Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

القرآن الكريم..علويا

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
نسبة الى امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، من خلال الاجابة على الاسئلة التالية:

اولا: كيف نقرا القران الكريم؟.

ثانيا: كيف نجسده؟.

ثالثا: ومن اين ناخذ علومه؟ وعلى يد من نتعلم اسراره؟ ولمن نلجأ لنفهم معانيه ونغوص في اعماقه؟.

للجواب على السؤال الاول، يلزمنا، اولا، ان ننتبه الى حقيقة في غاية الاهمية، وهي؛

ان القران الكريم هو معجزة الرسول الكريم محمد بن عبد الله (ص) وهو المعجزة الخالدة للاسلام والتي لا تقف عند حد زماني او مكاني معين، وبذلك تختلف معجزة رسولنا الكريم عن معاجز بقية الانبياء والرسل، فاذا كانت معاجز الرسل والانبياء آنية (وقتية) فان معجزة الرسول الكريم خالدة لا تقتصر على زمان او مكان معينين، وهذا يعني بانه (القران الكريم) يجب ان يكون قادرا على الاجابة على كل اسئلة البشرية الى قيام يوم الدين، بمعنى آخر، انه يجب ان نجد في طياته وآياته الكريمة كل الحلول لكل المشاكل التي نعيشها، ليس نحن، هذا الجيل فقط، وانما كل الاجيال التي تعاقبت منذ نزول القران الكريم والتي ستتعاقب الى قيام يوم الدين، والا لما صدق عليه وصف المعجزة الخالدة، والمصدر الخالد، فهل ان القرآن الكريم كذلك هو اليوم؟.

بنظرة سريعة الى واقع الحال، سنجد ان القران الكريم اليوم ليس كذلك؟ فهو لم يحل مشاكلنا، كما اننا لم نجد فيه الاجوبة على مختلف اسئلتنا، ما يعني ان السر في احد امرين:

فاما ان يكون القران ليس كما وصفته للتو، من كونه معجزة الرسول الكريم الخالدة، الذي تجد فيه البشرية كل ما تحتاجه من اجل حياة افضل، وهذا مستحيل، فلقد ثبت الله تعالى هذه الحقيقة في العديد من الايات، كما في قوله تعالى {افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} وفي قوله {ذلك بان الله نزل الكتاب بالحق} و {هو الذي نزل عليك الكتاب بالحق} و {وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ} و {افغير الله ابتغي حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا} و {الله الذي نزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب} و {وما كان هذا القران ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} وفي قوله {ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم} و {ولقد صرفنا للناس في هذا القران من كل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا} و {ولقد صرفنا في هذا القران للناس من كل مثل وكان الانسان اكثر شئ جدلا} وغيرها الكثير من الايات التي تشير الى هذا المعنى.

او ان يكون السر في الانسان ذاته، والذي لا يعرف كيف يقرا القران الكريم او لا يعرف كيف يتعامل معه، وكيف يستفيد منه، فمثله في هذه الحالة كمثل المريض الذي يصف له الطبيب دواءا لا يستفيد منه، لانه لا يعرف كيف ومتى ياخذ الدواء.

وبمراجعة سريعة للعلاقة التي تربطنا بالقران الكريم سنجد بان السر في النقطة الثانية، بعد ان حولنا القران الكريم الى مجموعة تعاويذ نقراها عند الحاجة، فاذا اراد احدنا، مثلا، ان يرزقه الله ولدا قرا الاية الفلانية، واذا ارادت الام ان تستعجل نصيب ابنتها تقرا السورة الكذائية، واذا اشتهى احدنا ان يوسع الله عليه رزقه قرا السورة العلانية، واذا مات احد هرعنا الى القران الكريم لنقرا بعض آياته على قبره ليرحمه الله ويسكنه فسيح جنانه، وهكذا، ولكن؛

هل ترانا رجعنا الى القران الكريم نبحث فيه عن حلول لمشاكلنا الاجتماعية؟ وهل عدنا اليه عندما تتدهور العلاقة بين افراد الاسرة الواحدة؟ وهل قراناه لنعرف الحل المناسب الذي يقدمه لنا عندما تزداد وتنتشر الامراض الاجتماعية في مجتمعاتنا، كالجريمة المنظمة والفساد المالي والاداري والتحلل الخلقي وغير ذلك؟ هل عدنا اليه لنتلمس في آياته الكريمة معالم الطريق لحياة سعيدة ملؤها الصحة والامن وحسن الجوار والاسرة السعيدة والرفاهية؟ وهل عدنا اليه لنتعلم كيف نقيم نظاما سياسيا عادلا ومستقرا يقوم على اساس مبادئ الحرية والشراكة والشورى؟ وهل قرانا قصص الامم السالفة بطريقة نتعلم فيها كيف ولماذا تنقرض امم وشعوب؟ وكيف وبماذا تنهض امم وشعوب اخرى؟ وهل لجانا الى آياته اذا ما داهمنا خطر قيام نظام شمولي استبدادي وراثي قمعي بوليسي لنعرف كيف الخلاص وبماذا؟ وهل تعلمنا منه كيف نواجه الاعلام المضلل والدعاية السوداء؟ وهل علمتنا سوره وآياته كيف نتحاور وكيف يحترم بعضنا وجهة نظر البعض الاخر، بلا تعصب اعمى من اجل الوصول الى الحقيقة؟ ابدا ابدا، لاننا لم نعد نتعامل مع القران كمرجع لحل مشاكلنا او من اجل حياة افضل، انما حولناه، كما قلت آنفا، الى تعاويذ متفرقة لا اكثر ولا اقل.

الم اقل لكم بان السر فينا وليس في القران الكريم، في طريقة تعاملنا وطبيعة علاقتنا معه وليس في آياته المحكمات؟.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فاننا حولنا آيات القران الكريم الى رموز وصور واشكال ميتة لا حياة فيها ولا حراك، من خلال اهتمامنا بقراءته فقط، فاذا بنا نتبارى في تجويده وترتيله، ونتسابق في ختم اجزائه خاصة في شهر الله الفضيل رمضان المبارك، فهذا ختمه مرة في هذا الشهر الفضيل وذاك ختمه مرتين وثالث ختمه ثلاث او اربع مرات وهكذا، بسرعة بسرعة حتى لا يلحق بنا احد، اما اذا سالنا انفسنا، في كم آية تدبرنا في شهر رمضان الكريم؟ وفي كم آية تفكرنا؟ وكم آية تركت في نفوسنا وعقولنا اثرا فغيرت سيرتنا او بدلت فهمنا ووعينا للاشياء والاحداث او بدلت من سلوكياتنا المنحرفة او من علاقاتنا السيئة؟ فهذا ما لا يهتم به احد ولا يسال عنه احد.

صحيح ان قراءة القران الكريم امر مستحب جدا، وان الابداع في قراءته، شكلا وصوتا ومضمونا، امر مستحب هو الاخر، ولكنه ليس الهدف ابدا، وليس المنتهى ابدا، وانما حثت الايات والروايات على القراءة والتجويد والترتيل من اجل ان يترك فينا الاثر المطلوب، والا فما فائدة القراءة المجردة والترتيل والتجويد الميت الذي لا يؤثر في نفوسنا وجوارحنا شيئا؟ اولم يقل القران الكريم متحدثا عن الاثر الذي تتركه آيات القران على جبل، فكيف لا تترك اثرها على القلوب وفي النفوس؟ يقول تعالى {لو انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}.

نعود الى السؤال الذي صدرنا به الحديث، وهو؛

كيف نقرا القران الكريم؟.

الجواب:

اولا: بطريقة التفكر والتدبر، لتترك آياته الاثر المطلوب.

والتدبر والتفكر لغة، يقال (تفكر اذا ردد قلبه معتبرا) اي ان التفكر في الاية يلامس القلب من جانب ويترك الاثر المطلوب من جانب آخر، ولذلك ورد في القران الكريم هذا المعنى بقوله عز وجل {افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها} فالذي يغلق قلبه بقفل كبير لا يمكنه ان يتفكر ابدا، وبالتالي لا يمكنه ان ان يعتبر بالايات باي شكل من الاشكال.

واذا عدنا الى الايات القرانية التي تحث على التدبر والتفكر، فسنكتشف حقيقة في غاية الاهمية، الا وهي ان كل آيات الله تعالى في خلقه لا يمكن ان يشعر بها الانسان او يتحسسها او يعتبر بها او يتلمس عظمتها وسرها وفلسفتها الا بالتفكر والتفكر فقط، ففي الايات:

{ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}.

{انما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما ياكل الناس والانعام حتى اذا اخذت الارض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون}.

{الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}.

{وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وانهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

{ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.

{ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.

{ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

{الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

{وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

{لو انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}.
{افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.

اذن، فكل آيات الله تعالى الاجتماعية والاعجازية، في الافاق والكون والخلق، وآياته في الرزق وفي عظمة الخالق، بل وحتى آية الله سبحانه وتعالى في خلق القران الكريم، لا يمكن ان نفهمها ونستوعبها الا بالتفكر والتدبر، لان آيات الله من العمق والسعة ما لا يمكن ان تترك فينا اثرا من دون التدبر والتفكر، فضلا عن ان مرجعية آيات القران الكريم لا يمكن ان تتحقق من دون التدبر والتفكر.

من هنا جاء الحث المتواصل في احاديث رسول الله (ص) وائمة اهل البيت عليهم السلام، على التدبر والتفكر، لاستيعاب آيات الله تعالى وفهم آيات القران الكريم، ففي الحديث الشريف {تدبر ساعة خير من عبادة سنة، او سبعين سنة} كما ورد في صفة الصحابي الجليل ابا ذر الغفاري رضي الله عنه (وكان اكثر عبادته التفكر} فبالتدبر والتفكر يكون القران الكريم مصدرا ومرجعا خالدا نجد فيه الحلول المناسبة لمشاكلنا المستديمة والعويصة.

والغريب في الامر ان الله تعالى شاء ان يعاقب من لا يتدبر في آياته، بطريقة تفقده نعم الرؤية والاستماع والتعقل والتفقه، على الرغم من امتلاكه للعين والاذن والقلب، كما تفقده القدرة على فهم واستيعاب آيات الله تعالى والى الابد، كما اشارت الى ذلك الايتين الكريمتين:

{ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون}.

{ساصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بانهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}.

ان الغفلة عن آيات الله تعالى تجر على العبد خسران نعمة التعقل والتفكر والفهم، وبالتالي فانه يخسر بذلك القران الكريم كمرجع ومصدر خالد يجد فيه الحلول اللازمة.

ثانيا: ان نستشعر آيات القران الكريم، فلا نمر عليها مرور الكرام، او ان نقراها لقلقة لسان، من اجل ان تترك فينا الاثر المطلوب، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين عليه السلام يصف المتقين بقوله {اما الليل فصافون اقدامهم، تالين لاجزاء القران يرتلونها ترتيلا، يحزنون به انفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فاذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعا، وتطلعت نفوسهم اليها شوقا، وظنوا انها نصب اعينهم، واذا مروا بآية فيها تخويف اصغوا اليها مسامع قلوبهم، وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في اصول آذانهم} وكذلك في قوله يصف به اصحابه الميامين {أوه على اخواني الذين تلوا القرآن فاحكموه، وتدبروا الفرض فاقاموه}.

ثالثا: لقد شرع القران الكريم كل ما يخص الانسان الفرد والانسان المجتمع، وبعودة سريعة الى عدد الايات التي شرعت للانسان الفرد قياسا الى عدد الايات التي شرعت للانسان المجتمع، فسنجدها قليلة جدا، ما يعني بان القران الكريم صب اكثر اهتمامه على التشريع للانسان المجتمع.

حتى ايات الانسان الفرد انما شرعها الله تعالى من اجل ان تساهم في صياغة الانسان المستقيم الذي سيلعب دورا ايجابيا في المجتمع، فمثلا في الاية المباركة {ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} تحث على ان يكون لصلاة الانسان اثرا مباشرا في بناء شخصيته ليكون عنصرا ايجابيا ومفيدا في المجتمع لا يرتكب الفحشاء ولا يفعل المنكر.

هذه الحقيقة غفلناها للاسف الشديد فلم نعد نهتم كثيرا بالجانب الاجتماعي لايات القران الكريم، وانما صببنا كل اهتمامنا على الجانب الفردي، وهذا خطا كبير جدا يجب ان ننتبه اليه من اجل ان نعود للقران عودة جماعية (اجتماعية) لنجد فيه الحلول المناسبة لمشاكلنا الاجتماعية، وما اكثرها واعقدها، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين عليه السلام بقوله {انما بدء وقوع الفتن اهواء تتبع، واحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله} وذلك عندما يغفل المجتمع عن الجانب الاجتماعي في كتاب الله العزيز، وهو حالنا وواقعنا المزري اليوم، وللاسف الشديد.

لقد لخص القران الكريم هذه الحقيقة في العديد من الايات لعل من ابرزها قوله عز وجل {نحن نقص عليك احسن القصص} وهذه الاية في سورة يوسف التي انصب قالبها في قصة نبي الله يوسف عليه السلام، وردت في القران الكريم كخارطة طريق اجتماعية من خلال صياغة الانسان الفرد بطريقة سليمة، يعتمد على الله تعالى ويهتم باخيه الانسان ويعذر ويسامح ويتجاوز ويحب الخير لغيره كما يحب الخير لنفسه، لا يغش ولا يخادع ولا يمد يده الى المال الحرام، ولا يرتكب الفساد الاداري ولا يميز بين الناس عندما يوليه الله تعالى مسؤولية ما او منصبا في الدولة، كما انه لا يخون من ياتمنه على ارزاق الناس واعراضهم ودمائهم، وغير ذلك من القيم والمناقبيات التي تبني الشخصية السليمة التي تفضي الى بناء المجتمع السليم.

اما في قوله تعالى {ان الذي فرض عليك القران لرادك الى معاد} والفرض هنا بمعنى الايجاب، اي اوجب عليك العمل به، اي بما فيه من الاحكام، وهي بالتاكيد اشارة الى الجانب الاجتماعي بالدرجة الاولى، لان مهمة الرسول الكريم، كما هو واضح، بناء المجتمع الصالح من خلال بناء الفرد السليم.

رابعا: ان نعمل بالقران الكريم فلا نكتفي بقراءته والتدبر فيه، ففي وصيته الى ولديه الحسن والحسين عليهما السلام بعد ان ضربه عدو الله ابن ملجم، يقول امير المؤمنين عليه السلام {والله الله في القران لا يسبقكم بالعمل به غيركم} وفي هذا النص تستوقفنا حقيقتان؛

الاولى؛ هي ان الامام يحث على العمل بالقران، اي بآياته وسننه وقواعده وطرقه التي تنتهي الى السعادة في الدارين، وهذه الحقيقة يستوحيها امير المؤمنين عليه السلام من كتاب الله العزيز ذاته، ففي آيات مثل {شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} {ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم} {وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} حث واضح على العمل بالقران الكريم، والا كيف يمكن ان تكون آياته فيها هدى وشفاء وخارطة طريق اذا اكتفى الناس بقراءته فقط دون العمل به؟ ففي هذه الحالة ستنطبق عليهم الاية المباركة {وقال الرسول يارب ان قومي اتخذوا القرآن مهجورا} فهم بالتاكيد لم يهجروا قراءته، وانما هجروا العمل به والتمسك بهديه.

الثانية؛ هي ان هذا القران ليس للمؤمنين فقط وانما للناس كافة، لذلك فان الامام عليه السلام يحذر المسلمين من ان ياخذ غيرهم بهديه ويتركونه، وهذا ما يحصل اليوم، فان امما واقواما عملت بهدي القران الكريم فتقدمت، والمسلمين هجروا هديه واكتفوا بقراءته فتاخروا.

لقد وردت آيات كثيرة تشير الى ان هذا القران للناس كافة، منها قوله عز وجل {ولقد ضربنا للناس في هذا القران من كل مثل}.

بقي ان نجيب على السؤال الاخير، وهو:

من اين ناخذ علوم القران الكريم؟ وعلى يد من نتعلم اسراره؟ ولمن نلجأ لنفهم معانيه ونغوص في اعماقه؟.

سنجد الاجابة على هذا السؤال بشكل واضح وجلي اذا عرفنا منزلة اهل البيت عليهم السلام، وتحديدا منزلة امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، من القرآن الكريم، فعندها سنعرف لمن يجب ان نلجا لنتلو القران الكريم حق تلاوته.

فاما بالنسبة الى منزلة اهل البيت عليهم السلام، فيمكننا ان نستكشفها من خلال النصوص التالية التي اوضح فيها امير المؤمنين عليه السلام منزلتهم من القران الكريم:

{هم، اهل البيت، موضع سره، ولجأ امره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه، بهم اقام انحناء ظهره، واذهب ارتعاد فرائصه، فاين يتاه بكم؟ وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم؟ وهم ازمة الحق واعلام الدين والسنة الصدق، فانزلوهم باحسن منازل القران، وردوهم ورود الهيم العطاش، ايها الناس، خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (انه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلى من بلي منا وليس ببال) فلا تقولوا بما لا تعرفون، فان اكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه، وانا هو، الم اعمل فيكم بالثقل الاكبر، واترك فيكم الثقل الاصغر؟}.

{نحن شجرة النبوة ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم}.

{اين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا، كذبا وبغيا علينا، ان رفعنا الله ووضعهم، واعطانا وحرمهم، وادخلنا واخرجهم، بنا يستعطى الهدى، وبنا يستجلى العمى، ان الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم}.

{نحن الشعار والاصحاب، والخزنة والابواب، ولا تؤتى البيوت الا من ابوابها، فمن اتاها من غير ابوابها سمي سارقا}.

{فيهم، اهل البيت، كرائم القران، وهم كنوز الرحمن، ان نطقوا صدقوا، وان صمتوا لم يسبقوا}.

{هم عيش العلم، وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، هم دعائم الاسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، فان رواة العلم كثير، ورعاته قليل}.

هذا هو موقع اهل البيت من القران الكريم، اما موقع امير المؤمنين فحدث ولا حرج ويكفيه بهذا الصدد حديثين عن رسول الله (ص) بحقه، الاول قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) {علي مع الحق والحق مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض} والثاني قوله (ص) {انا مدينة العلم وعلي بابها، فمن اراد دخول المدينة فلياتها من بابها}.

لقد وصف امير المؤمنين عليه السلام علاقته ومكانته من القران الكريم بقوله {انما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة، يستضئ به من ولجها، فاسمعوا ايها الناس وعوا، واحضروا آذان قلوبكم تفهموا} وكذلك في قوله عليه السلام {تالله لقد علمت تبليغ الرسالات، واتمام العدات، وتمام الكلمات، وعندنا، اهل البيت، ابواب الحكم وضياء الامر} وهو القائل {لقد علمني حبيبي رسول الله (ص) الف باب من العلم، يفتح لي من كل باب الف باب}.

ان امير المؤمنين عليه السلام هو الاقرب الى القران الكريم، بل هو القران الناطق، وهو عدل القران، وهو احد الثقلين، فلقد استوعبه وفهمه كما نزل على رسول الله (ص) وهو القائل عليه السلام {والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيم نزلت واين نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا مسؤولا، وفي نص آخر، ولسانا طلقا} وفي آخر {سلوني عن كتاب الله فانه ليس من آية الا وقد عرفت بليل نزلت ام بنهار؟ في سهل ام في جبل؟}.

كما ذكرت كل كتب التاريخ ان رسول الله (ص) قال اكثر من مرة {معاشر الناس، هذا علي اخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي في امتي على من آمن بي، الا ان تنزيل القران علي، وتاويله وتفسيره بعدي عليه} وقوله (ص) {علي يعلم الناس بعدي من تاويل القران ما لا يعلمون}.
مما تقدم وغيره الكثير جدا، يؤكد لنا حقيقة في غاية الاهمية وهي ان معلم القران الاول بعد رسول الله (ص) هو امير المؤمنين عليه السلام، ولذلك يجب ان لا ناخذ القران من غيره فنتيه كما تاه من اخذه ممن يجهل آياته ومعانيه ولم يسبر اغواره، فالقران الكريم الذي يصفه امير المؤمنين عليه السلام بقوله:

{ان الله سبحانه انزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر، فخذوا نهج الخير تهتدوا، واصدفوا عن سمت الشر تقصدوا} {والله سبحانه يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وفيه تبيان لكل شئ، وذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضا، وانه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) وان القرآن ظاهره انيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات الا به} {وتعلموا القران فانه احسن الحديث، وتفقهوا فيه فانه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فانه شفاء الصدور، واحسنوا تلاوته فانه انفع القصص} {وكتاب الله بين اظهركم، ناطق لا يعيا لسانه، وبيت لا تهدم اركانه، وعز لا تهزم اعوانه} {ذلك القران فاستنطقوه، ولن ينطق، ولكن اخبركم عنه: الا ان فيه علم ما ياتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم} {ثم انزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يضل نهجه، وشعاعا لا يظلم ضوؤه، وفرقانا لا يخمد برهانه، وتبيانا لا تهدم اركانه، وشفاءا لا تخشى اسقامه، وعزا لا تهزم انصاره، وحقا لا تخذل اعوانه} {واعلموا ان هذا القران هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يظل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القران احد الا قام عنه بزيادة او نقصان، زيادة في هدى، او نقصان من عمى، واعلموا انه ليس على احد بعد القران من فاقة، ولا لاحد قبل القران من غنى، فاستشفوه من ادوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فان فيه شفاءا من اكبر الداء، وهو الكفر والنفاق، والغي والضلال، فاسالوا الله به، وتوجهوا اليه بحبه، ولا تسالوا به خلقه، انه ما توجه العباد الى الله بمثله} {وان الله سبحانه لم يعظ احدا بمثل هذا القران، فانه (حبل الله المتين) وسببه الامين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره، فالقران آمر زاجر، وصامت ناطق، حجة الله على خلقه، اخذ عليهم ميثاقهم، وارتهن عليهم انفسهم، اتم نوره، واكمل به دينه، وقبض نبيه (ص) وقد فرغ الى الخلق من احكام الهدى به} ان هذا القران لا يمكن ان نهتدي بهديه الا اذا اخذناه من مصدره الاول بعد الرسول الكريم (ص) الا وهو امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، فهو باب علم رسول الله (ص) وهو عيبة علمه، فكيف نريد ان نتعلم القران ونهتدي بهديه اذا تسورنا المدينة ولم ندخلها من الباب؟ كما فعل كثيرون عندما اخذوا القران من غير امير المؤمنين فتاهوا ولم يهتدوا، واضلوا كثيرا ممن خلق، اذا بهم يفسرون القران على اهوائهم ويفهمون آياته بغير ما انزل الله تعالى فتحولوا الى قتلة ومجرمين، يعيثون في الارض فسادا.

ملخص المحاضرة التي القيت في مركز الامام علي (ع) في العاصمة واشنطن، في الليلة التاسعة من شهر رمضان المبارك.


25 آب 2010


Opinions