السبيل لإنقاذ العراق من وضعه الكارثي
إن الوضع الكارثي الذي يخيم على العراق اليوم، والوضع الأمني المتدهور جراء النشاط الإرهابي لقوى الفاشية والظلام، والذي يعصف بالبلاد ويزهق أرواح المواطنين بالجملة كل يوم، والفساد المستشري في جهاز الدولة من القمة حتى القاعدة، والفقر والجوع والبطالة، وتردي الحالة المعيشية للشعب، والوباء الذي يتمثل بالمليشيات المختلفة التي تعيث بالبلاد، حيث الاغتيالات والاعتقالات والتعذيب والسجون خارج السلطة والقانون، وقوات الشرطة والجيش والأجهزة الأمنية الأخرى المخترقة من قبل عناصر هذه المليشيات، والتي باتت لا تمثل السلطة الرسمية بقدر ما تمثل الأحزاب المنتمية لها، وقوات الاحتلال الأمريكية المهيمنة على مقدرات العراق، والتي تخطط لحكم العراق إلى أمد طويل من وراء الستار، كما فعلت بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى، كل هذه الأمور أدخلت العراق وشعبه في مأزق خطير، وكارثة كبرى تهدد بشكل جدي مصير ومستقبل العراق وشعبه.فالطائفية التي مهد لها الدكتاتور صدام حسين بحملته الإيمانية المزيفة، والتي اعتمدها الحاكم الأمريكي بريمر في تشكيله مجلس الحكم، وتشكيل الحكومة المؤقتة فيما بعد، والانتخابات السابقة واللاحقة كلها تمثل عاملاً حاسماً في ترسيخ جذورها، وتعميق مخاطرها على مستقبل العراق.
كما أن التعصب القومي الشوفيني، والكراهية أخذت بالتصاعد بوتائر متسارعة بين مكونات الشعب العراقي بحيث غدا المواطن السني يكره الشيعي، والشيعي يكره السني، والكردي يكره العربي، والعربي يكره الكردي، والتركماني يكره الكردي، والكردي يكره التركماني، دعك عن القلق الشديد الذي ينتاب الطوائف الأخرى من المسيحيين، والصابئة واليزيديين، جراء تنامي الطائفية البغيضة والشوفينية القومية المتعصبة والخطيرة، ومحاولات البعض فرض أجندتهم المتخلفة على الآخرين بالقوة والترهيب، بل لقد تجاوزت ذلك إلى حد الاغتيال ونسف محلات بيع المشروبات الروحية، ومحلات الحلاقين الرجالية منها والنسائية، وفرض الحجاب على المرأة والعودة بها القهقرى إلى العصور القديمة بحجة مخالفة الشريعة !!.
وبدأت الدعوات تتصاعد إلى إقامة دويلات في الشمال تارة، والجنوب والفرات الأوسط تارة أخرى، وكأنما العراق أصبح فريسة لكل من يملك القوة والمليشيات المسلحة ليحقق طموحاته في تمزيق العراق، وإشعال نيران الحرب الأهلية التي تنذر بالموت والدمار، وإغراق العراق بالدماء.
وجراء هذه المخاطر المحدقة بالشعب والوطن فإن الوضع الحالي يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة، وعلى وجه السرعة قبل فوات الأوان لإنقاذ وصيانة الوحدة الوطنية، والقضاء على النشاط الإرهابي، وإبعاد شبح الحرب الأهلية، وعودة الأمن والسلام في ربوع العراق والتوجه نحو إعادة بناء البنية التحتية للعراق الجديد، وتأتي في مقدمة هذه الإجراءات: . 1 ـ إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا سحب قواتهما من العراق خلال ستة أشهر، إذا كانت هاتان الدولتان تحملان نوايا صادقة تجاه العراق والحرص على سيادته واستقلاله كما تدعيان، على أن تستبدل بقوات محايدة من الأمم المتحدة تتولى صيانة الأمن والنظام العام، والعمل على بناء جيش وأجهزة أمنية جديدة قادرة على حفظ الأمن والنظام بعد خروج قوات الأمم المتحدة .
2 ـ تتولى الأمم المتحدة تشكيل حكومة تكنوقراط من العناصر المستقلة غير المنتمية للأحزاب السياسية القائمة في الوقت الحاضر، وليست لها أي ارتباط بنظام صدام المسقط، ولا أي ارتباطات بدول الجوار وخاصة تلك التي تمارس التدخل الفض في شؤون العراق كإيران وسوريا والسعودية وتركيا، ومن المشهود لها بالكفاءة، ونظافة اليد، والأمانة على مصلحة الشعب والوطن، تتولى السلطة خلال فترة انتقالية يمتد أمدها لفترة زمنية محددة، بدعم من قوات الأمم المتحدة لإعادة الأمن والسلام في ربوع البلاد، وإنهاء أي دور للميليشيات الحزبية، وسحب كافة الأسلحة منها .
3 ـ إلغاء الانتخابات الحالية، وتشكيل برلمان استشاري مؤقت من قبل الأمم المتحدة يضم 150 شخصية وطنية عراقية من مختلف محافظات العراق على أساس الكفاءة والحرص على صيانة الوحدة الوطنية، ووحدة العراق أرضاً وشعباً، ويختار البرلمان الاستشاري رئيساً مؤقتاً للجمهورية خلال الفترة الانتقالية، وتشكيل حكومة تنكوقراط تتولى إصلاح ما خربته الحقبة الصدامية الفاشية، والحرب الكارثية الأمريكية، للبنية التحية العراقية الاقتصادية والإجتماعية والثقافية والصحية والخدماتية، وفي المقدمة من ذلك إعادة الأمن والسلام في ربوع العراق، وإعادة المهجرين، واستعادة مساكنهم وممتلكاتهم، ومكافحة الإرهاب والإرهابيين، وتجفيف مصادر تجنيدهم، ليس من خلال القوة وحدها، بل من خلال معالجة فعّالة وسريعة لمسألة البطالة، وتأمين الخدمات الأساسية والضرورية للمواطنين من ماء صالح للشرب، وكهرباء، وخدمات صحية، وضمان اجتماعي يؤمن الحد اللائق لحياة المواطنين، والعمل الجاد والفعّال لبناء المؤسسات الديمقراطية التي تضمن حقوق وحريات المواطنين العامة منها والخاصة، والمساواة في الحقوق والواجبات بين سائر المواطنين بصرف النظر عن انتمائهم العرقي والديني والطائفي، واتخاذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة أساسا لنظامنا الديمقراطي المنشود.
4 ـ يقوم رئيس الجمهورية المؤقت وأعضاء الحكومة والبرلمان الاستشاري المؤقت بتقديم جرد لممتلكاتهم وممتلكات زوجاتهم وأولادهم وبناتهم كافة، قبل مباشرتهم المسؤولية، وبعد انتهاء مهامهم مباشرة، لضمان مكافحة الفساد المستشري في البلاد، وإعادة تشكيل هيئة الرقابة المالية من العناصر الكفوءة والمشهود لها بالنزاهة ونظافة اليد، ومنحها الصلاحيات اللازمة، والحماية الأمنية الظرورية، لملاحقة السراق والمرتشين، وناهبي أموال الشعب، وهدر ثروات البلاد، وكشف هذه الجرائم ومرتكبيها أمام الرأي العام العراقي، وتقديمهم إلى المحاكم الخاصة بهذه الجرائم لينالوا عقابهم الصارم الذي يستحقونه، واستعادة كل ما سرق إلى خزينة الدولة، ومنع مرتكبيها من ممارسة أي نشاط سياسي داخل وخارج السلطة لمدة عشر سنوات على الأقل.
ولابد من سن قانون { من أين لك هذا} لمحاسبة السراق والمرتشين وناهبي ثروات البلاد، خلال مرحلة نظام صدام ، والنظام الذي أقامه المحتلون الأمريكيون، وإحالتهم إلى المحاكم لينالوا عقابهم الصارم، واستعادة الأموال المسروقة والمنهوبة.
5 ـ وقف العمل بالدستور الحالي المختلف عليه، والذي يتضمن ثغرات دستورية خطيرة تتعلق بمستقبل العراق ووحدة أراضيه، ووحدة شعبه الوطنية، فالدستور بشكله الحالي يحمل بذور الحرب الأهلية، واتخاذ دستور مؤقت لحين إعادة النظر في كافة مواده من قبل لجنة دستورية مختارة من العناصر القانونية العراقية المشهود لها بالأمانة والنزاهة والتوجه الديمقراطي الصادق، بما يضمن التطور الديمقراطي الحقيقي بعيداً عن الطائفية المقيتة، والشوفينية القومية البائسة، والتخلف والتعصب والاضطهاد العنصري أو الطائفي، ومحاولات تمزيق العراق باسم الفيدرالية، ويتم عرضه على أول برلمان منتخب.
6 ـ حل كافة الميلشيات المسلحة دون استثناء، والعمل على سحب السلاح منها، وإصدار قانون بتحريم حمل أو امتلاك السلاح لغير أجهزة السلطة المركزية العسكرية والأمنية، وفرض عقوبات صارمة على كل من يخالف القانون.
أن توجه حكومة المالكي لنزع أسلحة جيش المهدي وحده، وتجاهل ميليشيات منظمة بدر التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عبد العزيز الحكيم، وميليشيات الحزبين الكرديين، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني المسماة بـقوات البيشمركة، وميليشيات الحزب الإسلامي السني، وكذلك ميليشيات حزب الفضيلة وحزب الله وثأر الله وغيرها من الميليشيات الأخرى هي المعيار الحقيقي لجدية توجه رئيس الوزراء نوري المالكي، وأن أي ادعاء بكون قوات البيشمركة هي قوات منظمة مرفوض تماماً ، فلا يوجد في العالم كله دولة فيدرالية تمتلك فيها كل فيدرالية جيشها الخاص، ولا بد من نزع سلاح كافة الميليشيات كبيرها وصغيرها، وأن يكون السلاح بيد الجيش العراقي والأجهزة الأمنية وحدهما.
7 ـ تشكيل لجنة من العناصر العسكرية المستقلة تأخذ على عاتقها تطهير الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والإدارية من عناصر المليشيات المنتمية للأحزاب السياسية، والحرص على أن يبقى ولاء أفراد الجيش والأجهزة الأمنية للعراق وشعبه وسلطته الوطنية، ولا يجوز ممارسة النشاط الحزبي في صفوفها بأي شكل كان، وتثقيف أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بالفكر الديمقراطي، واحترام حقوق الإنسان والحرص على سيادة واستقلال العراق.
إن تواجد العناصر المرتبطة بالأحزاب داخل صفوف الجيش والأجهزة الأمنية سيبقى يمثل برميل بارود معرض للانفجار في أي لحظة ، حيث الولاء للحزب وليس للعراق وشعبه، فلا مجال للنشاط الحزبي في صفوف الجيش والأجهزة الأمنية.
8 ـ إصدار قانون جديد ينظم عمل الأحزاب السياسية بما يضمن المسيرة الديمقراطية، ورفض قيام الأحزاب على أساس ديني أو طائفي شيعياً كان أم سنياً،أو قومي شوفيني متطرف عربياً كان أم كردياً أم تركمانياً أو أية قومية أخرى، وأن يكون الشرط الأساسي لقيام الأحزاب السياسية هو الإيمان قولاً وعملاً بالديمقراطية، والالتزام التام بوحدة العراق أرضاً وشعباً.
9 ـ منع نشاط حزب البعث الصدامي، ومكافحة فكره الفاشي، وإحالة كل العناصر التي مارست الجرائم بحق الشعب، والتي سطرت التقارير عن المواطنين للأجهزة الأمنية، وسببت إعدام الألوف منهم إلى المحاكم لينال كل مجرم العقاب الذي يستحقه، والعمل على احتواء العناصر التي لم تمارس الإجرام وإعادة تثقيفها بالفكر الديمقراطي، وإعادة تأهيلها لتأخذ دورها في بناء العراق الديمقراطي المتحرر.
10 ـ محاكمة كافلة أعوان نظام صدام الذين ارتكبوا الجرائم الوحشية بحق الشعب من دون إبطاء، أو تلكؤ، وإنزال العقاب الصارم بحقهم، فهؤلاء يتحملون المسؤولية عن كل الويلات والمصائب التي حلت بالشعب والوطن جراء طغيانهم، وجراء شن الحروب الإجرامية الداخلية منها والخارجية، والتي أزهقت أرواح الملايين من أبناء شعبنا، وشردت ملايين أخرى في مختلف بقاع الأرض، ودمرت البنية الاجتماعية والاقتصادية، واستنفذت كل موارد العراق، وأغرقته بالديون بعشرات المليارات من الدولارات، وملأت ارض العراق بالقبور الجماعية، وهمشّت القوى والأحزاب السياسية الوطنية، وقمعت الحقوق والحريات الديمقراطية العامة للشعب.
11 ـ إن كلّ الثروة الوطنية في العراق، ما كان منها في باطن الأرض أو على الأرض هي ملك للشعب العراقي كله دون استثناء، وتحت تصرف حكومة مركزية ديمقراطية، ولا يحق لأي حزب أو فئة أو قومية أو طائفة التصرف في أي جزء منها بأي شكل من الأشكال، وعلى السلطة المركزية أن تخصص من عائدات هذه الثروة إلى المناطق العراقية حسب الكثافة السكانية، وبشكل عادل، مع مراعات المناطق الأكثر تضرراً، والتي تحتاج إلى رعاية خاصة ترفع المعانات القاسية عن أهلها.
وينبغي أن ينص الدستور القادم على ضرورة أن يكون استثمار المكامن النفطية تحت سيطرة الدولة وشركة النفط الوطنية التي انشأها الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ، وتشجيع الاستثمار في هذا المجال بما يضمن الحرص على ثروة البلاد من الهيمنة الإمبريالية من جهة، وتطوير الدخل الوطني اللازم لإعادة بناء البنية التحية المدمرة للعراق، وتأمين الحياة اللائقة للشعب الذي عانى الكثير من الحرمان والجوع والفقر والأمراض والقهر والعبودية خلال العقود السابقة.
12 ـ تطبيق الفيدرالية في كردستان العراق بعد الفترة الانتقالية بما يضمن وحدة العراق أرضاً وشعباً، مع العمل على تعزيز الأخوة العربية الكردية، وسائر القوميات الأخرى ومكافحة الميول الشوفينية والعنصرية لدى سائر أطياف ومكونات الشعب العراقي، وضمان مشاركة الجميع في بناء العراق الديمقراطي الحر المستقل والموحد، والمشاركة الفعّالة في السلطة بصرف النظر عن الانتماء القومي أو الديني أو الطائفي، وعلى قدم المساواة في الحقوق والواجبات.
إن أي محاولة من جانب أي قوى قومية أو دينية طائفية لتمزيق وحدة البلاد، وتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب العراقي خيانة وطنية عظمى لا يمكن السكوت عليها، وإن محاولة اتخاذ جرائم النظام الصدامي كقميص عثمان واستغلالها لتبرير فرض الفيدراليات الهادفة لتمزيق العراق أمر خطير لا ينبغي السكوت عنه مطلقاً، بل تقتضي مقاومته بكل الوسائل والسبل، وسيتحمل كل من يسير في هذا السبيل الخطر مسؤولية كبرى لما سيحدث من صراع طائفي أو قومي شوفيني والذي لن يخرج أحد منه منتصراً، بل ستحل الكارثة الكبرى بالجميع دون استثناء.
13 ـ العمل على انسحاب كافة القوات الأجنبية من البلاد حال استتباب الأمن والسلام في البلاد، وإكمال بناء قوات الجيش والأجهزة الأمنية وتجهيزها بكافة الأسلحة الثقيلة والطائرات المتطورة للجيش بما يمكنه من صيانة الأمن الداخلي وسلامة الحدود وصيانة استقلال البلاد، والسعي لإقامة أفضل العلاقات مع سائر دول العالم على أساس المصالح المشتركة، والمنافع المتبادلة، شرط عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة واستقلال العراق، ووحدة أراضيه.
أن أي ترقيع لحكومة المالكي في ظل الوضع الحالي الخطير لن يحقق الأمن والسلام الدائميين للعراق، وسيبقي الوضع الأمني هشاً قابلاً للانفجار في أية لحظة ما دام العراق تقوده أحزاب طائفية، وشوفينية عنصرية، مدعومة بميليشياتها المسلحة التي باتت هي الحاكم الحقيقي على أرض العراق، مما شجع على انتشار الفساد في كافة أجهزة الدولة من القمة إلى القاعدة، وانتشار ظاهرة الميلياديرية الجدد في البلاد التي لم يكن لها وجود قبل الغزو الأمريكي البريطاني للعراق بحجة تحريره من نظام صدام حسين ، لكن المحتلين خلقوا في البلاد العشرات إذا لم نقل مئات الصداميين الجدد الذين لا هم لهم سوى الاستئثار بالسلطة ونهب ثروات البلاد تاركين الشعب العراقي البائس في حالة يرثى لها، حيث يفتك به الجوع والأمراض والفقر والبطالة من جهة، وسيوف الميليشيات الطائفية والعنصرية المسلطة على رقابه، ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة تخص حياة المواطنين وحقوقهم وحرياتهم العامة والخاصة باسم الدين الذي استغلوه أبشع استغلال، وأساءوا إليه بالغ الإساءة.
حامد الحمداني
6/6/2008