الفنانة العملاقة نزيهة سليم في ذمة الخلود
التاريخ برهن ان الحروب تقتل الفن والفنان . الانسان يبقى يبحث عن مأوى سالم لحياته وينشغل الشباب بفن القتال وادواته وتتجمد الحياة المدنية والحضارية في ظل العسكرة التي تسيطر على حياة الدولة والمجتمع وبضمنها الفن . العراق من الدول الذي امتلك خبرة طويلة نتيحة الحروب الداخلية والخارجية لسنين طويلة . وبذلك كل عملية تطور المجتمع تتراجع ابتدا بالاقتصاد وانتهاءا بالفن . بعكسه السلام والاستقرار يجعل الانسان يبدع ويفكر وينتج ليجعل الجمهور ينجذب اليه .هناك علاقة طردية بين الفنان والجمهور كلما جذب الفنان الجمهور الى جانبه كلما حثه الجمهور الى تطوير نفسه وفنه . رأس مال الفنان هو جمهوره . كلما زادت مطاليب الجمهور من الفنان كلما حثت الفنان الى الابداع اكثر . المفتاح الثاني لانطلاقة الفن وتطويره هي الديمقراطية وعلى راسها حرية التعبير. رغم عدم وجود الديمقراطية في العراق عبر قرون الا ان الفنانين العراقين استطاعو ان يعملو بذكاء وينتجو ويندمجو مع الحياة ومع جمهورهم استطاعو ان يجدو طرقا ملتوية لنشر الوعي الثقافي بين الجمهور وكان على راسهم الفنانة التشكيلية العملاقة نزيهة سليم التي رحلت عنا قبل ايام
عن عمر ناهز 81 عاما بعد حياة حافلة بالانجازات الابداعية ساهمت خلالها في صياغة المشهد الفني العراقي. كرست حياتها للعطاء الفني . غادرتنا بعد معاناة من مرض عضال منذ اكثر من خمس سنوات في دارها في منطقة الوزيرية قرب كلية الفنون الجميلة والتي تعود لشقيقها الراحل الفنان جواد سليم".
ولدت نزيهة سليم عام 1927 في اسطنبول لابوين عراقيين وكان والدها محمد سليم , عاشت في كنف عائلة ولعت بالفن التشكيلي وبرز منها كل من الفنانين جواد سليم صاحب نصب الحرية الشهير في بغداد وشقيقها سعاد سليم وكذلك نزار سليم.
الفنانة الراحلة التي تخرجت من معهد الفنون الجميلة في بغداد واكملت دراستها في باريس. كان والدها ضابطا في الجيش العثماني وينتمي الى الرسامين الاوائل، معلمها الأول.. فقد كان يدعمها ويرعاها الى جانب سعاد وجواد ونزار، وقد شاركت، في وقت مبكر، خلال عقد الخمسينيات والستينيات، في رسم المشهد الحديث للتشكيل في العراق.. لتحافظ على أثر جواد في صياغة اهداف جماعة بغداد للفن الحديث. وجواد ذاته كان قد درّسها تاريخ الفن في معهد الفنون الجميلة ببغداد. ثم اكملت دراستها للفن في المدرسة العليا للفنون الجميلة في باريس ( 1947- 1951) حيث تخصصت في الرسم الجداري الجداريات وتتلمذت على يد الفنان الفرنسي (فرناند ليجيه). كان باستطاعتها البقاء كمعلمة للفن في فرنسا بسبب تفوقها حيث كانت الرابعة على دفعتها في جائزة روما، لكنها اختارت ان تعود للعراق على الرغم من ان الآفاق التي فتحت لها في الخارج. وطوال نصف القرن الماضي شاركت الفنانة في نشاطات مختلفة كإسهامها في جماعة بغداد للفن الحديث.. وفي تأسيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، الى جانب دورها التربوي كأستاذة في معهد الفنون الجميلة حتى عام 1982.. واخلاصها لفنها جعلها تكرس حياتها لاستكمال مسيرتها الفنية، فقد عالجت قضايا المرأة، والعمل، والطفولة، بالأسلوب الذي يعبر عن مزاجها وشخصيتها.. فاسلوبها حافظ على فن لا ينفصل فيها الخيال الخصب عن ملاحظاتها الدقيقة في رسم النساء والطبيعة والموضوعات الاجتماعية. ، اعطت كثيرا عبر اعمالها بالحياة الاجتماعية للمراة العراقية واظهرت معاناتها في كل مكان في السوق والبيت والعمل واظهرت تلك الاعمال تعاطفا واضحا مع المراة كانت الفنانة تحس الام المراة العراقية وتعكس معاناة المراة العراقية في قلمها الذي لم ينطفأ طيلة حياتها واكملت زمالة لمدة عام في المانيا الديمقراطية للتخصص برسوم كتب الاطفال ومسرح الاطفال. . ولسوء الحظ سرقت اغلب لوحات الفنانة نزيهة سليم التي كانت في المتحف العراقي للفنون عام 2003 ضمن اكبر حملة سرقات للمتاحف شاهدها العراق , ولم يبق من تلك الاعمال سوى عدد قليل جدا.
عملت استاذة بمعهد الفنون الجميلة منذ عودتها من باريس و محاضرة في كلية الفنون الجميلة.
كتبت الاقلام عنها لكن جذبني قول بعض النقاد والفنانين وانقل قسم منه نقلا عن جريدة المدى وجمعية المثقفين العراقيين . الأستاذ مؤيد البصام فقد تحدث عن الأختلاف بين لوحة جواد سليم ولوحة نزيهة سليم وقال:
لقد التزم جواد الخط البنائي الفني الشكلي الذي امتاز بالصلابة والقوة بينما اتبعت نزيهة الأسلوب نفسه إلا ان رسوماتها امتازت بالرقة والسلاسة، وربما يعود هذا إلى كونها امرأة.
القاص والناقد محمد مبارك تحدث عن جذور تجربة الفن التشكيلي لدى نزيهة سليم قائلاً :
لقد نشأت الفنانة في عائلة مبدعة، كانت شاهده على قدرات الأنسان العراقي الأبداعية ، وقد استمدت خطوطها من التراث العراقي القديم، واستلهمت فنها من معطيات الفن السومري والبابلي والآشوري.
الرسامة (نزيهة سليم) آخر ما تبقى من عائلة تضم اشهر التشكيليين العراقيين، هذه العائلة التي ابتليت بالموت المبكر، فقدت (جواد سليم) ومن بعده نزار وسعاد، وظلت نزيهة سليم تعيش في عزلة، تعالج محنتها الصحية بمفردها، وفي أحيان تزورها تلميذاتها لرعايتها، وضعف الخدمات جعلتها في ازمة صحية قاسية. لك كل المجد ايتها العملاقة وستبقين نجمة ساطعة في تاريخ الحركة النسوية العراقية .