Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العشيرة ....والمسيحي العراقي

في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي , وبعد حوالي عشرة سنوات من الحصار القاسي الذي كان مفروضاعلى العراق . تضعضعت البنية الأجتماعية في المجتمع العراقي وطاف على السطح سلبيات عديدة , أبرزها حوادث سرقة السيارت , والمنازل , والمحلات التجارية , وتطورت هذه السلبيات الى حوادث السطو المسلح العلني في بعض الحالات . كما ظهرت الى العلن آفة الرشوة التي أصبح يمارسها معظم الموظفين في الدوائر التي لها تماس بمعاملات المواطن , وأصبح الدرج العلوي من منضدة الموظف مفتوحا بصورة دائمة لأستقبال المعلوم دون أي خوف أو خجل من قبل الموظف , ولم يكن للمواطن أي خيار آخر غير الدفع والا التسويف في انجاز المعاملة أو رفضها نهائيا . والمصيبة الكبرى كانت انتشار هذه الظاهرة الشاذّة في أقسام الشرطة وبعض المحاكم مما أضطر المواطن الذي لديه مشكلة , أن يتجنب مراجعة الشرطة , بل يحاول حلها بأي طريقة أخرى

وهنا ظهرت وشاعت ظاهرة ( الفصل العشائري ) وهي أن يتم التراضي بين طرفي المشكلة عن طريق عشيرة كل منهما دون المرور في أقسام الشرطة والمحاكم وعادة يكون التراضي هو مبلغ من المال يتفق عليه رئيسا العشيرتين , وهذا الأتفاق يكون ملزما لكلا الطرفين
سقت هذه المقدمة بسبب حادثة حدثت لعائلة مسيحية فقيرة , رب العائلة عامل فقير يعمل في متجر, يسكن منطقة الدورة لديه زوجة وسبعة بنات وطفل صغير بعمر خمسة أو ستة سنوات

كانت عائلة السيد (... )وزوجته السيدة (...)وأولادهم يغطون في نومهم عندما سمعت الزوجة صوت وحركة في غرفة نومها وزوجها , فتحسست زوجها فرأته نائما فعرفت أن الحركة هي للصوص دخلوا بقصد السرقة , غير أن المرأة كانت شجاعة , فأيقظت زوجها وصاحت على بناتها الكبار وأمسكت باللص هي وبناتها وزوجها واشتبكوا مع اللص . أثناء الأشتباك أنطلقت رصاصة من مسدس كان يحمله اللص فأصابت الزوج أسفل بطنه فوقع على الأرض , غير أن الزوجة وبناتها لم تترك اللص , فأخذوا مسدسه منه , فخاف ولاذ بالفرار . أتصلت الزوجة بالشرطة وطلبت الأسعاف لزوجها وتم تقديم بلاغ ضد اللص الذي تعرّفوا عليه لأنه من سكنة شارعهم , وسلمت المسدس الى الشرطة. قامت الشرطة بمراقبة دار المتهم , وألقي القبض عليه وأودع التوقيف , وهنا قامت عائلة المتهم بتهديد العائلة المسيحية بالتنازل عن دعواهم وهددوهم بخطف احدى بناتهم الكبار ان لم يفعلوا . فخافت العائلة المسكينة وذهبت الى مركز الشرطة وتنازلت, سيّما بعدما خرج الزوج من المستشفى حيث أن أصابته لم تكن قاتلة . وبالرغم من ذلك لم يكفوا عن تهديد العائلة المسيحية بدعوى أنهم يريدون مسدس أبنهم السارق , فوقعت العائلة في حيرة من أمرها لأن المسدس لدى الشرطة ويستحيل عليا أستعادته من الشرطة

وبعد انتشار خبر هذه المأساة , كان يسكن في منطقتهم أيضا شخص مسيحي من معارفهم يعمل ميكانيكي تصليح سيارات , وبحكم عمله كا ن لديه أصدقاء كثيرين بعضهم في الجيش وآخر في المخابرات وآخرين من عشائر نافذة . وكان يتكلم عن الحادثة معهم , وفي احدى المرات صادف وأن جاء اليه احد اصدقائه وهو من عشيرة نافذة وبعد أن سمع بالحكاية قال أن الأمر سهل , فسأله كيف ؟ فقال سوف ترى
.
فوجىء اهالي المنطقة في أحد الأيام بخيمة منصوبة أمام بيت عائلة اللص المعتدي ومجموعة من رجال العشائر برئاسة شيخهم يطرقون باب دار اللص , فخرجوا لمعرفة الأمر فقيل لهم أنهم من العشيرة (....)عشيرة العائلة المسيحية التي أعتديتم عليها بمحاولة قتل (...)الذي هو فرد من عشبرتنا ومحاولة سرقتها وتهديدها بخطف بناتها ولأجله نحن هنا لأتمام الفصل حسب تقاليدنا العشائرية . فأسقط بيد هذه العائلة المعتدية وتوسلوا بالعائلة المسيحية أن تسامحهم وأنهم يتعهدون بعدم المساس بهم أو تهديدهم مرة أخرى . وفعلا عاشت هذه العائلة المسالمة في بيتها ومنطقتها الى أن جاء الأمريكيين ومعهم أحزابهم الدينية الطائفية ومليشياتهم الأجرامية , فقامت أحدى هذه المليشيات , بخطف الطفل الصغير لهذه العائلة المسيحية , ولم يطلقوا سراحه الا بعد أن قبضوا خمسة عشر ألف دولار أمريكي ) جمعه لهم أقاربهم ومعارفهم في الداخل والخارج ).فأضطروا الى ترك دارهم ومحتوياته والهرب من بغداد

أننا في هذه الأيام نتحنن الى حكم العشيرة الذي هو الأمل الوحيد في انقاذوحدة ومصير العراق من هذه الأحزاب الدينية والطائفية ومليشباتها , ومهما كانت مساوئها , فهي أفضل من حكم عهود الظلام الذي يمارس الآن في العراق .

أما الحالمون بعراق علماني , ديموقراطي , حرّ وأمريكا على الساحة . فهم غارقون في حلم ليلة صيف !!!؟


بطرس شمعون آدم
تورونتو - كندا Opinions