Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الحقوق بطريقة القس عنتـر والمعارض المعارض

كنت تهيـأت لكتابة مقال آخـر ، لكـن موضوع الأخ سـمير اسطيفو شـبلا " حَـذارِ سيحاولون امتصاص غضب شـعبنا " حفّـزني على تأجيله واختـيار مـا أكتبـه الآن . . والحقيقة أن موضوع الأخ سـمير مهم ونابع عن مشـاعر قومية وثقـة بالصمود والنصر ، كمـا هي عادة مواضيعه ، ومنها " إنشـاء لجنة للمصالحة مطلب شـعبي " وهذان الموضوعان يسـتندان على موضوعه " تنازلوا عـن كراسيكم أيها القادة " الذي كنت قرأته قبل نشـره وأجبته برسالة خاصة ، جاء فيها " قـرأت موضوعكم بـإمعان ، وهـو رائع وفي وقته المناسـب . . . " .

وأقـول بوضوح ، كثيـرا ما أتذكر مأثرة سـمعتها مـرارا عـن القس ( المطران قرياقوس موسيس ، الذي كان يخدم في كاتدرائية أم الأحـزان في عقد النصارى ببغداد ، ومعروفا بلقب ( قس عنتـر ) لضخامة جسمه وقوته الطبيعية ومقارعته لكل ضيـم ، هـذه المأثرة تقول " ذات يوم ، بينما كان القس عنتر مغادرا كاتدرائية أم الأحزان ، جاءه أحـد شـقاة رأس القرية المعروفين في ذلك الوقت ، وسأله : هل صحيح أن مسيحكم أوصاكم بأنه ـ مـن ضربك على خدك فقـدّم الآخر ـ ، أجاب عنتـر ( وكان لايزال قسا قبل أن يرسم مطرانا من قبل البطريرك بولس الثاني شـيخو ) : هذا صحيح ، فقال الشقي : أريد أن أضربك على خدك ، فأجابه : تـفضل . . فضربه الشقي بكل قوته ، وأردف الشقي : الآن قـدّم الخـد الآخر ، فأجابه القس عنتر : تفضل أيضا . . وبعدما انتهى الشقي من إثمـه وأراد الإبتعاد وقـد أخذته النشـوة لأنـه تمكن مـن القس المعروف بأنـه رديف الشـهم عنـتـر ، نظر القس عنتر إليه مليا ووجده في متناول يده وأن في إمكانه أخذ حقه بيـده منه ، فقال للشقي : توقف لاتذهب لإننا طبقنا جزءا من قول السيد المسيح وعلينا تنفيذ الجزء الآخر . . فـرد الشقي : ما هـو ؟ قال القس عنتـر ، إنـه ـ بالكيل الذي بـه تُـكيلون يُـكال لكم وتُـزدادون ـ وهجم عليه القس عنتر ـ هجوم الفرسان في قصة سيرة عنتـرة بن شداد ـ واقـتنصه بسرعة الصقر بين يديه الفولاذيتين ، وهو يصيح به ـ هذا هو الكيل تفضل ـ ورفعه فوق رأسه وقذفه على بعـد مترين . . وترك القس عنتر الشقي يئـن مـمدا على الأرض مكررا عليه ـ هل عرفت الآن ، أيها الغبي ، الجزء الآخر من وصية سيدنا المسيح التي يستوجب علينا الإلتزام بـه ؟ ـ

حقـا ، كان القس عنتـر ـ رحمه اللـه ـ جديرا بهذه الشهرة الطيبة الناتجة عـن المواجهة في محلها ومن موقع الثـقة بالنصر . . شـخصيا لم أكن على علاقة معه ، على رغم صداقاتي القوية مع العديد من رجال الكنيسـة ، لكن رأيته مرات عـدة خلال مروري قـرب كاتدرائية أم الأحزان وكان مهيـبا وقـورا قوي الشكيمة بعزم وثقـة بالنفس ، وكنت أسلم عليه ، ولكنني ، دومـا ، كلما رأيت اسمه في صحيفة أو كتاب أُسـرع بقـراءة ما هـو مكتـوب حوله . . إنـه رمـز لشـعبنا بالمأثرة المتداولة عنـه .

مـا أحوجنا هذه الأيام إلى أن نلتـزم مأثـرة القس عنتـر ( مأثـرة لغويا : مكرمة متوارثة ، مفخرة ، فعل حميـد ، عمل نبيل ، مآثـر بطولية ) . . فلا مناشـدة ولا رجاء ولا توسـل ولا وضـع الأعناق والخـدود تحت رحمـة الآخريـن ، فالتواضع والجنوح إلى السـلم والعلاقات الأخوية مع كل شـعوب العراق هـو هـدف سـام يتصف بـه شـعبنا ، ولكن تُحتّـم المرحلة التأريخية الحاسـمة التي يخوض هذا الشعب غمـار شـدائدها ، عـدم التخلي عمّـا لديه من قوة كامنـة تبـرز حين ينهض مـن أجل قضاياه المصيرية . . لقـد أثبـتت الأيام الأخيـرة أن الشـعب ( الكلداني السـرياني الآشـوري ) ينطلق بأغصان الزيـتون مـن عـرين القـوة ومـروج مآثـر أبائه وأجـداده وقادتـه الإيثـاريـين . . وليتواصل هـذا الشـعب في إنتـفاضته الراهنة وصولا إلى الحكم الذاتي مـن دون أي عـنف ، ولكن من منطلق الحكمة والتحسب لكل خطـوة والوقاية من كل عثـرة صغيـرة كانت أم كبيـرة وتجنب كل ما قـد يسـبب الخسـارة ، فطول الوقت لا يـهم ، والإنتظار لايمـل ، والعمل لايَـكِـل . . مادامت النتيجـة : مـن سـار على الدرب وصـل .

كـم تغمـرني السـعادة ، حين أجـد تنظيمات شـعبنا متفقـة ـ على رغم الخلافات المتشـعبة بينها والتي هي في حقيقتها ظاهرة صحية ـ للسـير صفا واحدا من أجل الدفاع عـن قضايا شـعبها المصيرية ، وفي هـذا المجال شـعرت بامتنان " للإتحاد الديمقـراطي الكلداني " ورئيسـه الصديق الكريم أبلحد أفرام ، حين قـرأت في تصريحه الذي نشـر أخيرا قولـه ( علينا توحيد صفوفنا وكلمتنا وخطابنا السياسي وترك الخلاف على التسمية في هذه المرحلة لأنـنا سوف لن نتوصل الى حل بشأنها بالقريب العاجل ونتفق على توحيد مواقفنا الاخرى خدمة لمصالح شعبنا والدفاع عن حقوقه وبذلك يمكننا الوقوف بوجه من يحاول تهميشنا ) إنـه قول حكيم يشـعر بمسـؤولية تأريخية نحـو شـعبه ، كـم هـو حـريّ بالإقتـداء والتماثـل بـه . . فقـد جسـده حزبـه إلى واقع حين شـارك في كل مسيرات حقوق شـعبنا التي إنطلقت في الأيام الأخيرة ملتـزما الأعلام والشعارات الموحدة على رغم أنه قد لايكون متفقـا مع كلها كليـا . .

أجل إن الأخ أبلحد يعتـرف بوجود الخلاف وهو حقيقة نؤكدها نحن أيضا ، ولكنه يوضح بأن الخلاف ماكان يوما مانعـا أمام السـير جنبا إلى جنب . . وفي سـياق هذا الكلام ، فإنه بيـني وبين الأخوة في ( الإتحاد الديمقراطي الكلداني ) خلافات في أمور جوهرية عـدة مع إتفاق في قضايا رئيسية كثيرة ، وسـبق أن كتبت نقدا عنيفا للإتحاد على رغم أن العديد من قادته هـم بين أقـرب أهل تللسقف إلـيّ ، وكل ذلك لم يكن يوما حائلا دون المحبة المتبادلة ، وما ذهبت مـرة إلى تللسقف وكان الأخ أبلحد أفرام في دهوك إلاّ وتبادلنا الزيارات ، أما الأخ روئيل جميل فكلما كنت في تللسقف فإن لقاءاتنا متواصلة وكم دعاني إلى بيتـه في ديره بون ولا يمكنني نسـيان معروفه في مرافـقتي إلى العـديد من قـرى شـعبنا التي أُعـيد بناؤها لأرى عـودة الكثير مـن أهلها إليـها ، وأما الأعزاء أقربائي فإن أواصـر القـربى والزيارات بيـننا هي دائما في أوثـق أشكالها متانـة . . وكـذا الأمـر بالنسـبة ( للمجلس القومي الكلداني ) فإن محبة القربى بيني وبين قادته في تللسـقف هي دائما في أجلى معانيـها . . وأيضا ( المنبر الديمقراطي الكلداني ) فإن سـعيد شـامايا هـو أحـد أعـز وأقدم أصدقائي ورغم خلافي معه في العديد من قضايا المنبر فقـد بقيت صداقتـنا في منجى عن هذا الخلاف . . أوردت هـذا فقـط لأشـير بوضوح إلى خطـأ أولئك الذيـن يحسبون خلافاتهم مع الآخرين هي من النـوع الذي لايمكن تجـاوزه . لأنهـم أسـمى مـن الكـل ، ودائمـا غيـرهم مخطئـون ! .

وأنـا أتهيـأ لإرسـال هذا الموضوع إلى المواقع ، شـاهدت لقاء في قناة عشـتار مع الأخ كبرئيل موشـي كوريـة مسـؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية ، وسـررت من اللقاء وأيضا لـما كنت قرأته عـن وفـد المنظمة ومواقفـه في أمريـن مهميـن : ألأول ، لأنـه يرتبط بعلاقات طيبة مع كل تنظيمات شـعبنا ويسـعى إلى توحيد الخطاب القومي لتحقيق المطالب التي ناضل من أجلها شـعبنا خلال عقـود طويلـة لرص الصفوف والعمل سوية لأجل تحقيق الحكم الذاتي الذي هو الضمانة الوحيدة لنيل حقوقنا المشروعة كاملة داعيا الجميع إلى نبـذ الخلافات وتغليب المصالح الوطنية العليا على المصالح الشـخصية ، وثانيـا ، أكـد دعمه لضمان وحدة الهوية والإنتماء القومي لشـعبنا الكلداني السرياني الآشـوري وصيانة كافة حقوقه القومية بمـا في ذلك حقـه المشروع في الحكم الذاتي في مناطقه التأريخية التي يقطنها في الوقت الراهن وتثبيت ذلك في الدستورين العراقي الإتحادي وإقليم كردستان العراق . . وأثنـى على الجهود والإنجازات التي تـم تحقيقها من قبل المجلس الشـعبي الكلداني السـرياني الآشـوري وتنظيمات وأحزاب شـعبنا المتحالفة معه للنشـاطات التي يقومون بـها في مختلف المجالات . . شـخصيا لاأعرف أحدا في هذه المنظمة وليسـت لي أي علاقة معـها ، ولكنني وجـدت لدى قـادتها الحس القومي الأصيل والتـفهم لأهمية المجلس الشـعبي الكلداني السرياني ألاشـوري كمظلة لتعاون أطراف شـعبنا من أجل حقوقنا المصيرية التي في طليعتها الحكم الذاتي ، وهـو حـس وإدراك وشـعور كـم تمنيـت أن أجـده متوافرا عـند بعض الأخـوة الذين لايزالون يختارون الإنعـزال في داخل وطنهم العراق غيـر آبهيـن بأنهم أولى بالمسـؤولية والمحاسـبة التأريخية مـن الأخـوة الذين يقيـمون خارجـه .

تطرقت أعـلاه إلى عـدد مـن مواقف تنظيمات شـعبنا ، بهدف الحض على تقـويم الخطأ الجسـيم الذي يقع فيه أولئك الذين يحسـبون علاقاتهم مع الآخرين بمعايـير مواقفهم الحزبية ، فمن كان مع مواقفهم فهـو ( حبيـبهم ) ومن وجدوا في نهجه مالايرضيهم فهـو عـدوهم ونادوا لـه ( بالويل والثـبور ) . . وبحسـب مقـولة ، إمّـا معـي فقـط وإلاّ فأنت عـدُوّي . . وبالمناسـبة ، أود أن أوضـح بأنـني مـن جانبي لا أجـد أفكاري على خلاف مع مـبادئ ( الحركة الديمقراطية الآشـورية ) وسـتثبت الأيام حقيقة مـا أقـول ، ولكن لاأنكـر أنـني أختـلف مع ممارسـات قسـم من قادتـها الذي يُصـر على الإنعزالية عن بقية أطراف شـعبنا من خلال التشـكك في قضايا هي جديرة بالبحث والتـفاهم واللقـاء والإبتـعاد عـن ذرائع الإتهامات . . وكـم تألمت عـندما رأيت كل أطراف شـعبنا المـذهبية والسياسية والفكرية والمناطقية قـد تجمعت في مسـيرات حقوق شـعبنا الأخيرة ، باسـتثـناء الأخـوة فـي زوعـا الذيـن سـلكوا طريق السـير والتظاهر وحدهـم ، غيـر حاسـبين مـا لذلك مـن ضـرر معـنوي وجماهيري عليهم قبل غيرهم ، لأن إبتعادهم لـم يقـلل مـن الصفوف الطويلـة للحشـود الجماهيرية في تظاهرات بغـديدا وتللسـقف ودهوك . .

ولكن خشـيتي أن يكون في زوعـا مـن يـروج ( مهزلة ) بأن كل هـذه الآلاف المؤلفة المطالبة بالحكم الذاتي هـي ( إمـا مأجـورة . . أو أنها سـارت بسبب ضعف وعيها القومي والسياسي واندفاعها العاطفـي ) . . وأن جميل روفائيل كتب هذا الموضوع عن التظاهرات لقـاء أجـر . . وللـه في خلقـه شـؤون ! ! ونحـن لنـا حديث ذو شـجون . . ومـا لنـا في هـذا السبيل غيـر أن نريح أنفسـنا بإعادة قراءتنا لقصص شـهرزاد وشـهريار في ألف ليلة وليلة وبوليسـيات أرسين لوبين وروايات الجريمة لأغاثـا كريسـتي والأفعال الخارقة لأفلام جيمس بونـد . . ونبتعد عن قراءة ما كتبه حكيمنا أحيقـار ، لأنه يزيد ألمـنا ضراوة عندما نـرى البون الشـاسع الناتج عن التـشتت الذي صار يتـلذذ البعض بـه اليوم وبيـن الصفاء والأخوة والإتحاد الذي دعـا إليه هـذا الوفي لشـعبه فـي إحـدى فتـرات أروع أيـام عـزّه .

لكن بقناعتـي ، أنـه يخطئ من يعتـقد أن جموع ( الشعب الكلداني السرياني الآشوري ) التي شـاركت في إنتفاضة شـعبنا الحالية هـم كلهـم من المؤيدين لهـذا الحزب أو ذاك الشـخص ، وإنما هـم يؤيدون حقوق شـعبهم والنهج الصائب الذي سـلكه الداعـون لهـذه المسـيرات والشعارات المصيرية الصادقة التي رفعـوها ، والتي تؤكدها النقاط السـت عشـرة الواردة في مذكرة المطالب التي رفعها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري إلى حكومتي العراق المركزية واقليم كردسـتان العراق ، والتي يسـتوجب من كل مخلص لشـعبه أن لايعارضها بالمطلق ( لأنـه معارض لاغيـر ) وإنما إذا كانت لـه وجهة نظر في كلها أو قسـم منها أن يوضح رأيـه بجلاء ويكشـف ما يجـده الأفضل ويدخل في نقـاش هدفـه الوصول إلى الأصلح والأسـلم . . هـذا هـو السـبيل الموضوعي القويـم الذي لايمكن لأحـد نقـي اليـد والقلـب أن يتجنـبه أو يتهـرب منـه . . وفي غيـر هـذا النهج يبقـى الحكم الأخيـر الفاصـل بين الصالح والطالح مـن حـق الشـعب وحـده ، نعـم الشـعب ( وأقصد الشعب الكلداني السرياني الآشـوري ) الناهض هـذه الأيـام من أجـل حقوقـه وسـلامته ومسـتقبله والـذي لـن يرحـم في قـراره ( أسـخريوطا ) في صفوفـه . .

وفـي هـذا الشـأن ـ والكلام هو للعظة واتقاء الشـبه وليس موجها ضـد أحـد أو جهـة معيـنة ـ يحضرني أسـلوب ( حاكـم عـربي يُلقـب بالمعارض الدائـم ) حيث أنـه قبل أن يبـدأ أي اجتماع للقمة العربية يعلن أنه معارض لقرارات المشاركين في القمة ، وعندما يسـأله البعض : كيف تعارض قبل أن تسمع ما يقترحونه ويتكلمون بـه وتناقشـه أنت ، يجيب الحاكم المعارض المعارض : لا حاجة لكي أسـمع فإنـهم لـن يـأتوا بشـئ فيـه خيـر للعرب وفلسـطين . . وغالبيتنا تتذكر المسرحية المصرية التي تتـناول إجتماعا لقضية مهمة ويظهر فيها أحد المدعوين إلى الإجتماع ، ويرفض دخول قاعة الإجتماع لكنه يُـعلن من خارجهـا أنه يعارض ما سـيسفر عـنه الإجتماع ، وعندما يعيدون السؤال عليه ؟ يجاوب : أعـارض كل ما يطـرحونه على طاولتـهم . . هـذا النـوع مـن الممارسـات يوصف عـادة بـ ( المعارضة مـن أجل المعارضة ، أو ، المعارضة مـن أجـل : خـالف تُـعرف ) . . وأملنا أن يأتي يـوم لانجـد في صـفوف ( الشعب الكلداني السرياني الآشوري ) هكـذا معارضة أو معـارض للمعارضة فقـط .

وبحسـب إطلاعي ، أنـه لاغرور في القوة الحزبية إلاّ لقادتها الدكتاتوريـين فقـط ، فكم مـن رئيس حزب لـم يكتـرث لأخطائه هـوى من خلال المتطلبات الديمقراطية حيث تتوافر الديمقراطية في النهج الحزبـي . . وكم مـن دولة تراجعت منزلتـها لأن حكامها إمتلأوا غـرورا في تصرفاتهم ، ودولة عـادية تصاعدت منزلتها لأنها سـلكت السبيل القويـم ، وفي هذا المجال سـأذكر مثلا قد لاتكون له علاقة مباشرة بما نحن في صـدده ، وهـو أن الصين تنجح اليوم حيث تفشل الولايات المتحدة . . وبالأرقام الصينية التي تحكي عجبا ، فإن الصين عندما فازت عام 2001 بتنظيم الألعاب الأولمبية كان دخلها القومي 1,3 تـرليون دولار في السـنة ( التِـرليون يسـاوي مليون مليار ) في حين دخلها السنوي أصبح اليوم 3,6 ترليون دولار ( وقـد توقعت هـذا خلال زيارتي الصحافية للصين عام 1993 وأنـا أعمل في جريدة الحياة ، وكتبت عنه في موضوع واصفا مشاعري وأنا أسـير متباهيا وألتـقط الصور فوق سـور الصين العظيم ومواضيع أخرى نشرتها بعد عودتي إلى يوغوسلافيا ) وهذا التطور ليس فقط بسبب تطورها في الصناعات الخفيفة الرخيصة التي تصدرها بكثرة إلى أنحاء العالم ، وإنما أيضا من خلال نجاح مشـاريعها في الدول الأخرى ، فهي اليوم أنجح بلد صناعي يعمل في الدول الأفريقية ، ويقول البنك الدولي إن للصين استثمارات في 36 دولة أفريقية يفوق مجموعها استثمارات أميركا وأوروبا معـا ، وقال سـياسي أفريقي عن نجاح الصين في أفريقيا " الصين تعامل الدول الأفريقية على قـدم المساواة ، أمـا الدول الغربية فتعاملنا كمستعمرات سـابقة " . .

وقوة الصين لم تعـد سياسية واقتصادية وإنما عسكرية أيضا فإن موازنة الدفاع الصينية هي هذه السنة حوالي 60 مليار دولار أي بزيادة 40 في المائة عن السنة السابقة ، وبحسـب الإحصاءات الدولية فإن الصين ستـتقدم هـذا العام على ألمانيا إقتصاديا وثـم على اليابان في غضون عامين وتسـبق الولايات المتحدة إقتصاديا في فترة لا تتجاوز العشر سـنوات . . أوردت هـذا كله فقط لأقول : إن الغـرور لايفيد الدول ولا الأحزاب ، فالولايات المتحدة في تراجع مستمر لأنها لاتريد التخلي عن غرورها بأنها القـوة العظمى الوحيدة في العالم على الرغم من التـقـدم السـريع لكل من الصين وروسيا والهنـد والبرازيـل . . وكذلـك الأحـزاب التي ( تسـتنكف ) من الجلوس مع غيـرها بذريعـة " أنـها هزيلـة وهامشـية وتابعة ومأجورة . . " ولكن بالنتيجة فإن غـرور الأحزاب ( الإستـنكافية ) لـن يضـر غيـرها . . ويحضرني بهذا الخصوص عبارة قالها بطرس بطرس غالي لوزيرة الخارجية الأميركية آنئـذ المعروفة بتعجرفها وغرورها مادلين أولبرايت حين أصـرت وحيدة بين كل دول مجلس الأمن على عدم تجديد ولايته أمينا عاما للأمم المتحدة من أجل إحلال كوفي أنان مكانه ـ لأنه ، كما ذكرت بعض المعلومات الصحافية في حينه أن أولبرايت أرادت مكافأة أنان لأنه تخلى عن زوجته أم ابنه جوكو وتزوج من يهودية صديقة لأولبرايت ـ فقال غالي مخاطبا أولبرايت : فلتعلم هذه القروية أن التاريخ يروي لنـا قصص امبراطوريات حكمت ثـم تهالكت . . واللبيب مـن الإشـارة يَـفهـم .

وأخيـرا ، كـم تألمـت وأنا أقـرأ وأشـاهد تظاهرات شـعبنا عـن بعـد ، لأنـني لـم يسـعفني الحـظ لأكون أحـد السائرين ضمـن الجموع المطالبة بحق شـعبها وأجيالها اللاحقـة في بغـديدا وتللسـقف ودهـوك ، لأفتخـر يوما بأنـني كنت أحـد الذين رفعـوا شـأن ( الشـعب الكلداني السـرياني الآشـوري ) شـعب الحضارات وصولات الأمجـاد في أرجـاء الدنيـا ، وليس بمقـدوري إلاّ أن أحيـي كل مـن تمكن أن يكون واحـدا مـن الآلاف وكـل مـن اشـتاق ليكون واحـدا منهـم ولكنـه لأسـبابه لـم يتمـكن . . لكـن المهـم أن قلوبنا ، مـن اشـترك ومـن اشـتاق ، تخفق بحب واحـد بعـدما انطلق ( القُـمقُـم ) مـن وعائـه ولـن يكون محبوسـا بعـد اليوم ، ومأثـرة القس عنتـر ستكون بين وسـائله . . أما مـن أراد الإسـتمرار على مسـلك المعـارض المعـارض فهـو وشـأنـــه .

Opinions