Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العاشقة القديمة التي لم تتزوج.....

تقول: الأسطورة التي حفظتها الصدور جيلاً بعد جيل وزمناً بعد آخر،إنَّ امرأةً حسناء لم تتزوج طيلة حياتها.وكانت تبدو كعاشقةٍ، كانت تجلس بجانب بيتها على الطريق العام حيث الناس والقوافل الآتية والذاهبة، الغادية والرائحة.وبيدها مغزل الصوف..وبجانبها من اليمين وضعت دناً للماء ،وكان الناس يسألونها لمن تغزلين الصوف أيتها الجميلة؟؟ فتجيبهم..أغزل الصوف لأولادي…فيسألونها ومن همْ؟! تبتسم قائلةً..أما سمعتم بجلجامش…حمورابي…وأشور…ونبوخذنصر،وسميرأميس سنحاريب…سركون…وكلدو..وشاعري الحبيب…أفرام..والعبقري الفذ ابن العبري…وآخرين ألاَّ تعرفون أحبتي ؟!.وحين تنتهي من كلامها يضحك منها الجميعْ، فتبكي والحزن يغمر روحها ونفسها وعيونها،وكان من عادتها قبل أن يتفرق عنها الجمع ،تقول: لهم.لكم إله شورايا(البداية).لكم الله اذكروا أحبتي.وتذكروا دمشق عاشقتي ومعشوقيَّ دجلة والفراتْ.

ومرت الأيام وهي تمارس طقوسها، فقد حفظ الجميع ما كانت تردده تلك الحسناء التي علمت الأجيال رموز حبها وعشقها،لقد بقيت هذه الأسطورة محفورة عبر الذاكرة الشعبية، رغم الجيوش الكاسرة والغازية التي اجتاحت ديار هذه العاشقة، ورغم المذابح والمصائب ،ومع تقادم الأزمنة فقد أصاب هذه الأسطورة الزيادة حيناً والنقصان حيناً آخر،وتمرُّ الدهور والعصور.ويأتي أحدهم ويريد أن يعرف سر ملكوت تلك المرأة التي شكلت عنده قصة خالدة.ومشكلة معرفية يجب التوصل إلى حقيقتها.فقد قرر أن يذهب ويسأل حكيماً يعترف الجميع لهُ بالعبقرية والذكاء والسيرة الفاضلة،وهو في الطريق إلى ذلك الحكيم.بينما كان يهم بالاقتراب من مجلسهِ.

رفع الحكيم صوته قائلاً: لقد جئتني لتسأل عن المرأة الحسناء العاشقة المعلمة…

التي كانت تغزل الصوف، أليس كذلكْ؟! وقف صاحبنا حائراً ومندهشاً وقال: لله درك من قال لك ذلك؟

زاده شوقاً إلى المعرفة..وقال لهُ بالله عليك أن تقول لي سرها…وأقسم سوف أكون تلميذك وخادمك الأمين…

ابتسم الحكيم وقال: يابني لا تستغرب إذا قلتُ لكَ إنَّ المرأة الحسناء التي كانت تغزل الصوف هي أمك وأنا قد عشقتها منذ زمان…انتفض الرجل وضحك من الحكيم وقال: أُمي؟! أمي لازالت على قيد الحياة.وأنا أعرفها أنها لم تمارس أية علاقة إلاَّ مع أبي.استدرك الرجل غاية الحكيم…وهزَّ رأسه..فقال: ماذا تقول:لي حتى أحفظهُ…

نظر إليه الحكيم وقال:الأنهار لاتجرِ كما تشاءْ…والغيوم لا ترى الجبال وهي عابرة…والليل لايدوم والظلم والفقر هوانْ واقتسم يومك نصفه لعقلك والآخر لجسدك،وأما الطريق إلى الحكمة صبر الصبور إذا صبر وعمل المجد إذا ظفرْ…ولك أن تقرأ التاريخ وروح الحق…وثالثهما العلوم…جلس الرجل عند أقدام الحكيم يستعطفه لتوضيح معاني هذه الجمل.وقال: له ما معنى التاريخ؟!قال: هو عشقٌ تلج النفوس ذكراه.لأننا لا نستطيع أن نعيد الزمن والأشخاص والأحداث.إلاَّ إننا نستطيع أن نتمثلها وهو أصدق الرواة في أي موضوعٍ يخص الماضي البعيد والقريب.وله ثلاثة شهود.وإنْ حرفه السخفاء والأقزام واللصوص.وأول هؤلاء الشهود.كتب نجت من بطش الزمان وظلم الحكام والرعاع،وشواهد وآثار وأطلالْ تملأُ سهولنا التي نحنُ عليها غرباء …وثالثاً.وثائق مطمورة ورقم مهجورة.كشفها علماء الآثار،وأريدك أن تعلم يابني.إنَّ أكبر خائنٍ وقحٍ في التاريخ قوم يعلمون نهايتهم على أيدي من علموهم ودربوهم .ويعلمون أن هناك مؤامرة عليهم .ولا ينتفضون مقاتلين من أجل وجودهم وبقائهم.ومن أجل روح الحق الذي يلبسون.توزعوا في الأرض كما توزعت الألسنُ في بابل العظيمة، يموتون بين أفخاذ نساء الغرب.ومن خلال تناولهم للكوكائين والهروين ولا يستطيعون أن يقدموا للعاشقة عشرة رجال.أليسَ بيننا عشرة رجال يا أمة الرجال الذين كانوا يشقوا أفواه الأسود مصارعين إياها؟!!!

ويقولون: إنهم يُحبون بعضهم بعضاً،لكنني أرى عكس ما يقولون.يحبون الغريب والعدو أكثر من أنفسهم. أتعلم أنّ المحبة عزة وكرامة، ومن يحب يجب أن يُضحي في سبيل من يحبهُ؟ وبالوسائل التي يراها مناسبة..ثمَّ المحبة لا تعني الجبن ، والمحبة الحقه عندما تبدأُ من الذات ثمَّ إلى الأسرة.والمجتمع…وقريبك ذاك الذي يحفظ الجميلْ…هل لك أن تقيم الموتى..أو أن تشفي مريضاً بمرض عضال.؟! هكذا الذين عميت عيونهم وقسيت قلوبهم…لا يفرقون بين النور وبين الظلام.ثمَّ سأل الرجل الحكيم .وما نهاية هذا القوم؟ فقال: متجاسراً لو كانت مقاليد الأمور بيدي.لعلمت كيف لهذا القوم أن يكون…ولكن حياتهم هجرة دائمة…وحظهم وجهة هائمة…ونهاية مظلمة…ولكنهم إن عملوا محرقةً وقدموا نذوراً ..وارجعوا المهاجر الغريبْ…وبنوا هياكلهم العتيقة….سينتهي عذابهمْ..وعندها وليقرأ الكاهن إنجيلهُ وليسمع الجميع لأن في ذلك الوقت سيعم الظلام في الشرق…بيث نهرين.التي أصبحت للأخرين .وحمورابي أصبح لقوم يسيطرون …حدث ولاحرج …وربما قالوا السيد المسيح كان من بلاد فارس أو الهند…آهٍ اسمع يابُنيَّ تهجر الطيور أعشاشها.وتنعق البوم في خرائبها..وبعد هذا بزمان حين يعود النور والحق إلى الصدور.وتصحو الضمائر من غفوتها الطويلة. ويؤمن الجميع إلاَّ القليل القليل. برب السلام..سيقوم رجل قوي الإرادة ويصرخ في العالم قائلاً(إنَّ عاشقتي لم تمتْ.وإن اغتصبها الأقزام، القتلةْ)عندها تصرخ الجبال والبحار والحجارة قائلةً:هذه هي المرأة التي تستحق أن تحيا لأنه هو الوعد والحق والتاريخ..وكل شيءٍ بالنار يُعرف حتى المعادن والرجال..ولعاشقتي ثمة سؤالْ..متى نلتقي؟ يا حبيبتي فإنني عاشق محتار…؟ لك العهد والقصيدة وحبي..متى تحبل النساء العواقر والمرأةُ تلد في العام مرتين ؟والكواكب تضيءُ في النهار…متى يا حبيبتي…تكتبين على صدري…شاعر وعاشق…مسافرٌ..وعائدٌ له أن يرسم لكل أبناءه خرائط المدن والأنهار…وحدود مملكته التي سرقها اللصوص منذ زمان…وإنْ مات شهيداً..فهذا خير ما يختار…لأنَّ ربنا يا أخوتي…ربنا يسوع المسيح…كان ثائراً ومتمرداً على الظلم والطغيان…وعلى التقاليد التي كانت تحاول أن تُخفي حقائق الناموس..لهذا قدمَّ نفسه عنّا ومات على صليب العار من أجل فدائنا..وقام من الموت ليصبح بموته…باكورة الثائرين الأحرار..لأنه ..النهار والحق والعدل والسلام.لأنهُ الألف والياء، البداية والنهاية.وهو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء.



ألمانيا .شتاتلون 1992م

اسحق قومي.

شاعر وأديب سوري مقيم في ألمانيا

Sam11@hotmail.de
Opinions