الحكم الذاتي لشعبنا ... تبديد المخاوف
يدور الكلام بين سياسيينا ومثقفينا وقطاعات كثيرة من شعبنا حول مسألة جوهرية ومهمة ومصيرية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري، ألا وهي مسألة الحكم الذاتي وما يحيط به من مخاوف جراء ردود الأفعال المحتملة من هذه الجهة أو تلك، وكنت أنا قد كتبت قبل ما يزيد على السنة من الآن موضوعات مختلفة ذات صلة بهذا الموضوع؛ منها حول سهل نينوى والتهديدات المحتملة التي تهدده ومنها حول المسيحيين ودائرة العنف، ومنها حول واقع ومستقبل أمتنا بغية تسليط الأضواء على الجوانب التي قد قد يغلفها جزء من قلة الوعي أو الادراك أو الفهم لدى أبناء شعبنا ولدى أخوتنا من الشعوب الأخرى تجاهنا وتجاه تطلعاتنا.فمسألة الحكم الذاتي كمفردة لغوية لا تعني الانفصال مطلقا بل أن نحكم أنفسنا بأنفسنا وهذا حق مشروع للشعوب أينما كانوا خاصة في ظل حكومات ديمقراطية وغير ديكتاتورية ، والعراق بعد التغيير الذي حصل في ربيع 2003 وحسبما يشاع وما يجري من تصرفات من كافة الكتل البلمانية والسياسية مقبل على اعطاء الحكم للشعب ولممارسة الحياة البرلمانية وتداول سلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع وأعطاء كل ذي حق حقه بحيث لا تبقى أية جهة تشعر بالظلم وبغبن حقوقها.
لكننا يجب أن لا نتخذ مما يجري من عنف على الأرض في هذه الفترة الانتقالية سببا يجعلنا ننزوي ونخاف ويقشعر بدننا كلما نلفظ كلمة الحكم الذاتي (كما عبّر أحد كتابنا مؤخرا)، لأننا نضع أمامنا ردود أفعال العرب والكرد وربما تكون هذه الاحتمالات واردة وربما لا تكون، وسبب ذلك قلة الوعي لدى عموم الشعب حول خطوات العمل الديمقراطي وأساليب العمل والممارسة، ولا انكر أنني كنت أحد هؤلاء الخائفين في فترة ما وأقف في صفوف غير المتحمسين لطرح الفكرة بقوة، لكن زيادة الثقافة والانفتاح على الآخرين وشرح قضيتنا وعدم انحيازنا للعرب أو للأكراد وتكوين شخصيتنا المستقلة في عراق موحد يجعل من المخاوف تنحسر وتتبدد شيئا فشيئا، لكن شريطة أن ننفتح على الجميع ونكسب الجميع أخوة لنا وأصدقاء خاصة كوننا شعبا يحب السلم والأمان ويبتعد عن العنف والمظاهر المسلحة.
ولكن كيف لنا ان نصل إلى تحقيق حلمنا؟ أعتقد أن هذا الحلم تم الشروع بتحقيقه منذ أن لملم مؤتمروا عينكاوا 12-13/3/2007 أوراقهم وغادروا هذه المدينة كلٌ إلى القصبة او المدينة التي قدم منها، فقد تبلورت أفكار لدينا كنا لا ننتبه إليها في خضم العمل والكتابة الفردية ونحن مثقفوا الأمة بعيدون بعضنا عن بعض وربما أحيانا لا نقرأ لبعضنا البعض لكي تتزاوج الأفكار وتتقدم خطوات إلى أمام، وحسنة المؤتمر وليست قطعا الحسنة الوحيدة أنه جمع بين حناياه مجموعة كبيرة من الكتاب والمثقفين تعارفوا وتحاوروا كثيرا واستمعوا إلى مداخلات وكلمات أغنت أفكارهم وغيرت ربما لدى الكثير العديد من القناعات التي كانوا مترددين في طرحها.
ولو نظر المراقب إلى مفردتي "الحكم الذاتي والإدارة الذاتية" ربما لا يجد فيهما شيئا مغايرا لأنها تقود لواقع أن نحكم انفسنا بأنفسنا من خلال رجالنا، لكن الحكم الذاتي لا يستلم اوامره من غيره بينما أفراد الإدارة الذاتية كل حسب دائرته مستلم أوامره من الدائرة الأعلى منه والتي لن تكون مطلقا من ابناء شعبنا لهذا فضلنا كلمة الحكم الذاتي على غيرها.
وتبقى مسألة الخوف من انتقام العرب او الكرد لأننا نبحث عن حكم ذاتنا بذاتنا والخوف أن يقوموا بتفسيره تفسيرا عن أننا نبحث عن الانفصال من حكم المركز أو المحافظة أو الاقليم ... فهذا ممكن تبديده وقد بدأ مؤتمر عينكاوا المشار إليه منذ صدور بيانه الختامي بجملة صريحة وشهيرة: أننا نريد لهذا الحكم ضمن عراق موحد أي أننا لم نقل ضمن حكومة الاقليم ولا ربطه بكردستان مطلقا، ولهذا يجب أن نكثف الجهود تجاه أخوتنا العرب وخاصة في نينوى وأيضا للكتل السياسية في البرلمان شارحين لهم بدءا من الدستور بأن الحق قد أعطي لنا حتى في وثيقة الدستور أن يكون لنا منطقة إدارية حيثما يتواجد شعبنا وبكثرة ويدركون من خلال طروحاتنا أننا لا نفكر بالانفصال لأن الأرضية غير متوفرة مطلقا خاصة أننا لم نطالب بحكم ذاتي جغرافي، فمن حيث الواقع هذه الجغرافية غير متوفرة لوجود قطوعات كثيرة فيما بين الأرض التاريخية التي سكنها أهلنا وأحدَثَ تجمعات كاملة من الشعب الكلداني السرياني الآشوري عليها.
لذلك يجب أن يعي الكردي أننا لا نرغب باقتطاع مدينة أو قصبة من أرض الاقليم بقدر ما نطالب أن تكون هذه المدينة أو القصبة تحكم ذاتها بذاتها وإن كانت تحت سلطة حكومة الاقليم تتحاور وتناقش وتتعاون مع سلطة الاقليم وإن كانت تحت سلطة أقليم آخر أو حكومة المركز يكون لها أن تتحاور مع أولئك...
وكل هذه المدن والقصبات التي نشكل فيها الأغلبية تكون مربوطة من حيث الادارة بحكم ذاتي واحد يوصل الرأي والقرار والعمل وكذلك نظام العمل لأبناء شعبنا سواء كانوا في عينكاوا أو تلكيف أو كرمليس أو ديانا وكويسنجق... فسيكون نظام الحكم في زاخو ذاته في برطلة ونكون جميعا أبناء مخلصين للعراق الواحد، نحترم الجميع ونطلب من الجميع ان يقدموا لنا الاحترام وهذا سنحصل عليه بعملنا الجاد والمخلص لجعل أماكن تواجد شعبنا مراكز مشعة للثقافة والعمل والنشاط، ولكن يجب أن لا ننسى أن التضحيات موجودة وأيضا أن الشاعر قد قال يوما ما مفاده:
"إذا الشعي يوما أراد الحياة ... فلابد أي يستجيب القدر"
فهل نريد الحياة؟ وإن كان كذلك يجب ان لا نخاف لأن من يعمل يتوقع ان يُصاب بأذى نتيجة عمله سواء بجرح أو بتر أو أهانة أو أي شيء آخر، وطالما نعمل بإخلاص فإنه سيقودنا حتما إلى النجاح، إذا لنعمل ونترك الخوف جانبا وسيكون الله والتاريخ والحاضر معنا وبالتأكيد سيكون المستقبل مضمون لنا.