Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الصحافة بين التدجين والتهميش

ربما يوافقني الأعم الأغلب ممن جرب العمل في اية مؤسسة اعلامية عراقية بان هناك العديد من المواقف التي يقرر فيها الصحفي التخلي عن واجبه في نقل الحقيقة بامانة على خلفية محاذير سياسية او امنية، كما انه يعمد في احيان اخرى الى اسقاط قناعاته المهنية لصالح رأي مؤسسته الخاصة مدفوعا بالرغبة في الاستمرار بالعمل لاسيما مع عدم توفر البديل الافضل او المساوي ماديا ومعنويا.

والحق ان هذا الحال ليس حكرا على الواقع الاعلامي العراقي بل انه ملموس بنسب متباينة حتى في ارقى الدول والمجتمعات الاكثر احتراما لمهنة الصحافة، والتي تتواجد تحت افيائها منظومة ردع قانونية تجيد الدفاع عن حق الصحفي المستلب وتتضامن معه كليا في الحالات التي يقع فيها فريسة لامزجة ارباب العمل او نوازع الماسكين بزمام السلطة والمال.

لكن من الانصاف القول ان نسب الاذى الواقعة على الصحفي في البلدان التي يسود فيها توقير هذه المهنة الجليلة تسير في خطى حثيثة نحو خط النهاية والتلاشي بينما ترتفع مستويات مثل هذه النسب في دول شتى ومنها العراق، فمع بقاء التشبث الرسمي بتعريف الصحفي العراقي بكونه ذلك العضو المنتمي الى نقابة الصحفيين حصرا.

وفي ظل غياب قانون يحمي العاملين في هذا القطاع من عبث العابثين لاسيما مع شيوع حركات سياسية متناقضة على ساحة البلاد يحمل البعض منها اجندة ارهاب واضحة لابد ان يضيق فضاء الحرية في فكر الصحفي ولا مفر من ان يعيش هذا المخلوق تحت وطأة صراع مرير فيما هو يدور في افلاك الحفاظ على حياته وقوت عياله وخدمة مرؤوسيه وربما استدرار مكرمات المسؤولين والمتنفذين.

وتتضاعف مرارة هذا الصراع كلما بدت المؤسسة التي يعمل فيها الصحفي متواضعة او مغمورة الى الحد الذي لا يروق لعيون بعض اصحاب المنح والمكرمات او كانت تمتاز بعلاقة متوترة تجاه هذا الطرف السياسي او ذاك.

الحقيقة ان اكبر الاسباب التي جعلت المجتمعات الديمقراطية تواظب على رسالة تطوير ورعاية مهنة الصحافة والعاملين فيها يكمن في ايمان تلك المجتمعات بمبدأ تصحيح الخطأ وعدم تكراره مستقبلا، ولما كانت طبيعة مهنة الصحافة تقتضي من حيث المبدأ رصد الاخطاء بحيادية والاعلان عنها بوضوح للراي العام كان من الطبيعي ان تنال نصيب الاسد من اهتمام هذا الراي وتحوز على لقب صاحبة الجلالة عن جدارة واستحقاق ويعيش اصحابها في منأى عن اساليب التدجين والتهميش كما هو الحال لدى نظرائهم في البلدان المنهارة.

ان مسؤولية فك طوق التدجين والتهميش الذي يعاني منه اغلب العاملين في الوسط الصحفي العراقي تقع اولا وقبل كل شيء على عاتق الدولة العراقية التي عليها ان تتبني فلسفة اكثر احتراما للعاملين في هذه الاوساط وتسعى بصورة جدية الى انتشالهم من الاوضاع المزرية التي تحد من عناصر الحركة والابداع لديهم وتتعامل مع الصحفي بصرف النظر عن انتسابه الى مؤسسة كبيرة او صغيرة بذات القدر من العدل والمساواة وتعطيه مساحة واسعة في تغطية الاحداث المهمة التي تمر فيها البلاد، وبقدر ما يتعلق الامر بالحدث الانتخابي الراهن فلا اقل من ان تكون جميع ابواب المراكز الانتخابية بجميع محطاتها مشرعة امام قلم وكاميرا وجهاز تسجيل الصحفي ويجب ان لايقتصر دخول الصحفي بكامل عدته على بضعة مراكز انتخابية منتقاة من قبل رجال المفوضية العليا للانتخابات بدعوى قدرة هذه المفوضية على ضبط الاوضاع بالتعاون مع بعض المراقبين الدوليين قليلي العدد والحيلة!

ان امام السلطة العراقية الحالية فرصة تاريخية ذهبية لمنح الصحافة دورا مهما في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة يتجاوز الدور الهامشي المعطى للصحافة من قبل مفوضية الانتخابات، اذ ان حفنة من المراقبين الدوليين لا يمكن ان تسد الفراغ الذي يتركه غياب الصحفيين المحليين الذين لهم القدرة على الانتشار باعداد كثيفة على كامل رقعة الانتخابات الجغرافية ويحترفون بشكل لا جدال فيه كشف وتوثيق مايمكن ان يحدث فيها من خروقات ومخالفات.

ان هذا الامر فيما لو عُمل به في الانتخابات المحلية المقبلة فانه سيكشف عن حسن نية هذه السلطة في خدمة مواطنيها كما انه سيمثل ضمانة قوية تحول دون التلاعب بنتائج الانتخابات، هذا الامر الخطير الذي طالما حذرت منه الحكومة العراقية على لسان رئيسها، كما ان وجود الصحفيين على اختلاف توجهاتهم الفكرية كفيل باضافة عامل ثقة مهم يزيد من درجات الطمأنينة في نفس الناخب الذي قد يجد صعوبة في الركون الى احكام رجال المفوضية العليا للانتخابات باعتبار ان هذه المؤسسة تشكلت على ضوء مبدأ المحاصصة السياسية.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net




Opinions