العراقيون في سوريا .. أين المفر ؟
سوريا هذا البلد العربي العريق يقطنه شعب مضياف يفتح قلبه لزواره من الأصدقاء والأشقاء . وهكذا كانت ابواب هذه البلاد مشرعة أمام اخوانهم العراقيين الذين هجروا مدنهم وقراهم وتركوا بيوتهم وحلالهم هاربين من الموت ميممين شطر بلاد الأمان والأستقرار في ارض الله الواسعة . وكانت سوريا هذا البلد الكريم أرضاً طيبة وصدراً رحباً لأستيعاب هذا التدفق السكاني من العراق نحو سوريا من جميع الملل والنحل . فتحولت دمشق ( الشام ) والمدن السورية الأخرى الى مدن مشتركة يقطنها السوريون وأخوانهم العراقيين من السنة والشيعة والعرب والأكراد والكلــــدان والسريان والآشوريين والتركمان وكل مكونات النسيج المجتمعي العراقي الجميل .هكذا كان امام الشعب السوري المضياف ان يتقاسم مع ضيوفه من الجالية العراقية بحصة من رغيف خبزه وقوته اليومي ، فكان ان يشتركان في ماء الشرب وفي استخدام الكهرباء وفي الخدمات الطبية وفي السكن والنقل والملبس ومقاعد الدراسة وكل متطلبات الحياة ، هذا إضافة الى الحديث المفعم بالمحبة والطيبة من المواطن السوري في تعامله مع المواطن العراقي والذي يبعث الدفئ والمحبة في النفس .
إن الجالية العراقية في سوريا قد فوجئت بالقرارات السورية والتي تضع حدوداً لأقامة العراقيين على الأراضي السورية وفق ضوابط جديدة ربما تحد من تدفق العراقيين وتقلص مدة إقامتهم .
لقد ترك العراقي وطنه ، مرغماً ، وترك ما يملك من عقار وأملاك ، واكتفى بما قل وزنه وغلا ثمنه ، وفي أرض المهجر تقلص طموحه الى الحد الأدنى من متطلبات الحياة . فكان هدفه العثور على مأوى يأوي اليه بديلاً للبيت والأرض والوطن ، وهو يستسلم بحسرة في لحظات من الخيال والوجدان الى الواقع الذي آل اليه مصيره ومصير عائلته وأطفاله ووطنه الجريح فيغرق في دافئات الحنين حينما يسمع مستسلماً الى موّال يقول :
عليوي أبني كبر
بصف الأول صار
شنطوه أول درس ؟
أنطوه دور ودار
ردني وسألني الطفل
شتعني بابا الدار ؟
كتلة الدار يعني الوطن
والدور يعني الجار
كَالّي غرفتنا بابا وطن
كَتلا أي بابا
غرفتنا وطن وطن وطن
وطن بس وطن
بالأيجار
هذا هو حال العراقي يطرق الأبواب لكي يقبل كلاجئ سياسي او انساني ، ليس هرباً من كارثة طبيعية او أعصار مدمر ألم بالوطن او مرض فتاك او قحط حل بأرضه ، إن الطبيعة قد أكرمت العراقي بنهرين عظيمين ، دجلة وفرات الخالدان ، وأكرمته بثروة من المعادن ومنها الذهب الأسود ، ولكن العراقي لم ينعم بهذه الثروات حينما سرق اللصوص بوضح النهار اهم ما يملك ألا وهو هويته العراقية .
نعم لقد فقد العراقي أعز ما يملك حينما سرقت هويته العراقية ، وأعطيت له هويات أخرى منها الهوية الدينية وأخرى قومية وثالثة مذهبية ورابعة مناطقية وخامسة عشائرية وهلم جراً ، فكان ان تاه العراقي بين هذه الأنتماءات وفقد درّته النفيسة وهو الأنتماء العراقي الأصيل ، وهكذا أفلح اللصوص في سرقة الوطن العراقي واصبح العراقي بدون وطن وهو يرضى بغرفة واحدة يأوي اليها هو وأطفاله حتى لو كانت بالأيجار .
أمام المجتمع الدولي حالة انسانية معقدة مرتبطة بمئات الآلاف إن لم يكن الملايين من البشر يحملون الهوية العراقية . طردوا من بيوتهم او أضطروا الى تركها تحت طائلة التهديد بالقتل ، او تحت ضغط انعدام الأمن والأمان وغياب الخدمات الضرورية للحياة كالماء والكهرباء والعلاج ... وبعد ان استقر هؤلاء الناس في هذه البلاد كانت امامهم المصاعب الأقتصادية ، كما برزت أمامهم صعوبات أخرى تتعلق بتبديل جوازات السفر العراقية القديمة ، ثم كانت الصعوبات في الحصول على سمات الدخول الى الدول الأجنبية ، وكات ايضاً أمامهم احتيالات المهربين الذين يتربصون بهؤلاء البشر الحائرين . كل ذلك وقائمة طويلة من المصاعب فبرزت في الأونة الأخيرة مسألة الأقامة في سوريا واحتمالات العودة الى الوطن الذي تمزقه الأنتماءات الطائفية وتنتشر فيه برك الدم وتحكمه حكومة لا حول لها ولا قوة .
إن كل منصف يقدر الجهود التي تبذلها الحكومة السورية في سبيل استيعاب التدفق البشري من العراق لكن ه\ا لا يمنعنا من القول أن الأشقاء في سوريا معنيين للمساهمة في التخفيف من هذه المعانات الأنسانية والنفسية التي يعانيها المواطن العراقي في ه\ه الدولة الوفية .
من جانب آخر فإن المجتمع الدولي والمنظمات الأنسانية ليس من المعقول ان تقف مكتوفة الأيدي تتفرج ببرود على المعانات الأنسانية التي تحيق بكتلة كبيرة من البشر لا ذنب لهم سوى أنهم يحملون هوية عراقية .
حبيب تومي / دمشق
habibtomi@chello.no
tomihabib@hotmail.com