الكفاءات العراقية ثروات مهدورة
لطيف القصاب/قضية الاهمال الذي تعاني منه شريحة الكفاءات العلمية في داخل العراق من الموضوعات التي اخذت حيزا كبيرا من اهتمامات النخب الثقافية، وماتزال حتى الان قضية واقعية تغري العقل بالبحث والنقاش، وما تزال في أكثر أطروحاتها – وهذا هو الشيء المهم - مبرأة من الانسياق وراء دوافع مصلحية بحتة.
ففي كل موطن من مواطن الخلل والقصور وسوء الادارة المستشري في كثير من الدول العربية والاسلامية ومنها العراق يقفز الى الذهن سؤال مرير يقول: لماذا يغيب الشخص المناسب عن مكانه المناسب ويحل محله من يزيد الامر تعقيدا والمشكلة تفاقما والسوء القديم سوءا جديدا؟
وامام هذا السؤال المطروق في كل لحظة تقريبا تنهال الاجابات من مختلف مراكز القوة والتأثير السياسي وتتعدد مقارباتها والياتها ولكن من غير ان تثمر عن علاج حقيقي يفضي الى وضع الامور في نصابها، أي من دون وضع الشخص المناسب في موقعه المناسب، إذ إن المناخ السياسي العام لما يزل بعيدا عن مرحلة تجاوز الأنانيات العمياء والانفتاح على فضاء الهموم العامة، فالفرق السياسية العراقية ما تزال في طور التناحر والتصارع وتسجيل النقاط بعضها على البعض الآخر وما تزال تمخر العباب في رحلة الشره الغنائمي، وبينها وبين الوصول الى شاطئ القناعة والرشد والالتفات إلى مشكلات الشعب ووضع الحلول السليمة لها أشواط بعيدة.
هناك من المسؤولين السياسيين من انفق وما يزال ينفق وقتا وجهدا ثمينين في مغازلة الكفاءات العراقية المقيمة في بلدان العالم المتقدم بحجة اغرائها بالعودة الى ارض الوطن، وهؤلاء المسؤولون يعلمون علم اليقين بان محاولاتهم في هذا الصدد لن يُكتب لها النجاح بملاحظة ان معظم هذه الكفاءات المهاجرة كانت قد ارتبطت مصيريا هي وعوائلها ومنذ امد بعيد باوطانها الجديدة ولم يبق في مخيلتها من وطنها السابق اي العراق سوى تاريخ حزين وحاضر بائس ومستقبل مجهول.
هؤلاء السياسيون المتنفذون يمارسون بغزلهم الابله هذا نوعا من انواع ذر الرماد في العيون وهي سياسة مبتذلة لابد ان يقروا في لحظة صدق مع الذات بمدى هوانها وخيبتها، وإنها لم تكن بأكثر من مناورة فاشلة المقصود منها الالتفاف على الحقيقة المتمثلة بجموع الكفاءات العراقية المهملة والمتواجدة على ارض الوطن والتي تتمنى سرا وعلانية لو انها تحظى يوما بشرف اداء خدمة لهذا البلد الذي عاشوا سراءه وضراءه ولم يغادروه طويلا لا طوعا ولا كرها وإنها كانت وما تزال في انتظار سنوح الفرصة التي تقف دونها عوائق سياسية واضحة لكل ذي عينين.
ليست القوى السياسية المتنفذة هي وحدها من تتحمل تغييب ابناء العراق الموهوبين عن مشهد البناء والتنمية، والمماطلة في منح الفرص لمستحقيها الحقيقيين من المواطنين. إن وسائل الإعلام بمختلف توجهاتها ما تزال تمارس عن قصد او بغير قصد جريمة حجب صور بعض العلماء المستقلين عن الرأي العام وعدم ايلائهم ما يستحقونه من نصيب اعلامي يضعهم في موقعهم المناسب من واجهة الاحداث. انها تمارس ظلما اعلاميا جائرا بحق النخب العلمية المستقلة ولا تتذكرهم – اذا تذكرتهم - الا بعد فوات الاوان.
واحدة من تلك الكفاءات الوطنية التي كان من الممكن – لو تهيأت لها الفرصة - أن تلعب دورا هاما على مستوى تصحيح مسارات الخلل في مفاصل البلد هو الراحل الفقيد الدكتور احمد باهض مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية. هذا الإنسان الكفء في تخصصه الدقيق (الاقتصاد) كان بمقدوره أن يؤدي دورا بارزا على صعيد الاصلاح الاداري والاقتصادي في العراق بشكل عام لو أن الجهات المسؤولة السياسية والاعلامية منها انتبهت الى ما كان يتمتع به من رهافة في الحس وميل للعمل التطوعي وقدرة فذة على تخطيط وتنفيذ الأفكار الكبيرة قبل أن تختطفه يد المنية غريبا وهو في ذروة البذل والعطاء.
ان ما يؤسف له بحق ان كفاءة الدكتور احمد باهض التي غيبت عن موقعها الذي تستحق لاتمثل الخسارة الوطنية الاولى او الثانية او العاشرة انها اشبه شيئا بالنزيف الذي له اول ولا يبدو ان له آخر.
* مركز المستقبل للدراسات والبحوث
http://mcsr.net