العام الجديد والاعتراف بأخطاء العام المنصرم !
قرأت بعناية كبيرة جملة من التصريحات السياسية والملاحظات النقدية لسياسيين عراقيين بارزين ومسئولين كبار في الدولة العراقية أو رسائل مفتوحة وجهت من جانيهم إلى المجتمع. وهي تصريحات مهمة طبعاً وتستوجب كل عناية.لا شك في أن هذه التصريحات أو الرسائل المفتوحة كلها كانت تعبر عن وجهة نظر هذا السياسي أو ذاك عما دار وما حدث في العراق خلال العام المنصرم أو الأعوام المنصرمة , كما شخص كل منهم رأيه في تلك الأحداث ووضع يده على النواقص وأخطاء الآخرين في المسيرة السياسية العراقية الجارية منذ ستة سنوات تقريباً , وبشكل خاص خلال السنة الأخيرة 2008.
ولا شك أيضاً في أن تلك التصريحات والرسائل كان فيها الكثير من الحقائق والوقائع برؤية نسبية وذاتية طبعاً. وكان الاختلاف في تلك الرؤية من شخص إلى آخر كبيراً , ولكنها تبقى مقبولة بشكل عام باعتبارها رؤية ذاتية لواقع قائم في العراق قابل للتفسير والاختلاف , كما أنها حق من حقوق الإنسان.
ولكني افتقدت , كما يمكن أن افتقد كثيرون مثلي , في تلك التصريحات والرسائل أو البيانات مسألة مركزية لم يعتد السياسي العراقي على الحديث بها أو التطرق إليها , وأعني بها ما ارتكبه هو أو حزبه أو كتلته من أخطاء عبر هذه المسيرة السياسية التي عاشها العراق طيلة السنوات المنصرمة , ومنها العام المنصرم. فهل مثل هذا الموقف يساعد المجتمع على التعلم من دروس الماضي وعلى التعامل مع أحداث العام الجديد بواقع أفضل وبحلول أكثر قرباً من الواقع وأكثر استعداداً للمساومة من أجل المصالح المشتركة للشعب العراقي؟ ابتداءً لا بد من الإشارة الواضحة إلى أن النقد الذاتي لشخصية سياسية عراقية هو حق الآخرين على السياسي وواجب منه باعتباره رجل عام ويمارس السياسة باسمه وباسم من يمثله.
من قرأ كتب السير الذاتية للعراقيين , إذ لا وجود لسير ذاتية نسوية حتى الآن في العراق , سيجد بما لا يقبل الشك ندرة وجود من وجد في سلوكه السياسي على امتداد تاريخه السياسي أية أخطاء قد ارتكبها تستوجب النقد , بل كان يجد في سلوك الآخرين وسياساتهم أخطاء لا حصر لها ولا بد من نقدها. ولم يقتصر هذا الموقف على السير الذاتية لحكام العراق السابقين فحسب , بل شمل حكام العراق الحاليين ومن مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية ابتداءً من الشيوعيين وانتهاء بالشخصيات القومية والدينية والمستقلة. وهي ظاهرة سلبية حادة لا تخدم دراسة تاريخ البلد السياسي واستخلاص العبر والدروس الضرورية منه. وبالتالي يمكن أن تتكرر هذه الأخطاء من أشخاص آخرين كان يمكن تجنبها لو كان السياسي العراقي قد وضع يده عليها في سلوكه وبَّرزها من خلال نقده لها لكي يتجنب الآخرون الوقوع بها.
نحن بحاجة إلى جرأة ورؤية موضوعية للأحداث والمواقف وتشخيص دقيق لأحداث الماضي وما ارتكبناه من أخطاء وكيف يمكن تجنب ذلك في المستقبل.
نحن بحاجة إلى أن تتشكل لدى الأفراد والمجتمع مصداقية بالسياسيين العراقيين الذين يتحدثون عن منجزاتهم فقط وينسون الأخطاء التي ارتكبوها أثناء وقوع هذا الحدث أو ذاك وإزاء هذه القضية أو تلك.
نحن بحاجة إلى الصراحة والشفافية والاستعداد النفسي لانتقاد ذاتي حين يرتكب الإنسان هذا الخطأ أو ذاك. فالسياسي رجل عام وليس برجل خاص. والرجل العام يفترض أن يُرصد من جانب الناس ويقيم من جانبهم حول مسيرته السياسية والاجتماعية والثقافية وعن مدى أمانته ونزاهته ونظافة يديه ... الخ.
ولكن قبل هذا وذاك لا بد للسياسي أن يقيم نفسه وأن يفحص سلوكه وما نجح في إنجازه وما فشل في تحقيقه وما ارتكب من أخطاء.
أتمنى على سياسيينا في العراق , سواء أكانوا من العرب أم الكُرد أم التركمان أم الكلدان والآشوريين أم غيرهم , أن يرتقوا إلى مستوى أعلى بكثير من مستوى السياسيين السابقين في هذا المجال وأن يمتلكوا الحصافة والجرأة في الإقدام على نقد ألذات عندما تستوجب الحالة ذلك وحين يكتشف أنه ارتكب خطأ , فليس العيب الاعتراف بالخطأ , فهو فضيلة , بل العيب بالسكوت عن الخطأ. وكذلك سكوت الآخرين عن أخطاء السياسيين رذيلة وليس فضيلة لأنها لا تعبر عن مصداقية وتجسد الخشية السياسية. ويتناقض هذا مع مصلحة المجتمع والوطن بشكل ملموس.
من نافل القول أن نؤكد مشيرين إلى أن العجز عن الاعتراف بالخطأ , وهي سمة عامة ومشتركة في منطقة الشرق الأوسط , يبدو أكثر حدة ووضوحاً لدى الشخصيات والفئات والأحزاب الحاكمة., وهذه السمة المشتركة تعبر بالأساس عن سيادة عقلية الاستبداد والتعالي على المجتمع , والتي تقترن بغياب المجتمع المدني الديمقراطي وسيادة المجتمع العشائري وعلاقاته الأبوية..
أتمنى أن يقترن العام الجديد بنشوء مثل هذا الاستعداد لممارسة النقد الذاتي لدى العاملين في الحقل السياسي والاجتماعي العراقي , إذ أن ذلك من مصلحتهم , ولكنه من مصلحة شعبهم ووطنهم بشكل خاص. أتمنى أن تنشأ أرضية فعلية لبناء المجتمع المدني الديمقراطي الذي يوفر مستلزمات النقد والنقد الذاتي , الذي نحن بأمس الحاجة له في أوضاعنا الراهنة.
أتمنى مع العام الجديد التقدم والازدهار والرفاهية للعراق وشعبه والسلام والمحبة بين الناس من كل القوميات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية الديمقراطية.
1/1/2009 كاظم حبيب