العلمانية الديمقراطية لا تُبنى على الكذب
قالوا إن (حبل الكذب قصير)، ولكن في العراق صار الكذب أحد أسهل وأشهر الوسائل والأسلحة الفتاكة لتشويه سمعة وصورة النظام الجديد والخصوم السياسيين، إذ يتعرض العراق منذ سقوط النظام البعثي الفاشي إلى حملة تضليل بمنتهى الخبث والدهاء. وقد تطرقنا إلى هذه الحملة في عدة مقالات لنا، وهذه ليست الأخيرة في حربنا مع التضليل، فنحن نعيش في عصر الخديعة، وكما قال جورج أورويل: (قول الصدق في عصر الخديعة عمل ثوري).
أكدنا مراراً أنه ليس هناك أفضل من النظام العلماني الديمقراطي، وبالأخص لشعب متعدد القوميات والأديان والمذاهب واللغات مثل الشعب العراقي. ولكن في نفس الوقت لا يمكن محاربة الخصوم السياسيين، وبناء نظام ديمقراطي بالكذب والتلفيق وكيل الاتهامات الباطلة. وتبريرهم في الافتراء على النظام الجديد هو أن الذي يقود السلطة التنفيذية إسلامي، لذا يجوز الافتراء عليه. وهذه ماكيافيللية بإمتياز. نسي هؤلاء أن وجود إسلامي على رأس السلطة هو نتاج ظروف موضوعية لا يمكن تغييرها بالوسائل اللا إخلاقية مثل الكذب والتلفيق والافتراء. فنتيجة لما مر به الشعب العراقي من مظالم الأنظمة الدكتاتورية الطائفية الجائرة، وبالأخص في المرحلة الصدامية التي وزعت الظلم على مكونات الشعب إلى درجات، وحسب الانتماء العرقي والديني والمذهبي. لذلك، فقد تخندقت هذه المكونات بالأحزاب القومية والدينية والمذهبية التي تشكلت قبل سقوط حكم البعث بسنوات، مع انحسار دور الأحزاب العلمانية التقليدية بسبب الاضطهاد والتشرد. لذلك، فصعود الأحزاب الدينية، وخاصة الشيعية منها، لم يكن من صنع أفراد، بل هو تحصيل حاصل للظروف الموضوعية القاهرة التي مر بها الشعب لعشرات السنين، وما القادة السياسيين إلا نتاج وإفراز لهذه الظروف. ولا يمكن تغيير هذا الوضع بالشتائم وكيل الأكاذيب والافتراءات والتهويل والصراخ بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتحميل شخص واحد أو جهة أو حزب كل مشاكل العراق المتراكمة. كما ولا يمكن التخلص من هذه التركة الثقيلة البغيضة بين عشية وضحاها.
قضية الفساد الإداري والمالي
لا أحد ينكر الفساد في العراق ولكنه ليس جديداً ومبالغ به. فالفساد كان على أشده في عهد حكم البعث، ولكن لا أحد كان يستطيع أن ينبس به حتى ولو بالهمس مع عائلته، لأنه يعرف أن الحكم يقطع لسانه عملاً كما حصل مع عمر الهزاع. والفرق في النظام الديمقراطي أن الناس أحرار لفضح الفساد. ولكن استغل الخصوم الفساد الإداري والمالي لتهويله وتحميل مسؤوليته على كاهل الشخص الذي تضعه الأقدار على رأس السلطة التنفيذية. واختلفوا في حجم الأموال المسروقة، إذ كتب أحدهم بأنه بلغ 300 مليار دولار، وآخر 700 مليار. وآخر رقم قرأته في هذا الخصوص هو ما كتبه أحدهم تعليقاً على مقال لي في الحوار المتمدن قائلاً (أن الحكومة هرَّبت إلى الخارج 1400 مليار دولار). لاحظوا الرقم الأخير، ويبدو أن المعلق ضعيف بالرياضيات، ولا يعرف حجم 1400 مليار دولار والذي يساوي ترليون وأربعمائة مليار، والذي يقارب ميزانية أمريكا.
فبعملية حسابية بسيطة، يمكن أن نعرف أن الواردات النفطية منذ 2003 ولحد الآن لا يمكن أن تبلغ حتى ثلث هذا الرقم، إضافة إلى أن الحكومة تدفع رواتب خمسة ملايين موظف، وملايين المتقاعدين، والأرامل والأيتام وعوائل الشهداء، و تعويضات الحروب الصدامية العبثية التي بلغت للكويت وحدها أكثر من 57 مليار دولار لحد الآن، زائداً تكاليف إعمار العراق، وتجهيزات الجيش والقوات الأمنية والمؤسسات الخدمية وغيرها. وأدعى المعلق أنه مسيحي ومستقل ولا يهمه من يحكم العراق، ولكنه يندفع بمنتهى الوقاحة في شتم المالكي بأقذع الشتائم. ولما حذفت أحد تعليقاته الشتائمية البذيئة لمخالفته شروط النشر، كتب لي "تهديداً"، أنه "كاتب" وسوف يرد عليً بمقال!! (كذا). ومن أسلوبه عرفته من هو، إذ جاءت بعض تعليقاته مطابقة لجمل وأفكار تتكرر في مقالات كاتب أعرفه يتعرض لي بتعليقات بذيئة، تارة باسمه الصريح، وأغلب الأحيان بأسماء مستعارة. فهو ليس مسيحي، ولا لأنه ضد الفساد، بل لأنه طائفي وبعثي سابق، وضد تحرير العراق. والغريب أنه يمتدح المالكي أحياناً "ولكن بشروط"!! في مقالاته التي ينشرها في موقع (عراق القانون)، ويشتمه بأقذع الشتائم في تعليقاته على مقالات الآخرين في المواقع الأخرى وبأسماء مستعارة، و يتهم هذا الكاتب الجهبذ، كل من لا يوافقه على آرائه بالعمالة لأمريكا وإسرائيل!. نؤكد لهذا (القارئ الكاتب) وأمثاله أن الإفراط في المبالغة بالفساد يخدم الفساد والفاسدين والمفسدين، لأنه يؤدي إلى عدم التصديق وبتالي تضيع الحقيقة.
فالفساد مرض فتاك ابتلت به الشعوب، وتكلف العالم نحو ترليون دولار سنوياً (حسب تقرير بي بي سي)، فكيف للحكومة العراقية وحدها أن تهرب ترليون وأربعمائة مليار دولار؟ وفي هذا الخصوص نشير إلى قراءة مقال قيم للسيد شلال الشمري بعنوان: (الفساد الإداري والمالي)(الرابط في الهامش). وحسب تقارير البي بي بي سي أيضاً، أن الهند التي تعتبر أكبر ديمقراطية في العالم، هي الأولى في الفساد الإداري والمالي إلى حد أن تشكل مؤخراً حزب ضد الفساد باسم: (Anti-corruption party). ويتمتع بشعبية واسعة.
من وراء اغتيال الصحفيين؟
وتعليق آخر من قارئ على مقال لي، ينفي وجود حرية التعبير والإعلام في العراق، فيقول إن عشرات الصحفيين قتلوا في العراق. وهذا صحيح، ولكن السؤال هو: من الذي قتل هؤلاء الصحفيين؟ هل الحكومة؟ فإذا تريد أن تعرف حرية التعبير في العراق، فما عليك إلا وأن تلقِ نظرة على ما تنشره صحيفة (المدى) من شتائم وتلفيقات ضد الحكومة، وضد رئيسها المالكي تحديداً، وهي تصدر في بغداد. الحقيقة التي ينكرها المعلق و أمثاله، إن الجهات التي اغتالت عشرات الصحفيين هي نفسها التي اغتالت المئات من العلماء والأطباء وأساتذة جامعيين، وغيرهم من أصحاب الكفاءات لإرغامهم على الهجرة لتفريغ العراق من أصحاب الكفاءات، ولشل العقل العراقي. وهي نفس الجهات التي قتلت عشرات الألوف من أبناء شعبنا بالتفجيرات والكواتم، وهي نفس الجهات التي تعبث بأمن وأرواح شعبنا في محافظة الأنبار وديالى، وهي فلول البعث وداعش والقاعدة، أعداء الديمقراطية والحرية، وأعداء الإنسان والإنسانية.
نفي من مكتب رامسفيلد
أشرت في مقالي الموسوم (الانتخابات، وهستيرية الحملات التسقيطية)، إلى أن الأكاذيب لم يسلم منها حتى المرجع الديني الأكبر، آية الله السيستاني، حيث أدعوا أن دونالد رامسفيلد قدم له رشوة مقدارها 200 مليون دولار مقابل عدم إصداره فتوى الجهاد ضد القوات الأجنبية وأنه استجاب لهم. و فندتُ هذه الفرية الخبيثة في المقال المذكور. واستلمت العديد من التعليقات تؤكد صحة ما ذهبتُ إليه، وأهمها تعليق من صديق مقيم في أمريكا لأكثر من 30 سنة، وذو إطلاع واسع بالشأن العراقي، وله دور مميز في عملية تحرير العراق، كتب ما يلي:
((قرأت مقالك الأخير وفيما يخص إشاعة أن دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي أيام الحرب التي أسقطت الحكم الصدامي الغاشم، ذكر في مذكراته أنه قدم مبلغ 200 مليون دولار للسيد علي السيستاني مقابل تعاونه مع الأمريكان. وكما تفضلت فإن هذا الكلام كذب في كذب وعاري عن الصحة. ما أردت أن أوضحه أيضا هو أن هذا الكلام نشر قبل صدور المذكرات في ربيع 2011 بأشهر قليلة من قبل عدة جرائد عربية مشبوهة)). وأضاف الصديق: "فقد تم الاتصال، وبمساعدة السفير الأستاذ سمير الصميدعي عندما كان سفيرا في واشنطن، وطلبنا من مكتب رامسفيلد في كشف حقيقة هذا الخبر وتوثيق هذه الحقيقة في بيان رسمي من مدير مكتب رامسفيلد لنشره في وسائل الإعلام".
فاستجاب مدير المكتب على الفور، وأرسل البيان المطلوب المؤرخ في 5 كانون الثاني 2011 إلى السفارة العراقية في واشنطن، ونسخة منه إلى الصديق الذي تفضل مشكوراً بإرسال نسخة منه مع رسالته التوضيحية لي، أنقل النص الكامل للبيان باللغة الإنكليزية في نهاية هذا المقال، وأدرج أدناه الترجمة العربية بإيجاز، كما يلي:
"إن الشائعات التي تنشر في بعض وسائل الإعلام العربية، والتي تزعم أن مذكرات رامسفيلد التي ستنشر قريباً، يحتوي على معلومات حول لقائه مع آية الله العظمى السيستاني وإرشائه، هي معلومات
عارية عن الصحة و مثيرة للضحك. والناس سيتمكنون بأنفسهم ليروا بالضبط ما جاء في كتاب رامسفيلد الموسوم: (المعروف وغير المعروف Known and Unknown)، والذي سينشر في 8 شباط 2011. ويكفي ان نقول ان رامسفيلد لم يلتق قط بالسيد السيستاني ولا بأي شخص من مكتبه. إن آية الله السيستاني رجل شجاع وصوت مستقل بامتياز في العراق.- كيث أوربان، مدير مكتب دونالد رامسفيلد" انتهى.
هذه خلاصة ما جاء في بيان مدير مكتب رامسفيلد، فهل يُسكت أصوات النشاز من المفترين والكذابين؟
لا أعتقد، لأن من يمارس الكذب لا يستحي، ومن شب على شيء شاب عليه. ولكن العتب على أولئك الذين يسهل عليهم تمرير الأكاذيب.
لا شك أن اللجوء إلى الكذب في تشويه سمعة الخصوم السياسيين لدليل على الإفلاس السياسي والفكري والأخلاقي. ويشرفنا أن نقوم بفضح الكذابين وتفنيد أكاذيبهم. وبسبب موقفنا هذا في خدمة الحقيقة، راحوا يكيلون لنا شتى التهم الغبية المضحكة بأننا تخلينا عن علمانيتنا!! وكأن من شروط العلمانية أن تشوه سمعة الخصم بالأكاذيب. وبالتأكيد فإن تفنيدنا لكذبة قبول السيد السيستاني رشوة من رامسفيلد يجعلنا في خانة الإسلاميين ومقابل أجر!!.
إن سلوك أدعياء العلمانية والديمقراطية بهذه الطريقة الفجة، يسيء إلى العلمانية والديمقراطية وهم أشبه بمشايخ الوهابيين الذين أساؤوا إلى دينهم بإصدار فتاوى مضحكة مثل إرضاع الكبير، وشرب بول البعير، اعتقاداً منهم أنهم يخدمون الإسلام، بينما هم في الحقيقة أساءوا إلى الإسلام وأضروا به.
يقول ابراهام لنكولن: "تستطيع ان تخدع كل الناس بعض الوقت، او بعض الناس كل الوقت، ولكن لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت".
***********
أدناه النص الكامل لرسالة مدير مكتب رامسفيلد باللغة الإنكليزية وعدد من الروابط للمواقع الصفراء التي نشرت الافتراء.
Inquiry From Embassy of Iraq On Sistani Rumors
January 5, 2011
FOR IMMEDIATE RELEASE
Statement by Keith Urbahn, Chief of Staff, Office of Donald Rumsfeld:
“The rumors currently making the rounds in some Arabic press outlets that allege Mr. Rumsfeld’s forthcoming memoir contains information about meeting with and bribing Grand Ayatollah Sistani are as laughable and inaccurate as they are disprovable. People will be able to see for themselves exactly what is in Known and Unknown when it
becomes public on February 8.
Suffice it to say that Rumsfeld did not offer to pay for any of Grand Ayatollah Sistani’s opinions, nor would he have even entertained the thought. Furthermore, Rumsfeld never met with Sistani. Suggestions to the contrary are flat untrue.
Grand Ayatollah Sistani was and remains a courageous but distinctly independent voice in Iraq. It’s worth noting that the misinformation campaign began in Iranian-backed press outlets and looks to be nothing more than a not so clever attempt to mislead and sow mistrust among Iraqis.”
Examples:
http://www.akhbar-alkhaleej.com/#!420890
http://www.slaati.com/inf/news.php?action=show&id=19885
http://forums.islamicawakening.com/f18/we-paid-sistani-200-million-dollar-fatwah-help-us-occupying-iraq-40898/
Press Contact:
Keith Urbahn
Chief of Staff
Office of Donald Rumsfeld
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
شلال الشمري: الفساد الإداري والمالي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=409239
عبدالخالق حسين: الانتخابات، وهستيرية الحملات التسقيطية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=642
فيديو: إفتراءات الإعلام العربي
https://www.youtube.com/watch?v=d-KqwowEDRA