الخطة الأمنية تحجز العراقيين في بيوتهم.. وهلال العيد يفرقهم
على الرغم من استمرار التفجيرات المتواصلة منذ أربعة أشهر التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من العراقيين بين قتلى وجرحى في مختلف محافظات البلاد، فإنه كان لبغداد العاصمة منها حصة الأسد، فقد اختلس العراقيون لحظة فرح زائفة عندما اكتشفوا أنهم يصومون شهر رمضان هذا العام في يوم واحد. فللمرة الأولى منذ عقود تطابقت رؤى المرجعيات الشيعية والسنية في العراق برؤية هلال رمضان في اليوم ذاته. وكانت الآمال الزائفة هي الأخرى تتجه نحو التوافق على رؤية هلال العيد، إما من قبل «زرقاوي يمامة سني وشيعي»، أو باتفاق الطرفين على أنه نظرا لتعذر رؤية الهلال، فإن اليوم الأخير يعد مكملا لعدته، وأن اليوم الذي يليه هو أول أيام العيد. لكن الهلال الذي تمت رؤيته سنيا بشهادة الشهود من الموصل وأربيل والكرمة في الفلوجة طبقا لما أعلنه لـ«الشرق الأوسط» مفتي أهل السنة والجماعة في العراق الشيخ مهدي الصميدعي، وهو ما جعل المرجعيات السنية تعلن أن يوم الخميس (أمس) هو أول أيام العيد، وهو ما تم الإعلان عنه في الغالب الأعم من البلدان العربية والإسلامية، تعذرت رؤيته لدى المرجعيات الشيعية في العراق. الصميدعي يضيف أن «رؤية الهلال عند أهل السنة والجماعة تعتمد منذ الأزل على الرؤية المباشرة، وقد صار هناك نوع من التعود على ذلك عبر العصور»، مشيرا إلى أن «رؤية الهلال تمت من خلال اتصالات وصلتنا من الموصل وأربيل والكرمة في الفلوجة، وحيث إن الرؤى تطابقت، فقد أعلنا عن أن الخميس هو أول أيام عيد الفطر» معتبرا أن «عملية رؤية الهلال عند أهل السنة مباشرة من المواطنين إلى الجهات المعنية في هذا الأمر، بينما الأمر عند الإخوة الشيعة يختلف حيث إنهم يعتمدون في ذلك على المرجعيات الدينية». وبشأن التطابق الذي حصل بين الشيعة والسنة في العراق خلال صوم رمضان واختلافهم في تحديد العيد، قال الصميدعي: «الأمر الطبيعي بالنسبة لنا هو أننا لا يمكن أن نكمل شهرين عربيين إكمال عدة حيث لم يسجل التاريخ الهجري مثل هذه السابقة، وبالتالي فإنه ما دام تم الصوم من خلال إكمال العدة، فإنه لا يمكن أن تكون رؤية الهلال إلا من خلال ثبوت الرؤية.
وبشأن رؤيته للعيد بصفته مناسبة للفرح وما يعانيه العراقيون على صعيد الأوضاع الأمنية قال الصميدعي إن «الثابت لدينا أن العيد عندنا أصبح عيد آلام وليس عيد أفراح، وهذا أمر يؤسف له طبعا بسبب الأوضاع الأمنية التي جعلت غالبية العراقيين يمكثون في منازلهم لصعوبة التواصل مع محيطهم الاجتماعي وأقاربهم وأهلهم».
العراقيون استوعبوا صدمة الاختلاف المزمن في رؤية هلال العيد الذي كتب عليه مرغما أن يفرقهم لاعتبارات لا حصر لها، ووجدوا أنفسهم موحدين هذه المرة، لكن على صعيد الخطة الأمنية التي نفذتها الأجهزة الحكومية؛ إذ بلغت ذروتها في العاصمة بغداد التي حولتها العمليات الإرهابية إلى معسكر يشبه مدن العشوائيات المنتشرة على أطراف العاصمة من حيث الإهمال وتراكم الأوساخ والاختناقات المرورية التي جعلت من عملية الخروج في الشوارع عقوبة جماعية بسبب تكرار الفشل الأمني الذي ليس لدى القيادات الأمنية من إجابة عنه سوى أنها في حالة حرب من الإرهاب، وبالتالي فإن هذه الأجهزة تحارب المواطن عبر احتجازه لساعات في السيطرات.
الخبير الأمني الدكتور معتز محيي الدين مدير المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية، أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الأجهزة الأمنية لم تعد قادرة على حفظ الأمن لأسباب باتت واضحة؛ وفي المقدمة منها: عدم وجود الأجهزة والتقنيات الحقيقية لكشف العمليات الإرهابية من سيارات مفخخة وأسلحة وغيرها، فضلا عن النقص الهائل في المعلومات الاستخباراتية، ونقص التدريب، وهو أمر في غاية الأهمية، وهو ما كشفت عنه عملية اقتحام سجن أبو غريب»، مشيرا إلى «أهمية التدريب، ففضلا عن بعده المهني والاحترافي، فإنه يمنح المقاتل قدرة المطاولة والثبات في مواجهة العدو، وهو ما لم يحصل بسبب ما تعانيه المنظومة الأمنية من ترهل قاد إلى سلسلة من تجارب الفشل».
وعلى صعيد متصل، حمل خطباء صلاة العيد في المحافظات المتظاهرة رئيس الوزراء نوري المالكي مسؤولية ما يحصل في البلاد. وقال إمام وخطيب صلاة العيد في مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار: «نخاطب في أول يوم من عيد الفطر المبارك رئيس الوزراء نوري المالكي ونقول له: أما آن لك نزع قناع الطائفية ورفع الظلم عن المعتقلين الأبرياء؟ أما آن لك التخلي عن مصالحك ومصالح حزبك؟ أما آن لك احترام شعبك والعودة إلى عقلك». وأضاف أن «المعتقلين في السجون تحت سطوة الجلاد، لكننا في العراق في سجن كبير تحت سطوة الجلادين»، مؤكدا أن «الحكومة ما زالت مستمرة في اعتقال الأبرياء من أهل السنة والجماعة حتى أصبحت السجون لهم فقط دون غيرهم». وفي سامراء، قال المتحدث باسم المحافظات الست المنتفضة الشيخ محمد طه الحمدون، في خطبته إن «هذه الاعتصامات حينما اتخذت من السلمية منهجا لها فهي لا ترضى أن يطعن بها من قبل أي جهة بأنها ملاذ للإرهاب»، مبينا أن «من يعذب ويعتقل البريء ويقتل ويهجر ويعدم من دون قانون، أحق منا بصفة الإرهاب».