Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العراق .. نظام مأزوم وشعب مهزوم

ليس هناك أحلى من نصر يحققه أي شعب كان ، لمّا تأتيه الفرصة التاريخية كي يعبر عن ارادته في اقامة نظام ديمقراطي على انقاض حقب طويلة من الحكم الشمولي الإستبدادي . وليس هناك احق من الشعب أن يكون مصدر السلطات وأن يرهن مواطَنة حرة على ارضه بيد ممثليه الصادقين الذين يتسلمون المسؤولية بجدارة وأمانة واخلاص .
كان العراقيون على موعد مع هذا الإنجاز ، بعد أن جاد الأجنبي عليهم بفرصة التخلص من اعتى نظام دكتاتوري ، انتهت بسقوطه مرحلة مظلمة وطويلة من العنت والإستهتار والهمجية . بيد أن الشعب الذي تم انتشاله من نيوب نظام فاشي تنهش وتمزق به لمدة ثلاثة عقود ونيف ، لم يكن عند مستوى هذه المسؤولية الصعبة ، وهو في حالة غير صحية سببها الإصطفاف السياسي المشوه الذي ضرب طوقاً على القضية الوطنية ، واحتكرها لإركازها على دعائم طائفية حسب ما تمليه المناهج الحزبية ذات المنطلقات الدينية ، تلك ىالأحزاب التي شغلت الفراغ السياسي فورَ سقوط النظام ، وشرعت تتصرف وفق اجندة مؤدلجة ومسنودة من الخارج ، اضرت بالمسار الوطني الموحد المفترض حضوره ، لقطع الطريق أمام القوى المعادية المتمثلة بمخلفات النظام وبالتنظيمات الظلامية ومروجي ظاهرة الإرهاب التي عصفت بالبلاد .
تأسست دولة مهزوزة مشوهة تحميها الملشيات الضالعة في القتل والإجرام ، تتعاون معها اجهزة الإستخبارات الإيرانية ، في حملة تصفية العسكريين من الطيارين والمراتب العالية في الجيش العراقي المنحل ، ثم شملت تلك الحملة الإجهاز على العقول العراقية من اساتذة الجامعات والأطباء والعلماء في مسلسل رهيب لتدمير البلد . حصل كل هذا ولا زال ، والدولة التي ينخرها الفساد الإداري والمالي والجاثمة على مؤسسات تعج بنماذج من نفايات الشعب العراقي ، تقدم كشوفات عن تحسن الأوضاع الأمنية ، نسبة الى الهبوط المحسوس في تفخيخ السيارات وانفجار العبوات الناسفة في بغداد . وعلى هذا المقياس أُعتُبِرت سنة 2007 بداية اندحار الإرهاب وأشِّرَت درجة تحسن الوضع الأمني في بغداد بـ ( 75 % ) دون الأخذ بالحسبان ما يحدث في المحافظات الأخرى من حوادث دموية وعمليات القتل الإنفرادي التي تقع على الطرق وعلى اطراف المدن .
دخل العراق المدمى عامه الخامس ، ليستقبله بحمامات جديدة من الدم وفـي بغداد ( المحسنة أمنياً ) وجملة من هذه الحوادث هي : استشهاد اربعة عشر وجرح سبعة عشر بسيارة مفخخة في حي الكرادة ، استشهاد اربعة واصابة احد عشر بسيارة ملغومة في حي القاهرة ، اختطاف عشرة مواطنين في نفس الحي ، استشهاد قائد صحوة الأعظمية وثمانية من حمايته وجرح خمسة وعشرين ، قصف دور العبادة للمسيحيين من الأديرة والكنائس بالهاونات والمفخخات ، وهذا غيض من فيض مما سيقع في بغداد .
فالتحسن الموسمي الذي طرأ على الملف الأمني في بغداد ، كان ملموساً ومرده كان في زيادة القوة الأمريكية وتركيزها في نقطة واحدة ، الأمر الذي دعى القوى المعادية التي تتقن اسلوب المناورة للإنسحاب الى أماكن أخرى وكما هو مشهود في نشاطاتها في الموصل وكركوك وديالى وغيرها من المحافظات ، وما حدث هذه الأيام في بغداد يشير الى أن الإرهابين يمارسون تكتيك الكر والفر واتخاذ محطات مضللة .
وإزاء هذه الحال ، نتصور بأن النظام الذي يراوح في مكانه وهو عاجز عن تحريك العملية السياسية باتجاه تفعيل المصالحة لإخـراج الدولـة ومؤسساتها مـن ربقـة المحاصصة والطائفية ، سيبقى عاجزاً عن إنقاذ العراق من مأزقه ، ونقولها بدون مواربة ، بأن كل مراهنة على انتخابات برلمانية لاحقة لتبديل تركيبة الدولة ، ستكون خاسرة طالما كانت الأحزاب الدينية تراهن على ولاءاتها وعلى آلياتها المركبة من منظومة الملشيات الكبيرة المسلحة ، ومن مراكز دينية صاحبة النفوذ الواسع في المواقع الرسمية ، وفي وسط جماهيري كبير من ابناء الطائفة الواحدة .
وما يزيد من ازمة النظام هو اسلوب المساومات الطارئة التي تفرضها مصالح الأحزاب السياسية المتنفذة وذلك في إقامة تحالفات ، تارة رباعية وتارة ثلاثية حسب ما تمليه مصالحها وليس مصلحة العملية السياسية بشكل عام .
وإذا كان الدواء الموصوف لمعالجة الوضع العراقي هو الصحوة العشائرية ، لكن في حالة تعثر العملية السياسية ، سيكون هذا الدواء بمثابة مسكِّن وقتي . يجب أن يفهم الشعب العراقي ماذا كان المقصود بمشروع المصالحة الوطنية الذي أُسدِلَ عليه الستار . هل كان مجرد شعار التهدئـة .؟
أما ما يخص الشعب المتعوب والمضلل ، نقول عنه بأنه لا زال يبحث عن هويته الوطنية بين اشكالات وتخبطات الوضع العام ، القائم على صراع يومي تتخلله أشكال التمزيق بنسيجه بالقتل على الهوية وبإشاعة الطائفية والعشائرية بصفوفه ، بالإضافة الى تعرضه الى هجمة واسعة من الأفكار الظلامية التي تمعن في تجهيله وجعله بعيداً عن قيم الحضارة والتمدن ، وخلق منه عنصراً متمرداً لا يفهم إلاّ لغة الدماء والقتل .
وعلى مدى أربع سنوات مليئة بعوامل الهدم الإجتماعي وإشاعة الشرذمة المنظمة بصفوف أبناء الوطن الواحد ، كانت النتيجة كارثية على الشعب بتفككه ويأسه وفقدان زمامه ، ووقوع طوابير من أبنائه تحت تأثير التجهيل وتعتيم الرؤية ، على يد مؤسسات دينية ورجالاتها المسيطرين والمنتفعين . وهم اليوم قادة حقيقيون لشرائح واسعة من الشعب ، بعد فقدانها مقومات التحامها كشعب عراقي ، لتصبح رهن القيادات الدينية والعشائرية والفئوية . ولا زالت مدارس الترويض على قتل الروح الوطنية مستمرة ، تستمد النجاح من نسبة الأمية العالية عند الجماهير ومستغلة حالة الفقر والبطالة وشدة الجزع بصفوف الشباب . ولما لم يجد هذا الشعب المنكوب لحد هذا اليوم قيادة سياسية موحدة في مركز السلطة تحميه من مخططات الأشرار وتعيد أمله في عراق آمن مستقر وموحد ، ستبقى ارادته الحرة كشعب خارج المعادلة السياسية المعقدة في وطنه . Opinions