Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الضحية هو شعب العراق والجلاد متعدد الهويات!

كان شعب العراق منذ نصف قرن ولا يزال حتى الآن يحتل موقع الضحية الفعلية في حين تحتل الكثير من دول الجوار والدول العربية وبعض الدول الكبرى موقع الجلاد الذي لا يعرف الرحمة ولا يمتلك ذمة أو ضمير, وغالباً ما يحمل الجلاد الجنسية أو الهوية العراقية, ولكنه في الغالب الأعم يمثل حامل الهراوة التي تعود لهويات فكرية وسياسية أخرى, تعود لعدد غير قليل من دول الجوار. فالضربات تأتي من جميع الجهات المحيطة بالعراق وأن اختلفت الأسباب والأهداف في مراحل مختلفة, ولكن يبقى الشعب العراقي في المحصلة النهائية هو المبتلى بعواقب تلك الضربات. ومن يتتبع تاريخ العراق خلال نصف قرن يرى بوضوح واقع التحالفات الداخلية والإقليمية والدولية التي كانت تنشأ لمصادرة حق الشعب العراقي في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. فمرة كان الجلاد العراقي يأتي حاملاً راية شركات النفط الاحتكارية, ومرة أخرى يأتي عبر السفارة البريطانية في بغداد, وثالثة يأتي بقطار أمريكي, ورابعة يختفي تحت عمامة أو عباءة إيرانية, ومرة خامسة يأتي وهو يلبس رداء معاوية بن أبي سفيان ويحمل في رأسه أساليبه في تصفية الخصوم بصورة هادئة أو بشكل غير مباشر, ويأتي مرة سادسة وهو يحمل على ظهره وفوق رأسه أكياساً من أموال الخليج النفطية وعوائد الحج التي تجعل الإنسان يفقد البصيرة والبصر فيعبث بحياة الناس وفق رغبة دافع النقود. ولم يكن نادراً فيما مضى أن يكون الجلاد العراقي يتسلم السلاح من سفارة عربية زائداً البيانات الديماغوجية والأموال. والعودة إلى فترة حكم قاسم كفيلة بتوضيح الكثير من الأمور.

واليوم يتناقش العراقيون والعراقيات في ما بينهم وبكل جدية حول سؤال كبير: من هو الجلاد الفعلي الذي يقف وراء حامل السوط المباشر أو المتفجرات؟ هل هو إيراني الهوية أم سوري الجنسية, أم هو من بلدان أخرى؟. والجميع يدرك بأن الجلاد قادم من هذه الدول كلها, سواء أتي باختياره أم باختيار منظمات وقوى غير حكومية أم بدفع وتحريض غير مباشر من حكومات بعينها. والجميع يدرك أن هناك تحالفاً فعلياً قائماً على الساحة العراقية تشترك فيه كل تلك الجماعات والقوى والمؤسسات الأمنية السياسية أو حتى الحكومات. والجميع يدرك بأن الهدف يتجه صوب منع الهدوء والاستقرار والسلام والتطور في العراق؟ من يستطيع أن يدلنا بشكل ملموس على الجلاد الفعلي للشعب العراقي؟ هل يمكننا أن نخمن ونقدر مثل هذه المسألة الخطيرة التي يذهب ضحيتها مئات الناس الأبرياء من بنات وأبناء الشعب العراقي, كما حصل أخيراً في بغداد أو قبل ذاك في تلعفر وفي الموصل ...الخ؟ من يساعدنا على معرفة الجاني ومن يقف خلفه لكي لا نضيع في متاهات التخمين والجدل غير المجدي نتيجة التخمين, ولكي لا يتهم هذا الطرف أو ذاك بأنه يمارس أسلوباً غير أخلاقي حين يتهم هذا البلد أو ذاك بمثل هذه العمليات المجرمة.

كلنا نعرف حقائق معينة لا جدال فيها, نعرف مثلاً:

** وجود قوى بعثية محلية تعتبر من بقايا جلادي الشعب العراقي في عهد الدكتاتور صدام حسين, وهي متحالفة مع قوى عديدة في الداخل والخارج وتمارس دور الجلاد حالياً.

** وجود قوى تابعة لهيئة علماء المسلمين متحالفة مع القاعدة وقوامها جزء من البعثيين والقوميين السابقين أيضاً, إضافة غلى جمهرة من إخوان المسلمين, وهي تمارس الجلد أيضاً.

** وجود قوى تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين التي تشكل أحد أبرز جلادي الشعب العراقي والمتحالفة حالياً بشكل مباشر أو غير مباشر مع بقية القوى المناهضة للوضع الراهن.

** وجود ميليشيات شيعية مسلحة تمارس العمليات العسكرية في ما بينها أو تريد خلق الإحباط في نفوس الناس أو ترويج حالة عدم الاستقرار وتبويش الأرضية التي يقف عليها المالكي ونسف سياسته في دعم دولة القانون. كما أن فيها الكثير من الضغط للوصول إلى أهداف معينة للحملة الانتخابية القادمة

** وجود نشاط لقوى أجنبية لها مواقع في الأحزاب الإسلامية السياسية, سواء أكانت شيعية أم سنية, وهي تشترك في هدف أساسي نشر عدم الاستقرار, وهي تستخدم الهوية العراقية لإنجاز مهماتها التخريبية والدموية, وسواء أكانت موجهة للعراق أم كانت موجهة للولايات المتحدة.

** وجود اندساسات غير قليلة في مواقع الدولة العسكرية والمدنية وفي الأحزاب السياسية والمؤسسات الأخرى التي تستطيع قوى الإرهاب الولوج من خلالها للحصول على المعلومات الكافية لإنزال الضربات بالمجتمع العراقي. فالهوية التي لم تنتصر بعد في هذه المجالات هي هوية المواطنة العراقية.

كل هذا موجود في البلاد واكتشاف الفاعل من هذه التجمعات ليس سهلاً بسبب التداخل والتشابك والتحالف حول هدف مشترك واحد هو عدم إعطاء فرصة لاستنشاق هواء الطمأنينة والاستقرار والأمان.

ومن أجل أن نكتشف الجلاد دون توجيه اتهامات, والمتهم برئ حتى تثبت إدانته, فما علينا إلا أن نطلب من مجلس الأمن الدولي الموافقة على أخذ مهمة التحقيق بالمسالة وتشكيل محكمة جنائية دولية لمتابعة الجرائم التي ارتكبت وسوف ترتكب في العراق خلال الفترة القادمة, إنه السبيل الجاد والعملي لترك الاتهامات المتبادلة جانباً وإعطاء التحقيق والتحري عن أدلة إثبات قوية ضد الفاعلين, والذي يمكن أن يخلق أرضية ثقة متبادلة حين يكتشف الفاعل ويقدم للمحاكمة ويعاقب على الجرائم التي ارتكبها. أتمنى أن يعي الجميع أهمية ذلك ودعم طلب العراق الموجه إلى مجلس الأمن الدولي على غرار محكمة قتلة رفيق الحرير وصحبه.

1/9/2009
كاظم حبيب
Opinions