الشاعر والمناضل كاظم السماوي
5/6/2010الكلمة التي ألقيتها في الحفل ألتأبيني للشاعر والمناضل الكبير كاظم السماوي الذي أقامه النادي الثقافي الاجتماعي في مدينة يوتبوري [كوتنبرك] هذا اليوم 5/6/2010
أيها الأخوات والأخوة الحضور الكرام : نلتقي هذا اليوم لنستعيد ذكرى
الشاعر الكبير والمناضل العنيد من أجل السلم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لسائر بني الإنسان، هذا الإنسان ألأممي الذي قضى معظم سنوات حياته يحمل راية الحرية متحديا سلطة الطغاة وأجهزتها القمعية ، غير مبالٍ بالسجون والتعذيب والفصل والتشريد الذي دام أكثر من أربعين عاماً قضاها في المنافي الممتدة من المجر وحتى الصين، سلاحه الشعر والكلمة الحرة الصادقة التي لا تعرف التدليس للحاكمين، فكانت قصائده سيفاً بتاراً يقض مضاجع الطغاة في وطنه العراق وفي سائر بلدان العالم التي كانت تعاني من ظلم الحاكمين وبطشهم.
لقد تحدث عن شاعرنا الكبير وقيّم شعره ونضاله وثوريته ، وتحديه للطغاة العديد من الكتاب البارزين كان منهم الكاتب والشاعر الكبير الراحل محمد شرارة حيث قال:
أرأيت الزوبعة كيف تنطلق ؟ أو العاصفة كيف تندفع ؟ أو البركان كيف يتنفس؟ أو الغابة كيف تشتعل ؟ فإذا كنت قد رأيت هذه العوالم فخذ انطلاق الزوبعة، واندفاع العاصفة ، وتنفس البركان ، واشتعال الغابة ، وأضف بعضها على بعض ، ثم صور منها كائنا حياً متحركاً واعياً عميق الوعي ، مدركاً قوي الإدراك ، فإذا انتهيت من هذا التصوير وجدت أمامك هذا الشاعر الذي يسكب روحه في [أغاني القافلة] ، ويذيب حياته في أحداثها. أنه كاظم السماوي ، أنه شاعر القافلة ، هذه القافلة التي تسير في طريق موحش تتطاير في جنباته الصخور ، تتواثب في قلبه الأشواك ، وترف في فضائله أرواح الضحايا ، ويختلط بترابه دماء الشهداء.
في مثل هذا الطريق تسير قافلة الشاعر كاظم السماوي تصارع في سيرها جبابرة الوحوش ، ومواكب الأشرار ، وبمثل هذا الطريق المظلم المرعب تندفع قافلة الشاعر العظيمة تحدوها أغاني الأمل ، وتسوقها أنشودة الفجر الجديد، الذي بدأ يرسل خيوطه البيض في حواشي الأفق الأسود، فإذا مسها اللغب ، أو نالها الإعياء، انطلقت من قيثارة الشاعر نغمة أعمق من الأمل ، وأقوى من الموت ، وأعذب من نشيد الساقية بين الأزاهر، وإذا التعب الذي مس القافلة دخان في وجوه الأعاصير، وإذا الإعياء الذي نالها ضباب خفيف في وجوه الشموس النيّرة المشرقة ، وإذا القافلة تتحرك من جديد، وتسير في طريقها الموحل الشائك، وهي تستمد من أغاني الشاعر عزماً يدك الصخور، وأُنساً يمزق الوحشة، ونوراً يصرع الظلمة .
أما الدكتور جورج حنا الكاتب التقدمي المشهور فقد كتب عن شاعرنا الكبير كاظم السماوي قائلا :
لم تسبق لي معرفة شخصية بالشاعر العراقي كاظم السماوي، ولا اعرف إن كان ابيض اللون أو أسمره، ولكن ما لا يمكن إلا أن يكونه نفساً ثائرة متمردة ، وإنسانية أبية سامية ، وفكراً تقدمياً مجدداً ، وشعلة من شعلات النور والحرية في عالمنا العربي.
إن ملحمته التي بين يدي تقول لي إنه كذلك . هناك خلاف في وجهة النظر إلى الشعر من حيث الغاية منه، فمن الشعراء أو نقاد الشعر من يعتبر أن للشعر غاية وحيدة هي اللذة العقلية ، وسمو النفس ، وإثارة المسرة ، أو الحسرة في الصدور ، وإنْ لا شأن للشعراء في أن يشغلوا أنفسهم بالحقيقة والذهن، والواجب، والضمير ، وإذا شغلوا أنفسهم بشئ من هذا فيجب |أن يكون اشتغالهم بها بصورة عرضية فقط. هؤلاء هم الخياليون ، وسكان الأبراج العالية الذين لا يرون للشعر قيمة إلا في ذاتيته ، ومنهم من يعبر إن الشعر تعبير عن نفسية الشاعر ومشاعره، يستمدها من واقع الحياة، فيسكبها في قالبٍ يستطيع بواسطته الوصول إلى قرائه، أو مستمعيه، عن أعذب الطرق، لبلوغ غاية يرمي إليها، وهي سعادة الإنسانية وخلاصِها وتثقيفها وتوجيهها ، فالشعر بنظر هؤلاء ليس فناً قائماً بنفسه، ولا قالباً جميلاً وحسب، إنما الشعرُ ذهنُ، وحقيقةُ، وواجبُ، وضميرُ، وثقافةُ، وعلمُ أيضا.
على أن أجود الشعر بنظري على الأقل ، وأظنه بنظر الكثيرين غير ، هو ما يجمع بين الغايتين ، أي بين اللذة العقلية، والشعور النفساني، وبين الإرشاد، والإلهام الذهني، والفكري، والضميري؟ بحيث لا يكون الشعر قالباً فنياً وحسب.
وعلى ضوء نظرتي هذه في الشعر استقبلت الملحمة التي جادت بها قريحة السماوي وطربت لها، فشاعرنا جمع في ملحمته عن السلم والحرب كما جمع قبلاً في [أغاني القافلة] بين الغايتين .فهي تثير في القارئ شعوراً نفسانياً وهو يقرأها ، ثم لا تلبث حتى تنتقل به في ثورة نفسية كلما استمر في قراءتها حتى إذا انتهى شعر بشعور الشاعر ، وأحس بدافع يدفعه إلى مشاركة آلامه وآماله، وأحس بدافع آخر يدفعه إلى النقمة على مبعث الألم والارتياح إلى مبعث الأمل ، ثم يدفعه أيضاً إلى عمل ما ، يقضي عليه واجبه الضميري والإنساني .
إننا نقف في هذا اليوم لنؤبن شاعرنا الكبير كاظم السماوي، ونستعيد ذكرى ومآثر هذا الشاعر الكبير الذي رحل عنا في [ 15 آذار2010]، بعد عناء شديد مع المرض.
المجد والخلود لشاعرنا أبا الشهيد نصير، ولتبقى راية الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي حملها طوال حياته ترفرف فوق هاماتنا لكي تكون دائماً وأبداً محفزة لنا لمواصلة السير على هذا الطريق الذي سار عليه السماوي .