الحركة الديمقراطيه الأشوريه (زوعا) ما بين ناقد ٍ مناصر و أخر ٍ معارض
في كل زمان ومكان, ما بين إختلاف الأحزاب ومنافساتها السياسيه وبين ما تتوصلّ إليه من توافقات وتقاربات , يكون للإنسان المستقل بأفكاره(غير منّظم حزبيا) دورا لا بأس به في تقريب تلك المسافات , حيث أنّ إستقلاليته لا تحرمه من ممارسة حقه في تأييد و نقد ما يشاء شريطة مراعاته للأصول ,لابل حياديته المنحازه لمصلحة شعبه تكاد تمنحه فرصا ً أوسع مما لو كان منتميا لأحد جهات العمليه التنافسيه.بالنسبة لي , إعتزازي بكل مناضل ملتزم تنظيميا ً في مسيرة ((خدمة )) قضية شعبه ليس له حدود , وفي نفس الوقت أعتقد جازما بأنّ عقلانيّة المستقل( وذلك ينطبق نسبيا حتى على الداعيه المنتمي) في مشاركاته النقديه البنّاءه هي ألتي تزكّي مصداقيته وصلاحية طرحه و تساعده بنفس الوقت في بلورة موقف متوازن يشجع الجميع على التعاطي معه .
من المفيد هنا التطرّق , ولو بشكل سريع , إلى بعض العوامل ألتي جعلت الكثيرين وأنا واحدا ً منهم أن يروا في صفحات نهج (زوعا) وأفق نظرتها الفكريه كحركة ناشئه , رديفا ً للبداية الصحيحه ألتي يحتاجها وضع شعبنا , فهي (زوعا) قد شقت طريقها رغم تواضع إمكانياتها مقارنة ً بتعقيدات وشراسة ظروف المرحلة ألتي تدخل ضمن أسباب تعثرّها كحالة سلبية وحصيله متوقعّه لأي نشاط فتي في مواجهة مثل هذه الظروف المربكه , و من دون أيّ شك فإنّ عثرات أي حزب أو مؤسسه تكون سببا موجبا يمنح الفرصة والحجه لكل من يشاء كي ينتقد أو يتهجّم أوينتقم أو يصحح طبقا للهدف الذي في داخله , بينما يبقى هدف الناقد ألذي تعنيه قضية شعبه أولاً هو غير هدف الأخر , وعليه تتناسب فائدة أسلوبه النقدي البناء طرديا مع مدى حرصه الأمين على قضية شعبه ألتي بدورها ستبعده عن حالة التخبط العشوائي في مستنقع النيل من الأشخاص على سبيل المثال , أي أنه يتعاطى مع العثرات و مع ما ينجم عنها من أخطاء بعقلانيه دون اللجوء إلى نهج فوضى التسقيط المتعمّد أو زرع الفتنة والشغب ليصبح مصدرا لبث سموم الحقد والكراهية ألتي ستعيد الجميع إلى المربّع الأول وهذا يشمل الجميع دون إستثناء أي طرف سواء كان في طريقة نقد الأخر أو في كيفية الرّد عليه .
إنّ ما يتلمسّه المتابع من ملامح واعده في سلوك وخطاب هذه الحركة(زوعا) مع وجود السلبيات , هو ما يدللّ على إستعدادها للحوارمع الأخر على أسس تحترم سيادة وإستقلالية أحزاب ابناء شعبنا , كما أنّ سعيها الحثيث لتطوير ذاتها يوحي إلى إمكانية تواصلها في التحاور مع كافة منظمات وأحزاب جماهيرشعبنا من أجل تحريك السكون المزمن وتطوير قاعدة العمل السياسي القومي في الوطن وتوسيعها , و ذلك سيقودنا إلى تحقيق إنجازجيّد رغم مجيئه المتأخر , خاصة لو تم ذلك بمساهمة غالبية نخب المثقفين والسياسيين من أجل إنضاج فكر قومي وطني سليم يفتقده أبناء شعبنا وما زالوا.
لقد سبق لي واشرت في مقالات سابقة إلى أنّ أحد المشاكل الجوهريه ألتي تعيق عملية لملمة الجهد و تحشيد الجماهير تكمن في ماهيّة الخلفيّه الفكريه والثقافيه في مرحلة ٍ نتطلّع فيها إلى توحيد الجهود في سبيل إنضاج عملنا القومي , تتمّثل المشكله كما أتصورها في ظاهرة تشتت وتوزّع إنتماءات وثقافات أبناء شعبنا قديما وحديثا ما بين الفكرالوطني اليساري الشيوعي من جهة وبين التبعيه الروحيه لهيمنة المؤسسه الكنسيه بشكل رئيسي , مقابل ضألة نسبة المتطلّعين نحو الشأن القومي ألذي وإن وجد فهو بميكانيكية ٍ ضعيفة لا مجال هنا للخوض في أٍسبابها ,خاصة في مجتمعات قرى سهل نينوى ومدن العراق الكبيره , وبطبيعة الحال ,فإنّ ملازمة هذه السلبيه المرّكبه لمجتمعنا دون إيجاد أي علاج هاديئ لها , ستبقى أثارها تنخر في هيكلية أي جهد سياسي قومي مهما أسميناه ,وأهمية هذه المسأله و خطورتها , تفرض على الجميع الإنتباه الجيد و السعي العملي من أجل الإمساك بالمفتاح والشروع في تذليل عواقبها بأقل خسائرممكنه و أنا شخصيا لا أنكر على سياسييّ زوعا شروعهم في التفكير و العمل بهذا الإتجاه .
كما لا ننسى بأن الصبغة القومية والدينية ألتي طغت على الساحة السياسية بعد إحتلال العراق ,قد إستهواها العراقيون لتحتل الأولويّه في بحثهم وتفكيرهم من أجل إحضار الذات القومية والطائفيه الدينيه والتراصف وراءها قابلها شبه تغييب للنزعه الوطنيه في إثبات الوجود , وفي خِضّم هذا المراثون بدا قصورنا وعجزنا واضحا ً في مواكبة ومواجهة علل المرحلة , لأعود واقول بأنّ أحد اسباب هذا القصور هو الخلفيه الفكريه التي أشرنا ولا زلنا نؤكد عليها بإعتبارها إحدى التركات الثقيله ألتي ألقت _ وفي حال لم نحسن التعامل معها _ فإنها ستلقي أكثر بضلالها سلبيا على أيّ محاوله أو بداية لأي حزب أو تيار قومي ينوي العمل السياسي مما يفترض التفكير مرّتين قبل الشروع بالعمل .
لا بأس إن كنّا منقسمين بين مناصر ومعارض لهذه الحركة أو ذاك الحزب, لكن لو إتفقنا على ما أشرت إليه حول مشكلة خلفية فكر شعبنا المبعثرة وضرورة تذليلها وتقليل تأثيرها ,في وقت نحن بأِشد الحاجة إلى توحيد الجهود للمطالبة بحقوقنا , يكون السؤال الموجّه إلى أيّ ناشط قومي أو مهتمّ بالشأن القومي هو :: كيف يمكن حلحلة هذه المشكله المركبه , وأي نهج سياسي وثقافي واجب تبنّيه لمساعدة الجميع على تلافيها, بعيدا عن التنظيرات والشعارات لأننا في عصرٍ الكل يتسابق مع الزمن ونحن لازلنا نراوح في محلّنا, أي برنامج علينا إتباعه في إبتداء ً من عملية معالجة تأثير سطوة صراعات المؤسسات الدينيه على علاقات أبناء شعبنا ثم ّ العمل على تحييد دور الكنيسة نسبيا في عدم التدخل بشؤون السياسة العلمانييه والعكس , وإنتهاءً في كيفية تقريب وجهات نظر دعاة القوميه إلى أفكار مثقفينا وأهلنا الذين إختاروا لأنفسهم من الشيوعية فكرا ونهجا على طريق بناء وطن حر وشعب سعيد .
سؤالي المركب أعلاه أوجهه إلى كل ناشط قومي (كلدواشوري سرياني) سواء أيّد أو عارض زوعا , نعم الكل أحرارفي إعلان تطلعاتهم , والكل مسموح لهم أن يطالبوا بما يشاءون من حقوق , لكن عندما يعلنون ويطالبون وهم يديرون ظهورهم على ما خلّفه الماضي لنا ويغمضوا أعينهم عن واقع حال تركات مظالم الزمان وتأثيراتها ألتي لم تبقي لشعبهم المقسّم أي أمل سوى خيار الإتكاء صوب الجهة ألتي توفر له التنفيس الوهمي عن همومه أوتحاشي إنفراد الظالمين به , يكون العتاب أو ربما الإتهام لهذا الناشط السياسي القومي هو تهرّبه من مواجهة المسؤوليه لأنّه لم يكلّف نفسه دراسة هذه الحاله أو ربما يعجز بمفرده عن إيجاد الحلول التي يمكن من خلالها تجاوز أثار التركات أو على أقل تقدير تخفيف تأثيرها السلبي للمواصله بخسائر أقل .
أمّا لوكان السؤال أعلاه موجه لي شخصيا, فإني بكل تواضع سأجيب , وضمن إجابتي سيتأكد سبب نظرتي الإيجابيه إلى زوعا وبالتحديد في مسألة التعاطي مع التركات السياسية والدينية , جوابي هو إن كنّا ما دمنا أولا وأخيرا ملزمون بإحترام الزمن والأرض( الوطن) , و متفقون على أنّ تقديسنا لقيمة إنساننا بإعتباره المعيار الأساسي الواجب إعتماده في حال أردنا توسيع قاعدة العمل, فإنّ إيماننا كبير بأنّ الإنسان في حالة وعيه هو وحده القادر على حماية تراثه وتاريخه وإسمه وليس العكس , وهو الذي سيكون عماد إنطلاقة السير نحو خلق القاعده الجماهيرية السليمه.
وفي نفس السياق, لوإفترضنا الطلب جدلا من أي فرد بالتوجه إلى جغرافية العمل وساحتها الحقيقيه كي يدقق ليعرف يقينا أين غابت أدنى درجات الإلتزام والتقديس الذي تحدثنا عنه , وأين بالإمكان تحسسّ حضورها حتى وإن كان ليس بالمستوى المطلوب لكنه أفضل من لا شيئ ما دامت هناك الإراده والرغبه , ليكون العمل والنضال هو كفيل عملية التغيير نحو الأفضل. وحتى أرّد على فرضيتي , أقول أنّ زوعا رغم كل الذي يناله من نقد ما بين لاذع عشوائي وبين مفيد وبنّاء , و عذرا أنا لست هنا بصدد إلغاء الأخرين, لكنني أقولها أمانة ً بأنني اراه إلى حد هذه اللحظه أنه هو الأقرب في ممارساته إلى النهج ألذي من شأنه أن يصنع البداية الصحيحه لطريق توحيد أبناء شعبنا بمختلف تسمياته وطوائف كنائسه في الوقت الذي لا أدعي عدم وجود الأخطاء أو الشطحات كما يسميها البعض .
بصريح العباره أقول, عندما تكون الأسس ألتي يستند عليها أي حزب أو حركة مثل زوعا في إتخاذ مواقفها وقراراتها ليس بمعزل عن واقع شعبنا وواقع العراق السياسي ألحالي فهو يسجل نقطة لصالحه حتى وإن إنتقده الأخرون , والشواهد على ذلك ليست بقليله , أمّا لو تناولنا أمر إهتمامه في تنظيم البرامج التثقيفيه حسب إمكاناته ما بين مختلف طوائف شعبنا من أجل خلق ثقافة الوحدة المعرفيه الحقيقية موازيا لجهده السياسي , فزوعا ينفرد نسبيّا في هذه النقطة ,متمنيّا من الأخرين حذو نفس النهج في نشر ثقافة المحبه و تعريف أهلنا بأهمية توحيد الجهود وتأجيل مهمة الغرق في بركة المسميّات إلى إشعار أخر, نكون في هذا الجهد فعلا قد قدّمنا شيئا ما ملموسا في مساعدة الأجيال المقبله , علاوة على ما ذكرت, فإن صفة خطاب زوعا الوطني الذي لم ينفك مرافقا بالتوازي لخطابه القومي هو دليل أخر على إيمانهم بأن الوطن هو المكان ألذي سنبني كياننا المستقبلي فيه متألفين ومتعايشين مع الأخر .
ربّما يستغرب القاريئ عن إطنابي في إبراز إلجانب الإيجابي ألذي إنعكس في تشجيع و مناصرة أهلنا لزوعا , لكنه ليس بنهاية المطاف, ومهمّة الحفاظ على تأييد الجماهير ليست بأمر سهل , فتعقيدات الأوضاع التي يمربها العراق هي ليست السبب الوحيد في أخطاء وعثرات مسيرة الحركة الديمقراطيه الأشوريه , لأن ما تفرزه عبثية فعاليات مصالح بعض الأشخاص ألتي تدفع بهم بإتجاه جعل مؤسسّات تنظيمات قومهم أقرب الأهداف وأسهلها لسهامهم هي الأخرى تشكلّ عامل مربك وهدّام واجب الحذر منه .
أما عن تأثير صراعات رجال الدين وكنائسهم فيما بينهم , وهنا تجدر الإشاره إلى أحد المشاكل الحقيقية ألتي تعكسها هذه الصراعات على وضع حال الحركة وموقفها , خاصة عندما يسعى البعض بعفويّه ممزوجة بشيئ من جهل للأمور إلى ربط أحد أطراف الصراع الكنسي بالحركة وتوريط مناصريها في دوّامة هي أصلا ليست من مهام زوعا ولا مسانديها كي ينغمسوا فيها , لأنها لا تصب في صالحهم سواء إنتصر مطران من تلك الكنيسة أو خسر غيره من كنيسة أخرى , فظاهرة صراعات رجالات الكنيسه فيما بينهم ووصولها إلى المحاكم يفترض أن تكون شأنا خاصا بأصحابها المعنييين ,لكن المؤسف هو مبادرة قسم ( يعتبرون) أنفسهم من مناصري الحركه ليقحموا أخرين معهم في إدارة معركة هي أصلا خاسره كما أسلفت , وتهافت الداعية السياسي بأنه يدعم كنيسة هذا المطران او ذاك ليزيد من أتون حملات المشاحنة والتلاسن البذيئ ما بين الإخوة هي بنظر كل دارك ومستفيد على الأقل من عبرة الوضع الشيعي الشيعي والسني الشيعي , أثبتت بأنها ظاهرة غير مبررّه ولا يقبلها العقل الواعي , وبالمقابل نرى أخرون من أبناء شعبنا أخذوا دورهم ليتراصفوا بالضد منهم , كل طرف يدّعي مساندة كنيسته متناسين ومتجاهلين بأن ذلك لايمكن له أن يقدّم أية خدمة لأي طرف سياسي قومي مهما كان إتجهاهه, لا بل على العكس , فهو يعمل كالمعول في داخل مكوّن شعبنا ولا يزيد سوى تهديم ما هو أصلا مهدّم و ما قد يتم بناؤه سياسيا , ومن الطبيعي في خضمّ هذه المشاحنات ألتي أخذت طابعا شعبيا في بعض مكونات شعبنا في الخارج ,أن تعلو أصوات غريبة في عدوانيتها تستغل هذه الفسحة مع غياب الأصوات العقلانيه ذات الإدراك الصميمي لما نحتاجه اليوم ,حيث فيها من الأصوات ماهو فعلا نشاز ومقرف وفيها من زرع الحقد والضغينه ومن عدم الشعور بأي مسؤوليه لدرجة تبعث فينا الخيبة والإحباط , كلها تشارك دون وعي في مهمّة حرق الأخضر واليابس تحت شماعة مناصرة أشخاص حتى ولو كانوا رموز دينيه, ثمّ ماذا؟ نعم ظاهرة الصراع مسأله لا يمكن إلغائها من الوجود , لكن واجب الإنتباه إلى ما تسببه عبثية ولا مبالاة المحسوبين علينا أمر ضروري جدا وهي مهمة تقع على الجميع محاولة تفاديها .
لا أستطيع بشكل مباشر أن أتهّم زوعا في تشجيع مثل هذه النشاطات الهدّامه, لكن لا أعفيها عن تقصيرها في جديّة التعاطي في توعية مناصريها وحثهم لمصلحة شعبنا ومسيرتها كحركة سياسيه ,حيث أن تصريحات أعضاء زوعا هنا وهناك بعدم مناصرتهم لهذا الفريق الكنسي دون الأخر , في رأيي لم تكن كافيه , ولعل إصدار بيان رسمي أو أكثر من المكتب الإعلامي للحركة كان جدا ضروريا ليحث فيه أطراف النزاع إلى الهدوء وحل الخلافات من خلال الجلوس معا مراعاتا لمصالح شعبنا وعدم الإفراط بأمواله وتأكيد وقوف الحركة بنفس المسافة من الأطراف المتخاصمة , أي حين لم تؤخذ المسأله وما تسببه من مخاطر بشكل جدّي من خلال التشديد المستمر على نبذها لكل صوت و كلام من شأنه النيل من مكونات شعبنا سواء الدينية منها او السياسية والإجتماعية ,تكون حصيلة ترك الحبل على الغارب مؤلمة ومصدر قلق لما سيتمخض عنها لأنها لا تصب في صالح أي طرف بألاخص زوعا.