العراقيون والتعامل بثقافة ( القنادر ) الفجّة
habeebtomi@yahoo.noثمة أحكام تطلق على الشعب العراقي بجهة تغليب ثقافة العنف لديه واللجوء اليها لحل مشاكله بدلاً من أساليب اللاعنف التي ينبغي ان يتميز بها وهو صاحب الحضارات في التاريخ .
لقد كان الأمتثال بجثث رجال العهد الملكي بعد ثورة 14 تموز 1958 وكانت الحوادث الدامية التي مر بها العراق وهي مستمرة الى اليوم . يقترح الدكتور علي الوردي وهو المفكر والباحث في طبيعة المجتمع العراقي ، بأن هذه الحالة مستوحاة من طبيعة نهري دجلة والفرات ، فإنهما يفيضان ويدمران دون ان يكون هنالك موعد محدد لهذا الفيضان ، فخلق لدى الأنسان العراقي حالة من القلق واللاستقرار ، ومقارنة النهرين دجلة والفرات مع نهر النيل فإن هذا الأخير يفيض بمواعيد محددة من السنة وهو يجلب الخصوبة والخير للزراعة المصرية التي هي قوام الحياة المعيشية في هذه الديار .
ولكن نبقى في عنوان المقال لماذ يلجأ العراقيون الى ( القندرة ) : وهو الحذاء باللهجة العامية العراقية ، والكلمة من اصل كردي ـ قونده ره ، قونته ره ـ او فارسي . في العهد الملكي اتذكر كان هنالك شعار ثقيل الظل يقول " نوري سعيد القوندرة وصالح جبر قيطانه " والأثنين شغلا رئاسة الوزارة في ذلك العهد . وفي هذا النوع من الهتافات في اواسط الستينات من القرن الماضي كان هنالك شعار يُردد " حجي مشن وسيفن آب راحوا لمصر جابوا قحا.. " للاشارة الى زيارة قام بها رئيس الوزراء ورئيس الجمهوية لمصر حينذاك . وبعد سقوط النظام في 9 نيسان 2003 كانت الفضائيات العالمية تنقل مشهد الرجل الكهل وهو يشبع صورة رئيس الدولة الساقط بضربات بفردة حذائه ، كما شاهدنا المواطن العراقي وهو يضرب تمثال صدام الساقط في ساحة فردوس بفردة حذائه .
أما صدام حسين فقد تعمد في وقتها الى تثبيت صورة بوش ( الأب ) على الأرض تحت الأقدام في فندق الرشيد ، بالقرب من وزارة الخارجية ، في محاولة لاهانته بهذه الطريقة السمجة ، وفي يوم انطلق صاروخ امريكي من البحر ليصيب مدخل الفندق ، ويزيل الصورة ووقع من العراقيين شهداء ومن بينهم فتاة القوشية كانت تعمل موظفة في الفندق المذكور . والشئ بالشئ يذكر فقد عمد الرئيس السوفياتي نيكيتا خورشوف في اوائل الستينات من القرن الماضي وفي اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة حينما نزع فردة حذائه وطفق يطرق بها على الطاولة ، لكي ينبه الحاضرين من الرؤساء وقادة الدول للاصغاء اليه ، ووصف هذا التصرف وقتها بأنه بعيد عن الكياسة .
بالأمس 14 / 12 حينما وقعا بوش والمالكي بشكل رمزي اكثر منه قانوناً على الأتفاقية الأمنية المبرمة بين البلدين ، وبعد مصافحة بوش والمالكي في المؤتمر الصحفي قام مراسل الفضائية " البغدادية " الصحافي منتظر الزيدي ، الذي كان واقفاً بين المراسلين بقذف حذائه باتجاههما ، وحاول المالكي حجب بوش ، حسب جريدة الشرق الأوسط ، فإن الحذاء لم يبلغ أي منهما . فسارعت القوات من عناصر الأمن العراقي والأمريكي الى سحب الصحافي الذي كان يصرخ بأعلى صوته . لقد قال بوش في تلك الأثناء ان العراقيين ليسوا كذلك ، هذه الأمور تحدث عندما تكون هناك حرية ، مشيراً الى ان هذا ثمن الحرية . واضاف ساخراً " ان مقاس الحذاء 44 إذا اردتم ان تعرفوا أكثر " .
في معرض ردود الفعل نلاحظ هنالك احتقان في العالم العربي وكرد فعل غريزي اعتبر هذا السلوك مثالاً للبطولة وينبغي على الجميع الأقتداء به كوسيلة لمخاطبة الآخرين . فيبدو ان بوش قد شخّص على انه سبب البلاوي في هذا البلد ، ناسين ان العراق كان يرزح تحت حكم دكتاتوري ، وكانت هنالك جبهة واسعة شعبية تريد الخلاص منه ، وإن في مقدمة المستفيدين من امريكا وبوش هم السكان الشيعة من العراقيين الذين استعادوا مكانتهم كمواطنين من الدرجة الأولى ،وأصبحوا هم حاكمي هذا البلد ، ولو لم تكن امريكا وبوش ، لما توصل الشيعة الى هذه المكانة فعليهم ان يشكروا بوش وأمريكا لما حققوه لهم من مكاسب ، وكان على منتظر ان يشكر بوش لانه منحه حرية التعبير وكان يجب ان يحاججه باسلوب حضاري متمدن بعيد عن ثقافة التعامل بالأحذية .
إذا نظرنا الى الأمور بنظرة براغماتية فإن جميع مكونات الشعب العراقي قد اصابها الضرر ، بشكل ما ، بعد عملية الأحتلال التي كانت ضرورية للتخلص من الحكم الدكتاتوري الذي كان ايضاً يوزع قمعه واستبداده بحق الجميع ، وأدخل العراق في مهالك الحروب الداخلية والخارجية ، وأضاع الثروات العراقية ، وأوصل المواطن العراقي الى أدنى مستوى معيشي في العالم .
لكن يأتي في مقدمة المتضررين المكونات العراقية الصغيرة ، التي شردت من وطنها وتحملت الثقل الثقيل من عمليات الأرهاب والتشرد . فيما كل المكونات الأخرى قد استفادت من الوضع الحالي بشكل او بآخر .
في مجال حرية الفكر والتعبير كنّا دائماً الى جانب الصحافيين العراقيين واستنكرنا ما طالهم من القتل والأرهاب وما اصاب الصحافي منتظر الزيدي بالذات حينما خطف لبضعة ايام .
وكنا دائماً الى جانب تمتعهم بحرية التعبير وحرية الحركة ، نقصد بحرية التعبير بحرية الكلمة ، وكان الصحافي منتظر من المحظوظين من الذين فسح المجال امامهم لإمطار المسؤولين من اعلى المستويات بالأسئلة الدامغة المحرجة ، لكن الصحافي منتظر اختار هذا الأسلوب الذي أساء الى الصحافة العراقية والى مهنية العمل الصحفي ، ومهما كيل للحادث من مديح ، فإنه لا يمكن ان يكون السبيل السوي .
يبدو ان منتظر اختار هذا السلوك بغية نيل الشهرة بسرعة ، لانه عمل فريد من نوعه وخروج عن المألوف وهناك من يصفه بأنه عمل بطولي وآخر يقول انه عمل قبيح ، ولكن وفق السلوك والسياقات العامة فإنه عمل قبيح بكل معنى الكلمة ، ان الرئيس بوش بضيافة العراق وحكومته ، وهو الى جانب رئيس الوزراء العراقي ، وتحت العلمين الأمريكي والعراقي .
فإذا ابتعدنا قليلاً عن العاطفة والغريزة كما قلت ، ومهما كان هنالك متطوعين للدفاع عن هذا العمل فإنه يبقى في جوهره بعيداً عن التصرف الحضاري ، وبعيداً عن الأخلاقيات العراقية ، وعموماً فإن ثقافة ( القنادر) لا تمت بصلة الى الثقافة .
حبيب تومي / اوسلو