Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

السياسة والدين

كلمتين مهمتين في قاموس حياتنا اليومية، ويكاد لا يستطيع أي إنسان أن يتخلص من أي منهما في حياته، وربما اللادينيين قد ابتعدوا نوعا ما عن الكلمة الثانية لكن ما يعلنوه هم أيضا هو شكل من أشكال الدين، لأن الدين ليس فقط أن نؤمن بالله أو نتبع أي من الأنبياء أو الرسالات السماوية أو غيرها، إنما الدين هو أخلاق قبل كل شيء وهو شريعة للحياة كي تعطي هذه معنى أبهى وأسمى للعلاقات الاجتماعية بعيدا عن الغش والخداع والغاية تبرر الوسيلة.

وفي الجانب الآخر من الموضوع نجد أن السياسة هي حقل شائك لا تحدده قيم معينة بل أنها مجرد فن الممكن وكذلك فن تحقيق المصالح؛ وعَدُوي اليوم قد يكون صديقي غدا إن تحققت مصلحتي معه وقد ألجأ إلى أقذر الوسائل لتدمير المقابل أو تحطيمه سياسيا حتى وإن كانت الوسائل غير مشروعة من خلال اللجوء إلى الكذب والتزوير وفبركة الأحداث وأعادة تشكيل الصورة لكي يتم جعلها مقبولة للآخرين وأيهامهم في أنها الحقيقة!!!

ومن هنا نرى شتّان ما بين السياسة والدين، ففي السياسة لا نجد مكانا للأخلاق والمواقف الثابتة إنما جميع الأمور خاضعة للتغيير حسب المصلحة، والأمثلة كثيرة في تاريخنا القريب وواقعنا المعاصر، لكن الغريب أن نرى من يلبسون رداء الدين ويَلجون ميدان السياسة بل يصرّون على العمل فيها!!!؟ فربما هذا يريد أن يضع للسياسة دينا ولا أدري كيف له أن يفعل ذلك؟، فكم من الوقائع والأحداث السياسية تستوجب قرارات تتعارض مع الأخلاق الدينية فكيف للمتدين أن يمضي قدما عند ذلك في السياسة، أم أن دينه يتكيف مع المصالح السياسية!!! أيصح هذا؟

بكل تأكيد نحن ننشد أن يكون للسياسة مبادئ شأنها شأن الدين وأن يكون جميع البشر يؤمنون بالله وبالقيم السماوية والدينية وأن يعم العالم شريعة المحبة والتسامح والفضيلة والاخلاق الحسنة وأن يقف الاقتتال ويحلّ السلام في الأرض وتتوقف الاعمال الإرهابية ويحلّ محلها الامن والطمأنينة وأن يعلم كل إنسان حدوده ويحددها بنفسه ولا يتعدى على حق غيره ويحب قريبه كنفسه و و و ... من المبادئ الدينية التي ننشدها جميعا وتعمل من أجل أحقاقها جميع الأديان، لكن هل هذا ممكن في السياسة؟

فبالسياسة تتحارب الشعوب وبواسطتها يتم غزو بلدان آمنة ومحاصرتها وإبادتها، وبها تُستعمَر شعوب وتُسلب حقوقها وتُنهب خيرات بلدانها، وتستباح كرامتها وبالسياسة تُلقى آلاف الأطنان من القنابل على الشعوب وبها أيضا يتم تشكيل فرق لإنقاذ الضحايا ومداوة الجرحى ومعالجة مشاكل اللاجئين الهاربين من المعارك. فهل يسأل أصحاب الديانات الذين يمتهنون السياسة كيف سيمتهنون مثل هذه السياسة؟ أم أنهم سيضعون قواعد جديدة للسياسة؟ لا شك أننا سنكون أمام أناس مراؤون يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما يناقض أقوالهم.

عبدالله النوفلي

23 كانون الثاني 2011


Opinions