الغريزة الجنسية بين الكبح والتهذيب...
"الغريزة الجنسية في الإنسان غريزة حيوانية وفطرة عشوائية لا يحكمها العقل ولاسبيل لتهذيبها بتاتا، وكي لا يعم الفساد لا بد من سياط كابحة".. هناك من البشر بيننا من يؤمن ايمانا قويا بأن العقل لا دور له في السيطرة الغرائزية ويحاول جاهدا تبرير ذلك علميا ودينيا!..
أنه لمن الجميل والمؤثر ان توظف العلوم لإسقاط دورالعقل واعفاءه من قدراته!، ويوظف الدين لإظهار عقل الانسان بأبشع صوره فهو أداة ميتة في مواطن الخطر،وهل هناك أخطر من تنقل الإنسان بشهواته الجنسية بلا رادع عقلي...
.. اما القيم الأخلاقية بنسبيتها فتصور وكأنها قشة تطفو على مياه ناتنة..والأجمل هو ان هؤلاء من المدافعين عن الدين وقيمه الأخلاقيه والمسلطين جام غضبهم على المستهترين بتلك القيم!!
بل الإدهى من هذا هو نعت من يبارك دور العقل بأنه كائن غرائزي يسعى للفساد والإفساد بالمجتمع ويروج لإشاعة الجنس!!!
لنفكك تلك الرؤية ونبدأ بسؤال..
هل الغريزة الجنسية عصية على التهذيب؟؟..
ولأن التهذيب يرتبط ارتباطا وثيقا بالعقل فلا تهذيب يمرر بدونه، لذا ممكن ان اضع السؤال بصيغة اخرى.. هل الغريزة الجنسية خارج سيطرة العقل،هي الأقوى تتمكن منه ولا يتمكن منها...ما الفاصلة بين الانسان والحيوان غرائزيا وكيف نسيطرعلى غرائزنا إن اسقطنا عقولنا ودورها في التحكم والردع وتشذيب الفطرة وشحذ السلوك ...
الجواب بـ لا على السؤال المطروح يبدو عقلانيا ومقبولا، العقل برصيده المعلوماتي المتنوع يبدو مقتدرا ومتحكما، اللهم إلا اذا كان العقل بلا رصيد فهو في هذه الحالة محض خواء وستقوده الفطرة ، رغم ان الغريزة الجنسية من اقوى الغرائز واعنفها إلا ان الإنسان ليس كمثل الحيوان،فالهر مثلا يحاصر انثاه فوق السطوح والأسوار ليشبع غريزته،لكن الإنسان لا يفعل، فمثل هذا السلوك في العرف الإنساني يعني اغتصاب يدان عليه الفاعل ويقتص منه...
ما ذا يعني الجواب اذا جاء "نعم" ..
المنطق سيبدو مقلوبا فمن يسقط العقل كونه الإداة التي تعصم الإنسان، تعفه وتصونه، يسقط قيمة الإديان والعلوم ويضرب حرض الحائط كل المعارف الأخلاقية التي ترشد السلوك وتهذبه ،وسيبدو من الهراء محاسبة الانسان على ما يقترفه من آثام لا اخلاقية كمثل الإغتصاب والزنى والتحرشات الجنسية كونها من الآثام الواقعة خارج السيطرة العقلية ونابعة من الفطرة الغرائزية التي لا يحكمها عقل! ..فكيف نقيم العقل على من لا عقل له اذا راح متقافزا بغريزته الحيوانية ليشبعها حاله حال اي حيوان!.. اي تدخل عقابي معناه اضفاء كسوة عقلية على الفعل المقترف... كيف نطلب منه الإنضباط جنسيا وقد اسقطنا عقله سلفا والذي هو أداة الضبط والتوجيه..
..من يمتلك تلك الرؤية العجائبية قطع الطريق على نفسه فلا بارقة امل لأن يرتقي بغرائزه الى مستويات افضل من المستويات الحيوانية المبعثرة مهما ثقل رصيده الأخلاقي فلا بنوك ولا مصارف لهذا الرصيد غير العقل....
يبدو لي ان تلك الرؤية تأكل نفسها بنفسها فهي متآكلة في كفتي الميزان ،العلم والدين، إلا اني سأستمر بفضولي من باب الإستئناس بالرؤية ..
هل يرجم الحيوان ويتهم بالزنا او بالإغتصاب او التحرش؟..
لماذا يعاقب الإنسان اذن؟
هل التهذيب هو الهدف ؟..
ما موطن التهذيب..المعدة ام الإمعاء ام العقل!..
هل هذا يعني ان العقل يهذب بالقوانين والشرائع لترشيد الفطرة وتهذيب الغريزة ام لا ..؟
هل الجواب نعم.. هل هذا يعني فتح نافذة للسيطرة النوعية بين العقل والغريزة..
هل الجواب لا.... لا يعني هذا.. نعود مجددا لنسأل، مالهدف اذن.. لماذا يعاقب الإنسان!
هل يلقن الحيوان بتكرار فعل ما يُراد له القيام به؟
هل نتسلى احيانا بمشاهد السيرك العالمي؟
آولم نرى الحيوانات وقد تهذبت بمستوى معين ووفق طاقاتها الإستيعابية..
آولا تلامس طاقتنا الإستيعابية سطح الغريزة بالتلقين!
الأيديولوجية التي تقف وراء تلك الرؤية على ما يبدو معقدة للغاية، وتنطوي على غاية،ولا بد من توضيح كي لا يتشتت ذهن القاريء
عندما يكون المجتمع غرائزيا وبعقول غير قادرة على السيطرة الجنسية وحكم الشهوات لا بد ان تزاح عن طريقه كل المؤثرات التي تستثيره جنسيا،لا بد من حجب كل ما يدق نواقيس الإثارة والهيجان والرغبة في الإشباع،وحيث ان نصف المجتمع ما هو إلا شهوة تمشي على الأرض! فلابد بالتالي من حجب تلك الشهوة وفصلها بكل السبل المتاحة وبأفضل ما يتوفر من جهود، فبالحجب والفصل تكبح الشهوات وتستكين الغريزة في جحورها الحيوانية فتسود الإخلاق وتنتعش العفة وبتلك السيادة والإنتعاش تنتفض الفضيلة لتتسلق القمة وتتربع فوق العرش..والمجتمع الذي تقوده فضيلة كتلك مجتمع صالح....
ما ذا يعني هذا؟
هل يعني وضع الإنسان بصف الحيوان غرائزيا يقع في صالح المجتمع!!
وعندما لا يكون هناك سبيلا للتهذيب والسيطرة العقلية،يتعفف المرء ولا ينزلق!!
هل الإديان عاجزة عن تهذيب العقول للسيطرة، وتناصر وسائل الكبح والمنع وكأن البشر مجموعة من البهائم،
ما حجم الحقيبة الأخلاقية في الإديان وما قيمتها إن كانت عاجزة عن اقتحام العقل وتوظيفه للسيطرة،وما فائدة اقتحامها للعقل وتغلغلها فيه اذا كان العقل سيسقط صريعا بأحماله وأرصدته في ميدان الغريزة الجنسية بفضل تلك الرؤية..
لم اللجوء الى الفصل القسري والكبح..هل فعلا لا سبيل امام الإنسان غير هذا السبيل
هل الكبح افضل من التهذيب ام ان التهذيب معجزة لا يمكن ان يرتقي اليها انسان فيتمكن من غريزته..
بماذا ستكبح الغريزة إن لم تكبح بالعقل ؟ ما البديل عن العقل
هل ستكبح بتورية المؤثرات بقطعة قماش،بغطاء وكم..هل القشور هي السبيل الأوحد للخلاص! هل الواقع يشهد على هذا!!
ماذا لو لم نستطع حجب المواقع الأباحية!..ما السبيل هنا امام غريزة جنسية بلا ملاح؟ هل سيدخلها المتدين المؤمن ام لا..من سيستوقفه ..
هل سندعي بأن التدين والإيمان لا علاقة لهما بالعقل وموضعهما باطن الكف!!
مالذي يمنع المرء عن طرق ابواب الدعارة اذا كانت شهواته الجنسية غير محكومة برادع،فطرة جائعة تبحث عن ضالتها، وجسد ربانه الغريزة الجنسية وقت الفوارن ! هل سيبدو طرق تلك الأبواب منطقيا!
تلك الرؤية تتوضأ بالعلم كما سنرى لاحقا..لذا اسأل لماذا لا تكبح الغريزية الجنسية بالعلم؟
هل هناك ما يقابل المنشطات الجنسية؟ ..
لم لا تستخدم لتخفيف حدة النزعة الغرائزية بدلا من الكبح والكبت وتحجيب نصف المجتمع لهذا الغرض!
.. من يقف وراء تلك الرؤية الهابطة.. الدين ام اساءة فهم الدين..ام الجهل المطبق..ام هناك غايات حبلى بكل مقيت!
نموذج قرآني...
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)..(يوسف,33)
ما معنى الجهل هنا ؟..أوليس غلبة الغريزة على العقل!
هذا ما قاله احد الإنبياء بعد أن أدرك نفسه وسط النساء المغرمات به واللائي قطّعن أيديهن من شدة تولههن به... يا رب الحبس فِي السجن أَحب إِلَيَّ مما يدعونَني إِليه من معصيتك ويراودنني عليه من الفَاحشة..
لماذا بُعِث بالأنبياء وبُلغت الرسل وأوحي بالنصوص فخوطبت عقول البشر اذا كانت تلك العقول لا تهذب غرائزهم ولا تسيطر على شهواتهم!
لا مجال للجدل والفضول فتلك الرؤية لم تأت من بطن الغاب فهي مدعومة بإسنادات علمية دامغة !!..
امام العلم الكل يقف مكتوفا باليقين.. والعلم لم يبق على صلة للرحم بين الغريزة والعقل!،فضح الإنسان وعرّاه، فهو تارة حيوان تقوده الفطرة وتحكمه شريعة الغاب وأخرى انسان يقوده عقله وبه يحكم فطرته!...
هذا ما سأستعرضه وأستأنس به في الجزء الثاني ...