الرابطة الكلدانية خطوة في الأتجاه الصحيح .. كيف ؟ ولماذا ؟
كل ولادة يعتريها المعاناة والمخاض ، وإن كان اليوم باستطاعة العلم التكهن بجنس الوليد ذكر ام انثى ، لكنه لا يستطيع التنبؤ بمستقبل هذا الوليد هل يكون صالحاً ام شريراً، عالماً ام غبياً ..الخ هكذا كل وليد يراد به غايات نبيلة ، وفي عالم الأجتماع والسياسية والأقتصاد والفن .. يراد بالكيان الوليد غايات مجتمعية او سياسية ، وفي موضوعنا الرابطة الكلدانية تعتبر غاية وهدف يراد به خدمة المجتمع في سياقات ومجالات معينة ، لا سيما وإن مبادرة التأسيس نابعة من البطريركية الكلدانية المعنية بمصير الشعب الكلداني في العراق والعالم .
إن العاصفة الهوجاء التي عصفت بالعراق ، طال الشعب الكلداني قدر كبير منها ، فكانت هجرتهم وتشتتهم في ارجاء المعمورة ، وكانت هذه الهجرة التي شملت نسبة كبيرة من المسيحيين ، لاسيما بعد سقوط النظام عام 2003 كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، حيث دقت نواقيس الخطر ، واعلن عن انباء ان العراق في طريقه الى التخلص من مسيحييه ، واعلنت نسبة مخيفة عن هذه الهجرة وعن عدد العوائل التي تهاجر يومياً ، وكان البطريرك الكلداني اكثرهم خوفاً وتوجساً من هذا الخطر المحيق بشعبه ، وفي الآونة الأخيرة عقدت ندوة في بغداد عن تحديات الهجرة ، وقال فيها غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى : ترك البلاد بمثابة بيع الهوية وخيانة للوطن .. وأضاف :
وأعتبر البطريرك ساكو ظاهرة ترك المسيحيين لبلدهم والهجرة نحو المجهول "بألاستئصال عن الجذور والتقاليد الموروثة من حضارة بلاد الرافدين وشكل من أشكال الموت لمن يجهل طبيعة المجتمعات والعقلية الغربية ويجد صعوبة في التأقلم مع اللغة والاعراف المختلفة عن ثقافتنا ولغتنا ومبادئنا". ولكن مع ذلك يضيف غبطته :
رغم أن مستقبل المسيحية والكنيسة الكلدانية يكمن في العراق حيث اللغة والتراث والطقس وليس في بلاد الانتشار ، أكد البطريرك ساكو أن حضورنا لا يخضع للعدد سواء كنا أقلية أو أكثرية بقدر ما هو مرهون بالتزامنا المعطاء وتأثيرنا في المجتمع العراقي.
وكلمته حسب الرابط :
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,728263.0.html
ومهما كان فإنه لا بد من مراعاة الأمر الواقع ، فإن المسيحيين بشكل عام والكلدان بشكل خاص اليوم نلقاهم منتشرين في بلدان المهجر ، والأسباب متعددة ولكن النتيجة واحدة ، ، ولهذا ينبغي ايجاد آصرة تربط هذا المكون وتجعله قوماً واحداً إن كان في وطنه او في حله وترحاله ، وهذه الآصرة هي القومية التي تربط هذا المكون وتمنعه من التشتت ونسيان الهوية . إن فكرة تأسيس الرابطة الكلدانية تعتبر حلقة مهمة في تلك السلسة التي تشكل مقومات القوم الواحد . ومن قراءة اوليات تأسيس الرابطة الكلدانية نقرأ ان :
حشد طاقات الكلدان في الداخل والخارج وتعزيز العلاقات داخل البيت الكلداني.
كما نقرأ
الرابطة ليست جبهة منغلقة ضد أحد، بل منفتحة على الكل. هدفها مدني وانساني ومسيحي وكلداني، تسعى لخدمة الكلدان والمسيحيين والدفاع عنهم بأسلوب حضاري هادئ وتمد الجسور بين العراقيين في سبيل عيش مشترك متناغم وتسعى لنشر تراثنا المشرقي وتأوينه وتفعيله .
كما ورد ان :
الرابطة عالمية لا تقتصر على بلد معين أو جماعة محددة، لكنها تتشكل أساسًا من النخبة الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية .
وورد ايضاً :
العمل على الحفاظ والدفاع عن حقوق الكلدان والمسيحيين الاجتماعية والثقافية والسياسية وتشكيل قوة ضغط لاستمرار وجودهم في البلد الأم بطريقة متساوية راجع الرابط :
http://www.saint-adday.com/permalink/5632.html
والرابط :
http://www.saint-adday.com/permalink/5603.html
إن هذه المعطيات وغيرها تعطينا الخطوط العريضة لعمل هذه المنظمة المهمة . وكما يقال ان تصل متأخراً خير من ان لا تصل ابداً ، فهذه المنظمة كان يجب ان يسبق تأسيسها هذا الوقت . واليوم كانت المبادرة من اعلى المصادر ، وإن تأسيس مثل هذه المنظمة يعتبر وضع حجر الزاوية في بناء البيت الكلداني . وهذه المنظمة ليست من باب الترف ، إنما هي ضرورة موضوعية خلقتها الظروف التي تحيط بشعبنا الكلداني وببقية مسيحيي العراق بشكل عام .
إذا اهملنا التعاريف الكلاسيكية لمفهوم القومية ، من اقتصاد مشترك وجغرافية مشتركة ، ولغة مشتركة الى آخره من المشتركات ، ونحاول التقرب من المصالح والمصير المشترك سوف نجد تفسير مفهوم لمعنى القومية ومعطيات نموها ، وسوف نشير الى واقع عشناه في القوش ، إذ كان هنالك بين الأهالي خلافات واختلافات في الحياة اليومية لأهل القوش ، ولكن حينما يصدر نداء النجدة ( هاوار ) كأن يجري الأستيلاء على قطيع غنم او ابقار القوش ، فيهب الجميع ، ليس اصحاب الغنم او اصحاب البقر فحسب ، بل جميع الرجال ، وتذوب كل الخلافات القديمة في بودقة مصلحة البلدة ومصيرها .
هذه هي المشاعر القومية التي تحرك الشعوب ، لدينا تجربة الأكراد حيث ان التقسيم العشائري كان شديداً بينهم ، كما ان الجغرافية الجبيلة قد ساهمت بهذا التقسيم ، ولكن حينما وجدت هذه العشائر ان شعوب المنطقة قد كونت دولها بعد تفكك الأمبراطورية العثمانية مثل العرب والأرمن واليونان والأتراك دأبت المشاعر القومية تدب بين مواطنها لتعلن وتكافح من اجل تحقيق اهدافها القومية العابرة للروابط القبلية والمناطقية وغيرها ، هذا ايضاً ما لمسناه في حالة القبائل الآثورية ايضاً التي كانت متمركزة في جبال حكاري ، حيث بقيت هذه العشائر محافظة على ولاءاتها العشائرية ، مع رابطة دينية مبنية على المقدس بولاء كبير للرئيس الديني ، والذي كان بمثابة الرئيس الدينيوي ايضاً ، لكن بقي الرابط القومي غامضاً ومتخفياً لحين تعرض تلك القبائل ( مجتمعة ) الى هجمة استهدفت مصيرهم ( جميعاً ) فكانت ولادة الشعور القومي الأثوري ومن ثم تطور الى آشوري منذ الحرب العالمية الأولى ولحد اليوم .
الشعب الكلداني تعرض في وطنه الى هجمة إرهابية استهدفت وجوده ومصيره في وطنه ، كما تعرض الى حملة اخرى استهدفت الى إلغاء اسمه القومي التاريخي الكلداني في وطنه العراقي . هنا اود ان اشير الى تاريخ قريب ينبغي الأستفادة منه ، فغايتنا من قراءة التاريخ هي للاستفادة من تجاربه ، وإلا ما فائدة قراءة وقائع واحداث قد مرت وطواها الزمن ؟
وهنا اشير الى تجربة الأتحاد السوفياتي السابق التي عايشنا ظروفها عن كثب ، لقد كان الأتحاد السوفياتي السابق قد وحدته الآيديولوجيا ، ورغم نظام الجمهوريات وكيانات الحكم الذاتي ، فإن الأتحاد السوفياتي السابق كان يرتكز على حكم مركزي ، وبقيت مسألة المشاعر القومية كامنة كالجمر تحت الرماد ، وحينما تراخت القبضة المركزية الصارمة بعد 75 سنة من الحكم انبعثت تلك الجمهوريات المستقلة المبنية على معطيات قومية بالدرجة الأولى . وهذه تجربة يمكن الأستفادة منها بأنه لا يمكن دفن المشاعر القومية لدى الشعب الكلداني مهما كانت المزاعم والمبررات ، إن كان بعضها يدعي بأننا شعب ضعيف منقرض ، وإن الوحدة بيننا تقضي بعدم الدعوة لتنمية المشاعر القومية الكلدانية كل هذه المزاعم ليس لها اساس من الصحة لأنها تصب في خانة الفكر الإقصائي لمكون عراقي كلداني اصيل .
إن المنطلقات القومية لا تعني العمل القومي فحسب بل ان التمسك بالأسم القومي وباللغة القومية ، وبالأناشيد والأغاني والموسيقى والغذاء والأزياء القومية والتقاليد والعادات والأوابد والأعياد والأهازيج والقصص والحكايات والفولكلور .. كل هذه عناصر مهمة لبقاء القومية .
اليوم يبادر البطريرك الكلداني الموقر مار لويس روفائيل ساكو على طرح مقترحه لتأسيس رابطة كلدانية ، إنها حقاً لبنة مباركة في عمارة المصير والوجود الكلداني . برأيي المتواضع ان منظمات المجتمع المدني لها دور كبير في رفد الفكر والثقافة والفن ، إضافة الى كونها مراصد لمراقبة الإداء الحكومي ، وإبراز مكامن الخطأ لمعالجتها ووضع الحلول الصائبة لحلها ، هنالك من يقف بالضد من هذه المنظمات باعتبارها لا تؤدي المهمات الملقاة على عاتقها ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، ثمة من يرى ان هذه المنظمات تحمل الأسم الكلداني فحسب ، وكمثل غير حصري جمعية الثقافة الكلدانية ، التي ليس بمقدورها تجسيد الأسم الذي تحمله في نشاطاتها ، وهنا يأتي دور التمويل ، فإن من يمول ويدعم هذه الجمعية وغيرها ، يعمل على سحب الجمعية نحو خطابه السياسي والثقافي .
اريد هنا ان اكون صريحاُ فنحن الناشطون الكلدان نتحمل جزء من المسؤولية ففرع هذه الجمعية في القوش او عنكاوا ، لم تمنع يوماً نشاط كلداني ، فالتقصير من جانبنا ايضاً ، ولهذا نشاط كل منظمة متوقف على نشاط اعضائها ومؤازريها وأصدقائها ، ونشاطها وحراكها من نشاطهم وحراكهم .
في الحقيقة ان العمل السياسي والقومي والأجتماعي كل ذلك يتطلب قدر كبير من التضحية والتفاني ، وانطلاقنا يكون بأيماننا بقضية شعبنا العادلة ، وهذه المسؤولية جسيمة يتحملها السياسي والناشط في المجال القومي والفنان ورجل الدين والمرأة والعامل والفلاح والطالب ، وكل فرد مثقف واعي من هذا الشعب ، فالمسألة هنا تتعلق بمجمل العمل الجماعي والتنسيق بين الجميع وبرأيي الشخصي ان الرابطة الكلدانية ستشكل القاسم المشترك الذي يمكنه التنسيق بين كل تلك الجهات لوضع قضية الشعب الكلداني وقضية المسيحيين عموماً في المحافل الوطنية والأقلمية والدولية ، ويبرزونها كقضية عادلة في وسائل الأعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة .
وفق الله كل الخيرين لغرس هذه الشتلة المباركة ( الرابطة الكلدانية ) ورعايتها لتنمو وتزدهر لما هو خير بيتنا الكلداني وعموم المسيحيين والوطن العراقي برمته .
د. حبيب تومي / اوسلو في 02 / 03 / 2014
habeebtomi@yahoo.no