الطلاق والعنف يفتكان بالأسرة العراقية
المصدر: القدس العربي
يتابع العراقيون بقلق شديد، إحصائيات جديدة عن ظواهر اجتماعية سلبية أخذت تتفاقم في العقدين الأخيرين أبرزها ارتفاع حالات الطلاق والعنف الأسري، التي تعكس وجود تفكك في أوضاع الأسرة العراقية، وسط إحباط من ضعف إجراءات الحكومة والمجتمع لمواجهة هذه الكارثة. فقد كشف رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، عن تسجيل أكثر من 357 ألف حالة طلاق خلال 4 سنوات في عموم العراق، باستثناء إقليم كردستان.
وقال الغراوي في بيان لوسائل الإعلام، أصدره منتصف شهر ايلول/سبتمبر الماضي، إن «عدد حالات الطلاق خلال هذه السنوات الأربع، هو تحديدا 357887 حالة، والذي يمثل ارتفاعاً مخيفاً يهدد استقرار الأسرة والمجتمع».
وخلال الفترة ما بين الأعوام 2004 و2014 أكد الغراوي «انتهى زواج واحد من بين كل خمس زيجات بالطلاق، وسجل خلال المدّة نفسها 516 ألفاً و784 طلاقاً من بين 2.6 مليون زواج، عدا إقليم كردستان».
وكان الغراوي أعلن تسجيل 25.536 حالة طلاق خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024 مشيرا إلى أن نسبة الطلاق ترتفع في فصل الصيف مقارنة بالفصول الأخرى، حسب دراسات علمية، حيث ان ارتفاع درجات الحرارة يزيد من الشعور بالعصبية والتوتر، ما يؤدي إلى زيادة في حالات الطلاق، مشيرا إلى أن ارتفاع حرارة الجسم يرفع من ضغط الدم ويجعل الإنسان عرضة للقلق وعدم الاتزان النفسي، ما يؤثر سلباً على التوافق العاطفي والزوجي.
وأشار الغراوي إلى أن أهم أسباب ارتفاع حالات الطلاق تشمل قلة الثقافة الزوجية وعدم التفاهم بين الزوجين، بالإضافة إلى العنف الأسري والتدخلات من قبل الأهل والأصدقاء، والزواج المبكر، والظروف الاقتصادية، وارتفاع معدلات الخيانة الزوجية، والاستخدام السيء للاتصالات، وضعف الوازع الديني، وتعدد الزيجات، وضعف منظومة القيم المجتمعية، والتفكك الأسري، ووجود أكثر من عائلة في بيت واحد ما يزيد من المشاكل.
ودعا الغراوي الحكومة إلى إطلاق حملات وطنية توعوية بالتعاون مع الفعاليات الدينية والمجتمعية والتعليمية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام للحد من ارتفاع حالات الطلاق. كما طالب الحكومة بتوفير دور سكنية منخفضة الكلفة أو أراضٍ مدعمة بقروض بدون فوائد للمتزوجين حديثاً، وتوفير فرص عمل للحد من البطالة والمشاكل السكنية.
وفي السياق ذاته، أعلن «المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق» عن تسجيل 9 حالات طلاق في الساعة الواحدة في العراق، فيما أشار إلى تصدّر العاصمة الاتحادية بغداد قائمة المدن بالأعداد.
وقال نائب رئيس المركز، حازم الرديني، في بيان صحافي، إن «العراق شهد ارتفاعا في حالات الطلاق خلال الربع الأول من هذا العام، حيث بلغ عددها 19 ألفاً و19 حالة، بمعدل تسع حالات طلاق في الساعة الواحدة، حسب إحصاءات مجلس القضاء الأعلى».
وأضاف أن «تلك الأرقام هي نفسها التي سجلت خلال العام الماضي وتؤشر إلى نسب عالية وخطيرة في معدلات الطلاق».
وأكد أن «محافظة بغداد جاءت في المرتبة الأولى بعدد الحالات والتي بلغت 6609 حالات، وبعدها محافظة البصرة بالمرتبة الثانية حيث بلغ عدد الحالات 2429 حالة، وهذا يعني أن المحافظتين تشكلان نصف العدد، علما أن الإحصائيات تخص 15 محافظة عدا محافظات إقليم كردستان». وكرر مطالبة الحكومة بـ«العمل على معالجة الأسباب لما لهذه الظاهرة من مخاطر اجتماعية وتفكك للأسرة والمجتمع».
إحصائيات القضاء عن الطلاق
ووفق إحصائيات مجلس القضاء الاتحادي في العراق، فإن «عام 2021 شهد تسجيل 73155 حالة طلاق، في حين شهد عام 2022 تسجيل 68410 حالة، وعام 2023 شهد 71016 حالة، و45306 حالة طلاق خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي 2024».
ووفقا لإعلام مجلس القضاء، فإن «المحاكم قد سجلت 6620 حالة طلاق في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ما يعني حدوث 220 حالة طلاق يوميا، في حين بلغ إجمالي حالات الزواج 28.807 حالة خلال الشهر».
وفي إقليم كردستان أعلن مجلس القضاء الأعلى هناك، أن «530 ألف و87 حالة زواج سُجلت في عموم إقليم كردستان خلال عام 2023» وفي المقابل، فإن «حالات الطلاق المسجلة في الإقليم بلغت 14 ألفا و312 حالة».
وتؤكد هذه الإحصائيات ازدياد ظاهرة الطلاق في المجتمع العراقي، وسط تساؤلات حول الأسباب والآثار والتداعيات التي سيتركها على المجتمع عموما والأسرة خصوصا فيما يتعلق بمصير المطلقات والأبناء، ما يتطلب جهدا وطنيا جادا لدراسة هذه المشكلة الخطيرة والبحث عن حلول لها.
العنف الأسري
وفي شأن ذو صلة بحالات الطلاق، ونتيجة لارتفاع حالات العنف الأسري في السنوات الأخيرة وما يتركه من آثار سلبية على تماسك الأسرة، فقد عمدت الحكومة إلى طرح قانون العنف الأسري وأرسلته إلى مجلس النواب، إلا انه قوبل باعتراضات كثيرة على بعض بنوده التي اعتبرها المعارضون تهدد كيان الأسرة العراقية.
فقد أعادت لجنة المرأة والطفولة في مجلس النواب العراقي، مشروع قانون العنف الأسري إلى الحكومة، لإجراء تعديلات عليه «لضمان حماية وحدة الأسرة التي أكد عليها الدستور» مبينةً «أن الحكومة ستعيد القانون إلى البرلمان بعد الانتهاء من التعديلات المطلوبة، نظرا لأن بعض الفقرات لا تتلاءم مع واقعنا ومجتمعنا».
وقالت رئيسة اللجنة دنيا الشمري، في أحاديث صحافية إن «اللجنة اعترضت على عدة مواد في القانون، منها عدم وجود عقوبات محددة، إذ اكتفى المشروع بالعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات الحالي، ما يعتبر غير كافٍ في حالات تعنيف المرأة من قبل الرجل، كما رفضت اللجنة فكرة إنشاء دور الإيواء الأهلية».
وأضافت أن «القانون يضمن للمرأة حقها في الحماية إذا تعرضت للعنف أو التعدي من قبل زوجها، ولا أحد يمكن أن يجبرها على التنازل عن حقوقها إلا بإرادتها».
وكانت وزارة الداخلية، أعلنت نسب حالات العنف المجتمعي في البلاد وأنواعها، والتي تبلغ يوميا نحو 100 حالة في العاصمة بغداد فقط.
وأكد عدنان حمود سلمان، مدير مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري في وزارة الداخلية، أن «معدل حالات اعتداء الزوج على الزوجة ضمن ظاهرة العنف الأسري في البلاد بلغ 57 في المئة من إجمالي الحالات، أما اعتداء الزوجة على الزوج فقد بلغت نسبته 17 في المئة واعتداء الأبوين على الأطفال وصلت نسبته إلى 6 في المئة والاعتداء على كبار السن كالجد والجدة بلغ 2 في المئة وما تبقى ونسبته 18 في المئة يتنوع ما بين ما ذكرناه أعلاه بارتفاع وانخفاض وكذلك اعتداء إخوة على إخوتهم وأخواتهم أو العنف اللفظي».
ويذكر أن تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي تجري مناقشته في مجلس النواب حاليا، كان من مبررات المدافعين عنه انه يحد من المشاكل والأزمات العائلية، فيما يرى المعارضون له انه سيعقد المشاكل أكثر وخاصة قضايا الطلاق وحضانة الأطفال ودور رجال الدين فيها.
ويعزو خبراء الاجتماع أسباب تفاقم المشاكل الاجتماعية في العراق خلال السنوات الأخيرة كالطلاق والعنف الأسري، إلى المشاكل الاقتصادية كضعف فرص العمل وانتشار البطالة، والارتفاع الهائل في أسعار العقارات وعدم قدرة الشباب على تحقيق الاستقلال المادي أو الحصول على مسكن مستقل، إضافة إلى انتشار المخدرات وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي ما جعل لتلك العوامل وغيرها آثارا نفسية واسعة على الشباب، من دون اغفال عجز الحكومة وانشغالها بالصراعات على السلطة ومغانمها، بدل مواجهة هذه المشاكل بصورة جدية رغم خطورتها على الأسرة والمجتمع.