكننا نعترض على بقاء تلك الجلسة مفتوحة إلى ما لا نهاية من دون تحديد لفترتها الزمنية، وعليه نرى أن الجلسة المفتوحة وفقاً لنصوص دستور جمهورية العراق لعام 2005 يجب أن لا تتجاوز ثلاثين يوماً، مما يعني أن هناك خرقاً دستوريا قد حصل بحاجة إلى معالجة من قبل المحكمة الاتحادية العليا من خلال دعوى ترفع إليها من الجهات التي حددها الدستور في المادة(93/ثالثاً)، وحددها قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005، الأمر الذي دعا بعض مؤسسات المجتمع المدني إلى رفع دعوى دستورية ضد القرار الذي اتخذه الرئيس المؤقت لمجلس النواب الحالي برفع الجلسة وعدها مفتوحة حتى إشعار آخر، فيجب على المحكمة الاتحادية العليا أن تأخذ دورها في المحافظة على احترام أحكام الدستور، حفاظاً على النظام الديمقراطي في العراق والذي يمر بمرحلة صعبة وخطيرة، تحتاج إلى تكاتف الجهود وتغليب المصلحة الوطنية من اجل الإسراع في تشكيل الحكومة.
* مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
http://adamrights.org