الدولة الناجحة: حكومة قوية بمعارضة ايجابية
لطيف القصاب/مع اتفاق ما تبقى من كتلة التحالف الوطني البرلمانية على تحديد اسم نوري المالكي مرشحا لرئاسة الوزراء لدورة ثانية، تلوح بالافق بوادر ازمة جديدة تتمثل باقناع بقية الكتل الفائزة في انتخابات اذار 2010 بالدخول مساهمين في تاسيس شركة الحكومة المنتظرة، لاسيما القائمة العراقية التي ما تزال حتى هذه اللحظة متمسكة بما تعتبره حقا دستوريا في رئاسة اية حكومة بغض النظر عن رأي المحكمة ذات العلاقة.
إن السعي لتأسيس حكومة مبنية على اساس الشراكة (المحاصصة سابقا) سيكون هذه المرة هدفا ابعد منالا مما كان عليه الحال في حكومة المالكي المنتهية بلحاظ ان الشره الغنائمي لتحقيق الفوائد السياسية سيكون اكثر قوة بسبب حجم القوى المتنافسة لنيل تلك الفوائد من جهة ولمحدودية المكاسب السياسية والادارية المطلوب الاستيلاء عليها من لدن هذا الفريق السياسي او ذاك من جهة أخرى، وسوف تتعثر مسيرة المفاوضات لتحقيق غرض الشراكة في كل مرة يتراءى لفئة سياسية ما ان الجزء الذي وعدت بالحصول عليه هو اقل من نصيبها الانتخابي او الدستوري او العرقي او الطائفي..الخ.
وطبيعي ان الطرق المسدودة ستكون من النتائج حتمية الوقوع بالنسبة لمن يتصدى الى محاولات ارضاء جميع الخصوم، ان سياسة ارضاء الناس جميعا غاية لاتدرك كما هو معلوم خاصة اذا كان هؤلاء الناس من صنف السياسيين الذين يعيشون على فكرة الانتهازية وبلوغ المراد باية آلية ممكنة.
ان الاعلان عن تقديم مرشح واحد لرئاسة الوزراء يمكن ان يكون بداية مهمة لنهاية الازمة السياسية برمتها فيما لو اتجه نظر الكتل السياسية الرئيسية الفائزة او بعضها على الاقل صوب التركيز على قضية بناء جبهة معارضة للحكومة في داخل البرلمان او مايعرف بحكومة الظل.
ان من شان وجود معارضة صلبة في البرلمان المساهمة في بلورة تشكيلة حكومية قوية قائمة على فكرة العمل بروح الفريق الواحد ويكون شغلها الشاغل تقديم الخدمات والانجازات، اما طواعية او رهبة وخوفا من الجبهة البرلمانية التي سوف تكون مستعدة دائما لرفع البطاقة الحمراء في وجه الحكومة سيئة الاداء او الصيت، وبالتالي طردها من مسؤولية القيادة والاستعاضة ببديل افضل.
ولكن من ياترى باستطاعته ارغام او اغراء بعض الكتل السياسية على تسنم منصب المعارضة في مواجهة الحكومة لا الدخول في بطانتها؟
الذي يمعن التفكير في العقل المهيمن على صناعة الحدث السياسي العراقي الحالي يلاحظ بشكل سافر حقيقة ان الاغلب الاعم من ساسة البلاد لاينظر الى السلطة الا على اساس كونها حشدا من الاشخاص الذين يمسكون ملفات هذه الوزارة او تلك السفارة.
ان السلطة التشريعية وهي حجر الزاوية في بناء الدولة العراقية بحسب ما رشح من دستور دائم وانتخابات متكررة لا يُنظر اليها (انتهازيا) إلا من زاوية كونها وسيلة لتحويل بعض النواب الذين حصلوا على مقاعد في البرلمان الى وزراء وسفراء ونحو ذلك، ومن ثم استبدالهم باناس اخرين يجلسون في صالة انتظار فرص تحويلهم الى نواب.
وعليه فانه لابد من ارغام هذه الكتل السياسية على التصدي لقضية المعارضة الايجابية إذا عز الإغراء، وهذا الارغام لن يكون الا ناتجا متوقعا لعمليات الضغط التي لابد ان تمارسها القوى الاجتماعية العراقية مثل النخبة الأكاديمية التي تمسك بسلطة المعرفة والنخبة الاعلامية التي تملك التأثير في اتجاهات ومسارات الراي العام فضلا عن السلطة الدينية التي لاتزال تتربع على المركز الاول في تشكيل النسبة الاكبر من مساحة الراي العام بل الوعي العام.
ان الترويج الفعال لفكرة ان الشعب بحاجة الى معارضة قوية بقدر ما هو محتاج الى حكومة رشيدة هو السلاح الامضى في اجبار القوى السياسية المتصارعة لكسب مواقع النفوذ على تحمل مسؤولياتها التي تتجلى في هذه المرحلة بممارسة دور الرقيب على أداء مجلس الوزراء، لا عن طريق تعطيل المشاريع كما حدث في الدورة البرلمانية السابقة ولكن عبر رد الأداء الحكومي إلى جادة الصواب كلما تنكب غير سبيل الرشاد أي كلما لاحت بوادر استغلال المناصب الحكومية لتحقيق أغراض وغايات شخصية مثل ما حدث مرارا في التجربة الماضية.
* مركز المستقبل للدراسات والبحوث
http://mcsr.net