الفساد السياسي... كارثة تفجر الثورات
عدنان الصالحي/يعرف الفساد السياسي بمعناه الأوسع بأنه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية، وحسب معجم (اوكسفورد) يعرف بأنه (انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة او كما يقول (الدكتور عبد اللطيف الصريخ) بأنه (... كل جهد منظم أو غير منظم يستهدف استغلال ومقدرات الفرد او المجموع باستخدام طرق غير مشروعة), ويضيف (بأن الفساد سلسلة متصلة يعتمد بعضها على بعض تبتدئ بالفساد السياسي ويليه المالي ثم الإداري والأخلاقي والأمني وهكذا..).
الأنظمة السياسية بكل أنواعها معرضة لمواجهة مثل هذا النوع من الفساد، لكنها تختلف نسبيا من بلد لآخر ومن سلطة لأخرى، وقد تكون لقوات الأمن والمدعين العامين في بعض البلدان صلاحيات واسعة في توجيه الاتهامات وهو ما يجعل من الصعب حينها وضع حد فاصل بين ممارسة الصلاحيات والفساد كما هو الحال في قضايا التصنيف العنصري، بينما تكون هذه الجهات في بلدان أخرى مسخرة تحت جناح السلطة التنفيذية وبإمرتها.
قد يصعب إثبات الفساد على ارض الواقع ولكن الدلائل تشير الى ان وجوده مرتبط بتردي الاوضاع فأينما حل فانه سيشكل ترديا واضحا على المستويات المختلفة, ولذا نشهد بان اهم ما يتصدر الاخبار التي تتحدث عن الفساد هو ما يرتبط بسوء الخدمات او غسيل الاموال او التلاعب بها.
السياسيون هم اكثر المتعرضين لمثل هذا النوع من الفساد, فبسبب حاجتهم إلى حشد الدعم المالي لحملاتهم الانتخابية او الشهية اللامشروعة لجمع الأموال والأرصدة, إضافة الى محاولتهم كسب ود بعض الأطراف السياسية الأخرى للسيطرة على سدة الحكم يكونون في مواقف مشبوبة بالفساد.
للفساد السياسي نتائج خطرة جدا فبوجوده يكون التحايل على القانون منتشر وتعاطي الرشوة والتستر على سرقة المال العام والانتقائية في تطبيق القوانين في أعلى مستوياتها, وتكون الدولة بشكل ظاهري قشري مغاير للحقيقة بحيث تغرق في واقع مزر.
والأخطر من جميع ذلك هو انتشار و(تفرعن) الفساد المالي والإداري في الدولة بشكل يصل لأعلى المستويات، حيث يكون الأول بمثابة الأب فيما يكون الثاني بمنزلة الابن والتابع المباشر له، او كما عبر البعض عنه زواج السلطة بالمال.
وبالرجوع الى الأحداث الاخيرة وما جرى ويجري في الدول العربية تجد إن السبب الأول وراء ما حدث هو وجود الفساد السياسي وتابعه المباشر الفساد المالي واستشرائه وتغلغل أصحاب النفوذ وسيطرة طبقات معينة على مقاليد الأمور وغياب او تغييب لدور المعارضة بشكل تام وتسخير الثروات والقدرات لمصلحة النظام، فالأحزاب والشخصيات الفاسدة وخصوصا (الحاكمة) منها, تعتاش على هكذا أوضاع ليسهل عليها التلاعب بالمال العام والتخلص من المسائلة بشكل يسير إن وجدت، ومن هنا يسهل سيطرة الفاسد المالي على اجهزة الدولة بكل مفاصلها خصوصا عندما تكون:
1. البنى الحكومية متناحرة ومترهلة مع تشعب كبير في مؤسسات الدولة بطريقة عشوائية لا علمية.
2. السلطة متركزة بيد صناع قرار غير كفوئين أو فاشلين اجتماعيا.
3. الديمقراطية غائبة او عاجزة او موجودة بشكل قشري.
4. عجز معلوماتي: ويشمل ( انعدام الشفافية في الحكومة وغياب حرية المعلومات في صنع القرار، مع احتقار أو إهمال ممارسات حرية الكلام أو الصحافة، ضعف المساءلة وانعدام الإدارة والرقابة المالية الملائمة).
5. فرص ومحفزات وتشمل: (عمليات استثمار كبيرة للأموال العامة دون قوانين فعالة, والتفاوت الكبير في قيمة رواتب الموظفين الحكوميين عموما).
6. ظروف اجتماعية وتشمل: (النخب الأنانية المنغلقة وشبكات المعارف, كون السكان أميين أو غير مهتمين وعدم قابلية الرأي العام على انتقاء الخيارات السياسية الصحيحة).
7. عجز قانوني ويشمل: (ضعف سلطة القانون او تسييسه، ضعف المهن القانونية، عدم كمال العملية الانتخابية بشكل قانوني ودستوري).
8. حملات انتخابية مكلفة يتجاوز الإنفاق فيها المصادر الاعتيادية للتمويل السياسي.
9. رقابة غائبة غير كافية للحد من الرشى أو التبرع للحملات الانتخابية.
10. أحزاب وشخصيات فوق (سلطة القانون).
في قبال ذلك فان أغلب الباحثين يرجعون ما وصلت اليه بعض الدول الغربية والمتقدمة منها من نجاح في حياتهم العلمية على ظاهر الحال ناتج من:
1- تراجع الفساد السياسي لدى أحزابهم الحاكمة اولا عموما والحكومات المشكلة من هذه الأحزاب ثانيا.
2- نشوء وظهور نخب وسطية متعلمة مستقلة وفعالة غير تابعة ولا خاملة.
3- سيادة القانون على الجميع دون استثناء.
4- تثبيت دعائم المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني, والتي بدورها هيأت ارض صلبة لنشوء جماعات الضغط والمعارضة الناجحة.
5- شفافية التعامل المالي والإداري.
6- حرية الإعلام بكل أشكاله بما فيها حق الحصول على اي معلومة من مسئولي ودوائر الحكومة.
7- توسع في ثقافة الفرد والمجتمع ونمو تفكيره بشكل مضطرد.
وخلال أيام الاحتجاجات التونسية والمصرية فان الجميع ان يتحدث على أن الفساد هو من حرك الشعوب واسقط العروش ومن بينهم السياسيين في باقي دول المنطقة, ولكن تبقى المشكلة أن هؤلاء السياسيين لا يقرأ ما حدث بعين الاعتبار والعبرة، بل ان بعضهم يعتبر نفسه بمعزل عما يدور ومثل هؤلاء (النرجسيون) المتخفين عن حقيقة ما يدور، انما يحفرون خنادق بينهم وبين طبقات الأمة لأن أهوائهم طافحة وشهواتهم جامحة فهم يبقون سالكين أودية بعيدة عن تطلعات شعوبهم وقواعدهم التي يحاولون اخذ الشرعية منها لتسلطهم، لكنهم في واقع الحال لا يؤتمنون على دين لله ولا على دنيا الناس.
ومثل هؤلاء مهما استطاعوا من تجنيد أشخاص وأتباع لهم بشراء الذمم والأقلام والسلاح فأنهم لن يكونوا بناة دول او قادة شعوب بقدر كونهم تجار بضاعة فاسدة استغلوا فيها مناصبهم وسلطاتهم لسرقة قوت الضعفاء.
ما يهمنا من الأمر كم اعتبرنا من درسي (تونس ومصر)؟, وهل وصلت الرسالة الى باقي السياسيين والحكومات؟, وهل سنشهد انتفاضة حقيقية ضد الفساد؟ أم إنهم سيصمون أذانهم ويغمضون أعينهم وكأن شيء لم يحدث وكأنهم لم يروا شيئا، حتى يأتي دورهم وعندها (ولات حين مناص).
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com/index.htm