Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العراقُ ليسَ مزرعة للموت !

يمر العراق اليوم في مخاض صعب ، بسبب تفاقم مشكلاته وأزماته . ومتى خليَ العراق من ذلك ؟ انه يعيش صراعا مريرا بين فرقاء جدد ضمن ممارسة انتخابات تشريعية من اجل السلطة والقوة والمال ، لا من اجل وطن ذبحه الأشقياء .. انه يعيش انقساما طائفيا واضحا ، ولكن بأدوات سياسية تمارس بها مختلف الخروق وأشكال العنف . إن المشكلة قد نضجت من خلال محاصصة طائفية ، واستبدادية أحادية ، تغذيها جهات خارجية ، ليغدو العراق مزرعة للكراهية والصراع والدماء !

يتحدثون باسم الديمقراطية وحماية الديمقراطية ، ولكنهم بعيدون عنها جدا . إنهم لا يؤمنون بأن الديمقراطية ، مفهوم ديناميكي متجدد باستمرار ، لكنه لا يقبل أن يستعار من اجل إذكاء حرب داخلية ، ولا حتى بث انقسامات شنيعة في أي مجتمع من المجتمعات . إذا كان العراق اليوم يرفع شعار الديمقراطية ، فلابد لحكامه أن يؤمنوا بتداول السلطة ، وممارسة الديمقراطية ، بالثقة والشراكة كوسيلة تخدم المجتمع ولا تضر به .. كقيمة لا تقدر بثمن بين من يحكم وبين من يعارض ، وهي أداة ومنهج في تداول السلطة ، لا في الاستحواذ عليها بأية وسيلة كانت ، وأيضا في إقرار مبادئ العدل والمساواة ، لا في السيطرة والأحادية ، وفي المسالمة والمساءلة ، بعيدا عن العنف والتهميش والإقصاء .

إن ممارسة الديمقراطية من قبل أناس لا يعرفون شيئا عنها ، هي الكارثة بعينها ، بل أن تجربة العراق الصعبة لم تبدأ بداية صحيحة ، حتى يمكن القول إنها تتطور نحو الأحسن ، بل إنها بدأت بسيطرة جماعات معينة على مقاليد الأمور ، واستحواذهم على مقدرات البلاد المنقسمة أصلا ، وكان لها أن تبدأ بمثابة مشروع وطني لنيل الحريات وبناء المؤسسات على نحو مدني وقانوني لا سياسي . هنا نسأل : هل من الصواب أن تشارك كل الأطياف في العملية السياسية منذ سنوات خلت ، ويأتي اليوم من ينفرد بالسلطة ليقول بعدم صلاحية البعض في الانتخابات ؟! إذن ، كيف قبلتموه أول مرة بعد ان كّنا قد عارضناكم وقت ذاك معارضة شديدة ؟ كيف اشترك معكم شراكة سياسية لسنوات عدة ؟ كيف أشركتموه معكم في كتابة الدستور الذي عارضنا بعض بنوده ؟ إذا كنتم ترفضونه ، كان عليكم رفضه منذ البداية ! وإذا كنتم تحترمون مؤسساتكم ، فكيف يحترم ( دستور) ساهم في كتابته زعيم كتلة ونائب برلماني أصبح فجأة يحمل كل صفات الشناعة ؟ إذا كانت مؤسسة القضاء مستقلة في قراراتها ـ كما تقولون ـ فكيف لم تحترموا إرادة القضاء العراقي ، بحيث مارستم سلطة استبدادية وتدخلا سافرا في شأن القضاء العراقي بتهديدكم السياسي ؟ ولا ادري كيف يجوز لهيئة لم يصادق عليها البرلمان أن تمارس السلطة في إقصاء مرشحين بعثيين ، وكنتم انتم الذين تسعون للمصالحة معهم ؟ ولماذا لم يصدر البرلمان العراقي شيئا حتى الآن بصدد مشروعيتها من عدمها ؟

إذا كانت الهيئة التمييزية قد تراجعت عن قرارها السابق .. فهل وجدت في من أقصتهم عن الترشيح ، أن أياديهم ملطخة بدم العراقيين ؟ هكذا يقولون .. إن الوحيدين الذين يطالهم الاجتثاث هم الذين تلطخت أياديهم بدم العراقيين ! إن البعثيين قد تجاوزهم الزمن في أن يحكموا العراق مرة أخرى باسم الحزب الواحد أو الحزب القائد . إن المشكلة ليست في استئصال زيد أو عمرو من العملية السياسية ، بقدر ما هي وسيلة لسيطرة جماعات معينة على حكم البلاد ، وقد استمرأوا طعم الحكم والنيل من ثرواته ، ومن دون أن يقّدم للمحاكمة كل الذين كانوا وما زالوا ينهبون العراق .. وإذا كانوا سابقا يعلنون عن مبدأ شراكة ، فهم اليوم يتحدثون عن مشروع إقصاء ! هنا ، يساهمون عمدا وعن سبق إصرار وترصد في دفع البلاد إلى الحرب الأهلية من جديد ، بلا أي اكتراث لما ستؤول إليه الاوضاع في قابل الأيام .. وسواء اعتمدوا على إيران ، أم لم يعتمدوا عليها ، فهم على خطأ كبير في ممارسة هذا التوجّه ! توّجه لا يترجم كونه إقصاء لمرشحين بعثيين ، بل توّجه يترجم في الذاكرة الشعبية ، كونه اخصاء للمجتمع ! توّجه يترجم ـ ايضا ـ كونه خوف ورعب من بقايا نظام راحل تمّيز بقوته وغطرسته !

إن مشكلة العراقيين تتجسد أيضا في عدم احترامهم للرأي الآخر ، وأنهم لا يقبلون ( المعارضة السياسية ) أساسا ، وكأنهم جبلوا على الاستبداد ونظام الرأي الواحد ، وحكم الطيف الواحد ، وحكم الائتلاف الواحد .. الخ . وهناك قطاع كبير من الكتبة والمصفقين والمروجّين لا يعرفون إلا ترديد ما يقوله الحاكمون . إنهم لم يفكروا يوما بحيادية وموضوعية وبأفق بعيد ، بل تجدهم ينساقون للدفاع عن تصريحات وأفعال سياسية يفرقعها المسؤولون الجدد . إن الأزمة ليست كالتي يتصورّها الناس ، بدليل تصريحاتهم السابقة حول ما أسموه بالمصالحة الوطنية وقد مّدوا أيديهم نحو البعثيين مرارا وتكرارا ! إنها اليوم ، عملية تضليل واضحة من اجل الاستحواذ على السلطة وحكم العراق سواء بأجندة أميركية أو إيرانية أو غيرها ! وهي عملية خطيرة جدا ، إذ سنسمع فرقعات ، ولكن من نوع آخر بعد الانتخابات !

إن الإجابات ستترجمها الأيام القادمة إلى واقع ، وأخشى أن يكون واقعا مأساويا مريرا ـ لا سمح الله ـ . إن شناعة الممارسات السياسية من اجل السلطة من قبل هذا أو ذاك، وممارسة كل النهب المنظّم الخفي والمعلن بواسطتها ، قد أبقى العراق مخنوقا ، كما عجزت الحكومة عن تقديم ما يحتاجه العراق أصلا من خدمات بلدية وضرورات أمنية .. إن شناعة ما يمارس اليوم من اجل السلطة ، سيجعل الحياة العراقية أسيرة للصراع ومزرعة موت بين فرقاء غير أكفاء أبدا .. ولم يصلحها إلا مشروع وطني مدني ديمقراطي حقيقي ، كنا ولم نزل ننادي من اجله عبر سنوات مضت .. مشروع ينضوي الجميع تحت مظلته ، ليتعلموا معاني الديمقراطية ، وبناء المؤسسات ، واحترام القضاء ، وتقديس المال العام .. بدل كل هذا الضياع الذي يراهن عليه الآخرون ، الذين فشلوا في حكم العراق .



نشرت في البيان الإماراتية ، 17 شباط / فبراير 2010، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل

www.sayyarajamil.com

ممارسة انتخابات تشريعية من اجل السلطة والقوة والمال ، لا من اجل وطن ذبحه الأشقياء .. انه يعيش انقساما طائفيا واضحا ، ولكن بأدوات سياسية تمارس بها مختلف الخروق وأشكال العنف . إن المشكلة قد نضجت من خلال محاصصة طائفية ، واستبدادية أحادية ، تغذيها جهات خارجية ، ليغدو العراق مزرعة للكراهية والصراع والدماء !

يتحدثون باسم الديمقراطية وحماية الديمقراطية ، ولكنهم بعيدون عنها جدا . إنهم لا يؤمنون بأن الديمقراطية ، مفهوم ديناميكي متجدد باستمرار ، لكنه لا يقبل أن يستعار من اجل إذكاء حرب داخلية ، ولا حتى بث انقسامات شنيعة في أي مجتمع من المجتمعات . إذا كان العراق اليوم يرفع شعار الديمقراطية ، فلابد لحكامه أن يؤمنوا بتداول السلطة ، وممارسة الديمقراطية ، بالثقة والشراكة كوسيلة تخدم المجتمع ولا تضر به .. كقيمة لا تقدر بثمن بين من يحكم وبين من يعارض ، وهي أداة ومنهج في تداول السلطة ، لا في الاستحواذ عليها بأية وسيلة كانت ، وأيضا في إقرار مبادئ العدل والمساواة ، لا في السيطرة والأحادية ، وفي المسالمة والمساءلة ، بعيدا عن العنف والتهميش والإقصاء .

إن ممارسة الديمقراطية من قبل أناس لا يعرفون شيئا عنها ، هي الكارثة بعينها ، بل أن تجربة العراق الصعبة لم تبدأ بداية صحيحة ، حتى يمكن القول إنها تتطور نحو الأحسن ، بل إنها بدأت بسيطرة جماعات معينة على مقاليد الأمور ، واستحواذهم على مقدرات البلاد المنقسمة أصلا ، وكان لها أن تبدأ بمثابة مشروع وطني لنيل الحريات وبناء المؤسسات على نحو مدني وقانوني لا سياسي . هنا نسأل : هل من الصواب أن تشارك كل الأطياف في العملية السياسية منذ سنوات خلت ، ويأتي اليوم من ينفرد بالسلطة ليقول بعدم صلاحية البعض في الانتخابات ؟! إذن ، كيف قبلتموه أول مرة بعد ان كّنا قد عارضناكم وقت ذاك معارضة شديدة ؟ كيف اشترك معكم شراكة سياسية لسنوات عدة ؟ كيف أشركتموه معكم في كتابة الدستور الذي عارضنا بعض بنوده ؟ إذا كنتم ترفضونه ، كان عليكم رفضه منذ البداية ! وإذا كنتم تحترمون مؤسساتكم ، فكيف يحترم ( دستور) ساهم في كتابته زعيم كتلة ونائب برلماني أصبح فجأة يحمل كل صفات الشناعة ؟ إذا كانت مؤسسة القضاء مستقلة في قراراتها ـ كما تقولون ـ فكيف لم تحترموا إرادة القضاء العراقي ، بحيث مارستم سلطة استبدادية وتدخلا سافرا في شأن القضاء العراقي بتهديدكم السياسي ؟ ولا ادري كيف يجوز لهيئة لم يصادق عليها البرلمان أن تمارس السلطة في إقصاء مرشحين بعثيين ، وكنتم انتم الذين تسعون للمصالحة معهم ؟ ولماذا لم يصدر البرلمان العراقي شيئا حتى الآن بصدد مشروعيتها من عدمها ؟

إذا كانت الهيئة التمييزية قد تراجعت عن قرارها السابق .. فهل وجدت في من أقصتهم عن الترشيح ، أن أياديهم ملطخة بدم العراقيين ؟ هكذا يقولون .. إن الوحيدين الذين يطالهم الاجتثاث هم الذين تلطخت أياديهم بدم العراقيين ! إن البعثيين قد تجاوزهم الزمن في أن يحكموا العراق مرة أخرى باسم الحزب الواحد أو الحزب القائد . إن المشكلة ليست في استئصال زيد أو عمرو من العملية السياسية ، بقدر ما هي وسيلة لسيطرة جماعات معينة على حكم البلاد ، وقد استمرأوا طعم الحكم والنيل من ثرواته ، ومن دون أن يقّدم للمحاكمة كل الذين كانوا وما زالوا ينهبون العراق .. وإذا كانوا سابقا يعلنون عن مبدأ شراكة ، فهم اليوم يتحدثون عن مشروع إقصاء ! هنا ، يساهمون عمدا وعن سبق إصرار وترصد في دفع البلاد إلى الحرب الأهلية من جديد ، بلا أي اكتراث لما ستؤول إليه الاوضاع في قابل الأيام .. وسواء اعتمدوا على إيران ، أم لم يعتمدوا عليها ، فهم على خطأ كبير في ممارسة هذا التوجّه ! توّجه لا يترجم كونه إقصاء لمرشحين بعثيين ، بل توّجه يترجم في الذاكرة الشعبية ، كونه اخصاء للمجتمع ! توّجه يترجم ـ ايضا ـ كونه خوف ورعب من بقايا نظام راحل تمّيز بقوته وغطرسته !

إن مشكلة العراقيين تتجسد أيضا في عدم احترامهم للرأي الآخر ، وأنهم لا يقبلون ( المعارضة السياسية ) أساسا ، وكأنهم جبلوا على الاستبداد ونظام الرأي الواحد ، وحكم الطيف الواحد ، وحكم الائتلاف الواحد .. الخ . وهناك قطاع كبير من الكتبة والمصفقين والمروجّين لا يعرفون إلا ترديد ما يقوله الحاكمون . إنهم لم يفكروا يوما بحيادية وموضوعية وبأفق بعيد ، بل تجدهم ينساقون للدفاع عن تصريحات وأفعال سياسية يفرقعها المسؤولون الجدد . إن الأزمة ليست كالتي يتصورّها الناس ، بدليل تصريحاتهم السابقة حول ما أسموه بالمصالحة الوطنية وقد مّدوا أيديهم نحو البعثيين مرارا وتكرارا ! إنها اليوم ، عملية تضليل واضحة من اجل الاستحواذ على السلطة وحكم العراق سواء بأجندة أميركية أو إيرانية أو غيرها ! وهي عملية خطيرة جدا ، إذ سنسمع فرقعات ، ولكن من نوع آخر بعد الانتخابات !

إن الإجابات ستترجمها الأيام القادمة إلى واقع ، وأخشى أن يكون واقعا مأساويا مريرا ـ لا سمح الله ـ . إن شناعة الممارسات السياسية من اجل السلطة من قبل هذا أو ذاك، وممارسة كل النهب المنظّم الخفي والمعلن بواسطتها ، قد أبقى العراق مخنوقا ، كما عجزت الحكومة عن تقديم ما يحتاجه العراق أصلا من خدمات بلدية وضرورات أمنية .. إن شناعة ما يمارس اليوم من اجل السلطة ، سيجعل الحياة العراقية أسيرة للصراع ومزرعة موت بين فرقاء غير أكفاء أبدا .. ولم يصلحها إلا مشروع وطني مدني ديمقراطي حقيقي ، كنا ولم نزل ننادي من اجله عبر سنوات مضت .. مشروع ينضوي الجميع تحت مظلته ، ليتعلموا معاني الديمقراطية ، وبناء المؤسسات ، واحترام القضاء ، وتقديس المال العام .. بدل كل هذا الضياع الذي يراهن عليه الآخرون ، الذين فشلوا في حكم العراق .



نشرت في البيان الإماراتية ، 17 شباط / فبراير 2010، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل

www.sayyarajamil.com

Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
الأحد الأول من سابوع البشارة بشارة الملاك جبرائيل لزكريا وإليشباع البارين بميلاد يوحنا المعمدان الفكرة الطقسية: يدعونا الأحد الأول من البشارة، إلى الإستعداد الكامل لميلاد المسيح، وذلك من خلال قراءتنا لنصوص الكتاب المقدس، وتأملنا في عودة بعض العوائل المهجرة الى منطقة راغبة خاتون شبكة اخبار نركال/NNN/بغداد/ افاد مراسل شبكة اخبار نركال في بغداد عن عودة بعض العوائل المهجرة الى محل سكناهم في منطقة راغبة خاتون في بغداد وهم متلهفين بشوق الى الرجوع الحكومة بين معصرة الموت وديمقراطية الأحزاب في مقال سابق تحت عنوان (لتعلن الوحدة النخبة المثقفة) را/ الرابط ادناه، اكدنا فيها على ضرورة قيام النخبة المثقفة باعلان ملاحظات سريعة حول ما سمي بمسودة( قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين في العراق). اولاً : حصلنا على نسخة من مسودة سميت بمسودة "قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين في العراق" من الأنترنيت وبواسطة أحد الأصدقاء
Side Adv2 Side Adv1