- الرئيسية
- تقارير وبحوث
- العراق: التعويضات...
العراق: التعويضات لضحايا "داعش" قليلة جدا ومتأخرة جدا
المصدر: هيومن رايتس ووتش
قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ السلطات العراقية تقاعست عن دفع التعويضات المالية المستحقة بموجب القانون العراقي لآلاف الأيزيديين وغيرهم من قضاء [منطقة] سنجار على الدمار والضرر الذي لحق بممتلكاتهم من قبل "تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ’داعش‘) وجراء المعارك العسكرية التي خاضتها القوات العراقية وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضدّه. طرد تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة داعش من سنجار أواخر 2015، لكن ما لا يقلّ عن 200 ألف سنجاري مازالوا يعانون في مخيّمات النازحين في شمال العراق.
قالت سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش: "دون تعويضات، يفتقر الكثير من السنجاريين إلى الموارد المالية لإعادة بناء منازلهم وأعمالهم التجارية، ولذا فإنّ العودة إلى ديارهم ببساطة ليست ممكنة. يتعين على السلطات العراقيّة توزيع الأموال المخصصة بالفعل للتعويضات لمساعدة الناس على العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم".
سنجار [بالكردية: شنگال]، هي قضاء [وحدة إدارية بموجب التقسيم الإداري المعتمد في العراق] كائن في منطقة جبليّة شمال غرب العراق، وهي موطن لخليط من الأكراد والعرب والأيزيديين، وهؤلاء أقليّة عرقيّة ودينيّة. حتى 2023، كان الأيزيديون من المنطقة يشكلون 85% من الـ 200 ألف سنجاري الذين ما زالوا نازحين. الكثير من النازحين يعيشون في مخيمات منذ 2014. والذين عادوا يواجهون أوضاعا أمنيّة غير مستقرّة وخدمات عامة غير كافية أو منعدمة، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والماء والكهرباء.
بغية فهم العوائق التي تحول دون عودتهم، قابلت هيومن رايتس ووتش عشرات السنجاريين الذين يعيشون في مخيّمات اللاجئين في محافظة دهوك؛ وثلاثة سنجاريين ممن عادوا إلى سنجار؛ ومسؤولين حكوميين محليين، منهم نجم الجبوري، محافظ نينوى؛ وماجد شنكالي، عضو في البرلمان يمثل سنجار؛ ونايف سيدو، قائممقام منطقة سنجار بالوكالة؛ وعضو سابق في مجلس محافظة نينوى؛ وممثل عن لجنة التعويضات الفرعية في سنجار. قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا الرئيس السابق للإدارة الذاتية في سنجار، وممثلين عن ست منظمات مجتمع مدني، وديبلوماسيَيْن غربيَيْن.
السنجاريون الوحيدون الذين حصلوا على تعويضات حتى الآن هم عدد قليل من الأيزيديين الذي تقدّموا بمطالب بموجب قانون أقرّته الحكومة العراقية في 2021، وهو" قانون الناجيات الأيزيديات"،لتقديم تعويضات للأيزيديين والأقليات العرقية الأخرى، بما في ذلك التركمان والمسيحيين والشبك الذين تعرّضوا للقتل دون محاكمة والخطف والاسترقاق والاغتصاب على يد داعش في 2014. لا يزال آلاف الأيزيديين نازحين، و2,700 مفقودين.
حصلت مجموعة أولى تضم 420 امرأة أيزيدية على تعويضات مالية بموجب قانون الناجيات الأيزيديات في فبراير/شباط 2023. قالت هيومن رايتس ووتش إنّ هذه الخطوة إيجابية وضرورية لمعالجة الانتهاكات المرتكبة في حق المجتمع الأيزيدي والأقليات الأخرى، والتي ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية، إلا أنها تلبي احتياجات جزء صغير فقط من السنجاريين الذين لهم الحق في تعويضات.
يحق لغير المشمولين بقانون الناجيات الأيزيديات التقدم بمطالب تعويض بموجب "القانون رقم 20 لسنة 2009"، الذي يتميّز باختصاص أوسع ويسمح للعراقيين بطلب تعويضات على الأضرار "جرّاء العمليّات الحربيّة والأخطاء العسكريّة والعمليات الإرهابيّة". ينصّ القانون على تعويضات لجميع الضحايا المدنيين للحرب وأفراد عائلاتهم في حالات "الاستشهاد والفقدان والعجز والإصابات والأضرار التي تصيب الممتلكات والأضرار المتعلقة بالوظيفة والدراسة". يشمل التعويض على الأضرار المتعلقة بالممتلكات العربات، والمنازل، والمزارع، والأثاث، والمتاجر، والشركات المتضررة.
منذ افتتاح مكتب لجنة التعويضات الفرعية في سنجار بموجب القانون رقم 20 في 2021، تقدّم 10,500 سنجاري بمطالب تعويض، بحسب ما قاله ممثل عن المكتب لـ هيومن رايتس ووتش. قال أيضا إنّ حوالي خمسة آلاف من هذه المطالب حصلت على موافقة، لكن لم تحصل أيّ عائلة على أيّ أموال مستحقة لها.
قال ماجد شنكالي، عضو في مجلس النواب من سنجار لـ هيومن رايتس ووتش إن مطالب التعويضات لم تُدفَع في سنجار بسبب مشاكل في الموازنة الاتحادية منذ 2021. لم يُقر العراق موازنة اتحادية في 2022 بسبب عدم القدرة على تشكيل حكومة بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021. وافق مجلس الوزراء العراقي في مارس/آذار 2023 على مشروع موازنة يغطي الفترة من 2023 إلى 2025.
أشار الأشخاص الذين قابلناهم إلى تقاعس الحكومة عن تقديم تعويضات كعائق أساسي أمام عودتهم، إضافة إلى نقص الخدمات الأساسية والمخاطر الأمنية في سنجار.
قال صاحب متجر يعيش في مخيّم للنازحين: "يتعرّض منزلك للتدمير ثم تضطرّ إلى دفع المال لتحصل على تعويض عن أمر لم يكن خطأك".
قال الأشخاص الذين قابلناهم إنّ إجراءات التعويض بموجب قانون الناجيات الأيزيديات والقانون رقم 20 معقدة وطويلة ومكلفة، وأحيانا يستحيل الوصول إليها أصلا. تعطّلت العمليّة بموجب القانون رقم 20 في سنجار، كما هو الحال في المناطق العراقية الأخرى، بسبب نقائص على صعيد الإجراءات والعمليات ومسائل تتعلق بالموازنة.
أفاد الأشخاص الذين قابلناهم أنّ استكمال الاجراءات استغرق منهم ما يصل إلى العامين وإنفاق ما بين 300 ألف دينار ومليون دينار عراقي (بين 205 و762 دولار أمريكي) على الرسوم القانونية والإدارية والنقل. قالوا أيضا إنّ قيمة التعويضات التي أوصت بها لجنة التعويضات في سنجار كانت غالبا أقل بكثير من قيمة المنازل أو الأعمال التجارية المدمّرة، أو أقل بكثير من تكلفة إعادة بنائها بالكامل.
بالنسبة إلى البعض، دفعت بهم تكلفة العملية والتعقيدات البيروقراطية المتصلة بها، مقترنة بعدم جدواها الواضح، إلى عزوفهم عن المسألة برمتها أو حتى عدم التقدّم بمطالب تعويض أصلا.
تضمّ اللجنة التي تشرف على التعويضات بموجب القانون رقم 20 ممثلين عن وزارات الصحة والدفاع والداخلية والعدل، وعن الحكومة المحليّة. تُقيَّم المطالب حالة بحالة، مع الأخذ في الاعتبار قيمة المنازل والأعمال التجارية المفقودة ونسبة الضرر. تعاني اللجنة من نقص كبير في الموظفين، حيث يوجد خمسة مسؤولين فقط في مكتب التعويضات في سنجار، وهو الهيئة التابعة للحكومية المحليّة ومهمتها استلام المطالب في سنجار والبت فيها، والمكلّفة بدراسة آلاف المطالب.
قال ممثل عن مكتب لجنة التعويضات الفرعية في سنجار إنّه عندما توافق لجنة التعويضات على طلب، فإنّه يُرسل للموافقة إما في الموصل – بالنسبة إلى المطالب دون 30 مليون عراقي (20,500 دولار) – أو بغداد، بالنسبة إلى المطالب التي تتجاوز ذلك. بعد ذلك، يُرسل المطلب إلى الدائرة المالية ذات الصلة للنظر في إجراءات الدفع والتوزيع.
قال الممثل إنّ نقص الموظفين ساهم في طول وقت الانتظار، وإنّ عدم دفع التعويض لأصحاب المطالب التي نالت موافقة هو نتيجة التعطيل الحاصل في الدائرة المالية في محافظة نينوى في الموصل.
من بين 5 آلاف طلب حاصل على موافقة لجنة تعويضات سنجار، هناك 1,500 تنتظر الموافقة النهائية من الموصل أو بغداد، و3,500 بانتظار الدفع من قبل الدائرة المالية.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ على الحكومة العراقية معالجة التعطيلات الحاصلة في عمليّة التعويض التي تعرقل صرف الأموال في وقتها لأصحاب المطالب، وضمان توفير تمويل كاف للقانون رقم 20. إضافة إلى ذلك، ولرفع الحواجز الأخرى التي تحول دون عودة السنجاريين وإعمال الحقوق الاقتصاديّة لكلّ من كان يعيش هناك، يتعيّن على السلطات العراقية توفير تمويلات لتطوير البنية التحتيّة المادية وتقديم الخدمات العامة في سنجار، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والماء والكهرباء وغيرها.
يضمن الدستور العراقي لعام 2005 دفع تعويضات لعائلات القتلى والمصابين في الأعمال التي تعتبرها إرهابية. نشرت هيومن رايتس ووتش في السابق تقارير عن التطبيق التمييزي للقانون رقم 20 ومنعه العائلات التي يُزعم أنّ لها صلات بداعش من الحصول على تعويضات أو التقدّم بمطالب لهذه الغاية.
قالت صنبر: "التعويض خطوة حاسمة من أجل الاعتراف بالمعاناة التي عاشها المدنيون ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم. يتعيّن على الحكومة تخصيص الأموال للتعويضات التي نالت موافقة وسدادها بأسرع وقت ممكن. ينبغي ألا يظلّ السنجاريون ينتظرون بلا جدوى".
ثغرات في التعويض بموجب القانون رقم 20
قال السنجاريون الذين قابلناهم إنّ عمليّة التعويض بموجب القانون رقم 20 معقدة وطويلة ومُكلفة. يتعيّن على أصحاب المطالب الحصول على أختام أو وثائق من عدّة هيئات، منها مكتب البلديّة المحليّة، والمحاكم، ووزارتي الكهرباء والزراعة، ودائرة المياه، ولجنة تقييم الأضرار في القضاء التي تُقيّم قيمة الممتلكات ومستوى الضرر، والشرطة، وجهاز الأمن الوطني، ودائرة التعويضات.
أفاد الأشخاص الذين قابلناهم أنهم أنفقوا ما يصل إلى مليون دينار عراقي (762 دولار) على الرسوم الإدارية والقانونية ومصاريف التنقل بين سنجار والموصل ودهوك. آخر خطوة في العمليّة هي الحصول على تصريح أمني من جهاز المخابرات وجهاز الأمن الوطني التابعين لوزارة الداخلية يؤكد أن أصحاب المطالب غير مطلوبين بسبب انتمائهم إلى داعش، الأمر الذي قد يستغرق شهورا.
ينبغي لأصحاب المطالب أيضا تحديد كل قطعة أثاث نُهِبت أو دُمِّرت. قال نايف سيدو، قائممقام سنجار بالوكالة، إنّه يقدّر أنّ 90% من العناصر الخاضعة للمراجعة هي أثاث. قد تستغرق العمليّة سنوات حتى تُستكمَل.
تأسّف صاحب متجر يعيش في مخيّم الخانكة للنازحين عن الوقت والمال الذي أهدره على العمليّة: "أهدرت عاما و300 ألف دينار (205 دولار) على مطلبي والتنقل من دائرة إلى أخرى. واجهت متاعب كثيرة. الجميع يعلمون أننا هربنا بسبب داعش، فلماذا يتعين علينا الذهاب إلى الأمن الوطني لإثبات أننا لسنا دواعش؟ هذه جريمة. يتعرّض منزلك للتدمير ثم تضطرّ إلى دفع المال لتحصل على تعويض عن أمر لم يكن خطأك".
وهو يتحدّث، أضاف صديقه الذي كان جالسا معه وهو يهزّ رأسه بقوّة: "العمليّة لا تستحق هذا المال والوقت".
تكاليف استكمال عمليّة التعويض، بالإضافة إلى الاحتمالات الضئيلة في الحصول على تعويضات سريعة ومناسبة، دفعت بالكثير من السنجاريين إلى التخلّي عن المسألة برُمّتها. بالنسبة لآخرين، قد يتعذّر الوصول إلى العمليّة أصلا. تُقدّم مطالب التعويض شخصيّا في سنجار، ما يعني أنّ من يتعذّر عليه ذلك، بسبب مخاوف أمنيّة أو محدودية التنقل أو العيش خارج العراق، غير قادر على تقديم مطلب.
قال شخصان ممن قابلناهم إنّ المبالغ التي توصي بها لجنة تقييم الأضرار نادرا ما تكون كافية لإعادة بناء منزل، وغالبا ما تكون أقلّ بكثير من قيمة المنزل المُدمّر. قال رجل سنجاري يُدعى خليل حسن إنّه هُجّر بسبب داعش من قريته تل بنات في 2014، وتعرّض منزله ومتجره إلى التدمير أثناء العمليات العسكرية. أكمل عمليّة التعويض في مطلع 2023، لكنه لم يستلم أي أموال بعد:
أنفقت مليون دينار (762 دولار) على عمليّة التعويض واضطررت إلى السفر من دهوك إلى سنجار ست مرات. اضطررت أيضا إلى دفع 100 ألف دينار (68 دولار) إلى لجنة تقييم الأضرار بالنسبة للمتجر، و300 ألف دينار (205 دولار) بالنسبة للمنزل، حتى يقيّموا الأضرار. أوصوا بتعويضي 10 ملايين دينار (6,800 دولار) على المتجر والمنزل معا، رغم أنّي اشتريت المنزل بـ50 مليون دينار (34 ألف دولار). يُمكن تبسيط العمليّة برُمتها.
قال أحد العائدين إلى سنجار إنّ داعش دمّر منزله ومزرعته، وهو يعيش الآن في منزل أحد أقاربه. قال: "بدأت للتوّ في ملف التعويض. لم أبدأ العمل عليه من قبل لأنني لم أكن أستطِع تحمّل التكاليف، بما في ذلك الرسوم والنقل. علمت من الآخرين أنهم عملوا على ملفات تعويضهم مدّة عامين، لكنهم لم يحصلوا على أي أموال بعد. بما أنّ الأمر سيتطلّب وقتا ومالا، فأنا لست متأكدا أنني سأكمله".
قال عائد آخر تعرّض منزله ومتجره للنهب: "لم أبدأ العمل عليه [الملف] بعد لأنّه سيكلفني وقتا ومالا. لا فائدة من إهدار المال والوقت على شيء لست متأكدا من الحصول عليه لأنّ جميع من أعرفهم لم يحصلوا على شيء حتى الآن".
الكثير من منازل السنجاريين النازحين التي تضرّرت جراء العمليات العسكرية، أو تعرضت إلى أضرار جزئية، بات يسكنها عائدون سنجاريون آخرون. قال ممثلون عن منظمات غير حكومية محليّة إنّ التعويضات التي ستُقدّم للسنجاريين كي يعيدوا بناء منازلهم قد تُصرف على حلّ هذه المسألة. قال عادل مجيد عمر، مدير "منظمة البيت الشنگالي" [بيت سنجار] المحليّة:
هناك عائلات نازحة لا تستطيع العودة لأن منازلها بات يسكنها عائدون آخرون. لا أحد في سنجار يستطيع حلّ هذه النزاعات، لكن حتى إذا حصلت وساطة في نزاعات السكن، فإنّ العائلة الأخرى لن تجد مأوى آخر ولا مالا لإعادة البناء، وهذا مأزق. معظم الذين يسكنون منازل بلدة سنجار قادمون من قرى قريبة مدمّرة أو غير آمنة.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع رجل نزح إلى إقليم كردستان زظلّ منزله في سنجار على حاله لكن تشغله حاليا عائلة نازحة من قرية مجاورة. لما سألناه عما إذا كان ينوي العودة في حال إخلاء المنزل، قال إنّه لا ينوي ذلك بما أنه استقرّ في دهوك، ولا يرغب في تهجير عائلته مجددا. قدّر نايف سيدو، قائممقام سنجار بالإنابة، أنّ 10% من السنجاريين يعيشون أوضاعا مماثلة، ولن يعودوا إلى سنجار لأنهم استقرّوا في مناطق أخرى.
تعويضات غير كافية بموجب قانون الناجيات الأيزيديات
تعتبر هيومن رايتس ووتش أنّ اعتماد قانون الناجيات الأيزيديات والمدفوعات التي تمت بموجبه لمجموعة أولى من الناجيات تطورا إيجابيا، لكن لا تزال هناك ثغرات خطيرة في تطبيقه، ومعها مسائل إجرائية.
بعد شهرين من انطلاق عمليّة تقديم المطالب في سبتمبر/أيلول 2022، شرعت الحكومة في مطالبة الناجيات بتقديم شكوى جنائية للحصول على تعويضات، رغم أن المدفوعات إدارية. يرأس "لجنة قانون الناجيات الأيزيديات"، التي أنشِئت للإشراف على مطالب الناجيات، قاض يعيّنه "مجلس القضاء الأعلى" العراقي. من بين أعضائه المدير العام لشؤون الناجيات الأيزيديات وممثلين عن وزارات الداخلية والصحة والعدل.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ الأثر النفسي الناجم عن اضطرار الناجيات إلى سرد تفاصيل الانتهاكات التي تعرّضن لها، إلى جانب سوء المعاملة والوصم والعار الذي قد يتعرّضن له من قبل الشرطة والمحاكم أثناء العمليّة، قد يعرّضهنّ إلى الصدمة مرة أخرى. بالنسبة إلى الناجيات خارج العراق، اللاتي لا يستطعن الوصول إلى المحاكم، قد يجعل هذا الشرط العمليّة أكثر صعوبة. المجتمع الأيزيدي تقليدي جدا، والكثير من ضحايا العنف الجنسي والأطفال الأيزيديين الذين ولدوا نتيجة الاغتصاب واجهوا الوصم والإقصاء من مجتمعهم.
انعدام الثقة في القضاء العراقي، بما في ذلك المخاوف المتعلقة بقدرته على حفظ السريّة، دفع بعض الناجيات إلى عدم تقديم مطالب تعويض. بالنسبة لأخريات، قد يعرّضهنّ تقديم شكوى جنائية إلى مخاطر أخرى. مثلا، قد يتعرض الأطفال الأيزيديون الذين اختطفوا وأجبروا على المشاركة في أعمال لداعش لخطر توريط أنفسهم في حال تقدّموا بشكوى جنائية.
اعتمدت اللجنة أيضا معايير إثبات مرهقة للغاية، ومنها شرط تقديم وثائق من المحكمة في الشكوى القضائية، وأربعة شهود يشهدون بصحّة ادعاء مقدّم الطلب، ووثائق صادرة عن داعش تؤكد الاختطاف، وتقارير طبيّة صادرة عن السلطات الرسميّة، والتسجيل في أربعة مكاتب حكوميّة، وصور شمسيّة، وفيديوهات أو مقالات تثبت الاختطاف والنجاة من الحادثة، إضافة إلى الشكوى الجنائية.
شرط تقديم شكوى جنائية وهذه المتطلبات الإثباتية المرهقة ليس لها أساسا قانونيا في القانون ولوائحه، ومناقضة للضمانات المكفولة في القوانين، وهي غير ضرورية بالنظر إلى كثرة الأدلّة التي جمعتها الهيئات الرسمية والجماعات غير الحكومية ووسائل الإعلام. تسمح لوائح القانون صراحة بقبول المستندات الداعمة، مثل السجلات الحكوميّة والتقارير الواردة من المنظمات غير الحكومية وشهادات الشهود وتعتبرها مقبولة. يُمكن لأعضاء اللجنة أيضا مقابلة أصحاب المطالب الذين يفتقرون إلى أدلّة كافية.
خلافا للقانون رقم 20، الذي يقصر التعويضات الممكنة على التعويضات المالية، يحتوي قانون الناجيات الأيزيديات على بنود تتعلق بأشكال أخرى من التعويض والعدالة التعويضية. يتضمّن القانون فقرات على إعادة التأهيل، والأرض، والمسكن، والتعليم المستمر، والتوظيف، والاعتراف بالإبادة الجماعية، والملاحقات الجنائية للمتورطين في الانتهاكات، والبحث عن المفقودين، وحماية الشهود والناجين، وتخصيص يوم وطني لتخليد الذكرى هو 3 أغسطس/آب.
غير أنّ هذه الالتزامات أيضا تظلّ دون تنفيذ إلى حدّ كبير.
التوصيات
إلى الحكومة العراقية:
- تعزيز قدرة المؤسسات المشاركة في عملية التعويض، بما في ذلك من خلال توفير عدد كاف من الموظفين في المكاتب، ومعالجة التعطيلات الحاصلة في إجراءات تقديم المطالب، لضمان دراسة المطالب ودفع الأموال بسرعة وبالشكل المناسب.
- تخصيص التمويلات اللازمة لبرامج التعويضات، بما في ذلك للمؤسسات اللازمة لدراسة المطالب ولدفع الأموال لمستحقيها.
- اعتماد نهج متعدد الجوانب للتعويضات يتجاوز التعويض المالي، بما يشمل إجراءات مثل الاسترداد، وإعادة التأهيل، وإعادة الإعمار.
- اتخاذ خطوات ملموسة نحو إعمال التعويضات غير المالية المنصوص عليها في قانون الناجيات الأيزيديات.
- إلغاء شرط تقديم الضحايا شكوى جنائية ليكونوا مؤهلين للحصول على تعويضات بموجب قانون الناجيات، واعتماد متطلبات إثبات مبسّطة تتماشى مع المعايير الدوليّة، بما يسمح بمعالجة سريعة ودقيقة للمطالب، دون فرض أعباء غير ضرورية ولا مبرر لها على المتقدّمين.
إلى التحالف بقيادة الولايات المتحدة:
- إجراء تحقيقات شاملة ونزيهة في جميع حالات الضحايا المدنيين الناجمة عن التدخل العسكري للتحالف في العراق، وتقديم تعويضات للضحايا.
- تقديم الدعم الفني والمالي للحكومة العراقية لتنفيذ برامج التعويضات، بما في ذلك القانون رقم 20 وقانون الناجيات الأيزيديات على سبيل الذكر لا الحصر.
إلى المجتمع الدولي:
- تقديم الدعم للمنظمات التي تساعد الضحايا على رفع دعاوى أو نشر الوعي حول عمليات جبر الضرر.
- تقديم الدعم الفني والمالي للحكومة العراقية لتنفيذ برامج التعويضات، بما في ذلك القانون رقم 20 وقانون الناجيات الأيزيديات على سبيل الذكر لا الحصر.
الالتزامات القانونية الدولية
ينصّ القانون الدولي لحقوق الإنسان على الحق في التعويض لضحايا الانتهاكات. ورد هذا الحق صراحة في "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، و"الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري". كما يُستمدّ الحق في التعويض أيضا من الحق في سبل انتصاف فعّالة بموجب "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة".
الإطار الخاص بمعالجة انتهاكات قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني توفره "مبادئ الأمم المتحدة الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي" (2005). تنصّ هذه الوثيقة على "جبر ما لحق بالضحيّة من ضرر على نحو مناسب وفعّال وفوري"، موضحة أنّ الجبر قد يأخذ شكل ردّ الحقوق والتعويض وإعادة التأهيل والترضية وضمان عدم التكرار.
تنصّ "المبادئ التوجيهيّة بشأن التشريد الداخلي" على أنّه يتعيّن على السلطات المختصّة تقديم تعويضات أو غيرها من أشكال التعويض المناسبة للنازحين عندما لا يكون استرجاع ممتلكاتهم خيارا. تطالب المبادئ السلطات أيضا بتوفير المأوى والمسكن الأساسيين. يُعدّ الحق في السكن اللائق بموجب قانون حقوق الإنسان جزءا من الحق في مستوى معيشي لائق. للأفراد الحق في الحصول على تعويض مناسب على أيّ ممتلكات تتعرض لأضرار في إطار سبل الانتصاف الفعّالة على انتهاك حقوقهم. أمّا الذين تُركوا بلا مأوى بسبب التهجير أو تدمير منازلهم، فلهم الحق في المأوى.