الكهرباء في مزاد الأنتخابات
لم يعد احد يصدق تصريحات المسؤولين في بغداد ، والتي تفتقر دائما الى الصدقية والشفافية ، فهي تصريحات تصب في خانة الدعاية للحزب الحاكم وتتسترعلى الأخفاق المريع للأداء الحكومي والفساد المستشري في مؤسسات الدولة - ان كانت ثمة دولة في العراق تستحق هذه التسمية حقاً - وتتحدث عن انجازات موهومة لا يلمسها المواطن العادي في حياته اليومية وعن وعود براقة يعرف أصحابها - قبل غيرهم - أنها لن تتحقق .
هل نسينا الوعود العسلية للمائة يوم التأريخية ؟ .وهل نسينا التصريحات الرنانة ان العراق سيصدر الكهرباء بحلول عام 2009 ؟ ، وان انتاج النفط سيتضاعف خلال بضع سنوات ؟ ولكن انتاج النفط في عام 2013 كان أقل من عام 2012.
العراق يعاني منذ سنوات من تدني القدرة الأنتاجية لمحطات توليد الطاقة الكهربائية وأهمال صيانة محطات التوليد والمحطات الثانوية وشبكات التوزيع .. والآن يأتي المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء مصعب المدرس ليعلن في بيان له اليوم " ان الوزارة ستقوم بتجهيز المواطنين بالتيار الكهربائي على مدى [24] ساعة بدءًا من الأسبوع المقبل. وان الوزارة تمكنت من تجهيز العاصمة بغداد والمحافظات الاخرى، بساعات كهرباء يومياً قدرها من [20] ساعة الى [24]، مقارنة بالعام الماضي الذي بلغت ساعات التجهيز في نفس الفترة بين [8] الى [12] ساعة يومياً".وبين ان هذا التجهيز جاء بالرغم من استمرار المواطنين بالاستهلاك المفرط للتيار من خلال استعمالهم المدافئ الكهربائية".
وأضاف المدرس ان "الزيادة في التجهيز بلغت [12] ساعة، حيث ان الوزارة لم تصل الى ذلك منذ سنوات"، مشيرا الى ان "إنتاج المنظومة الحالي بلغ [12100] ميكاواط، في حين بلغ الطلب على الطاقة [14100] ميكاواط".
هذا البيان - واترك جانباً ركاكة صياغته - زاخر بالمغالطات وأستخفاف بعقول المواطنين وتستر على واقع الكهرباء الأليم .
ولكي تكتمل الصورة لا بد ان نرجع الى الوراء قليلا ، ففي عام 1990 وقبيل اندلاع حرب الخليج الاولى ، كانت القدرة الانتاجية لمحطات توليد الكهرباء تصل الى (12000) ميغا واط بينما معدل الاستهلاك يصل الى ( 5800 ) ميغا واط مع حمل ذروة يصل الى( 7500 ) ميغا واط وبما يلبي احتياجات منظومة الاستهلاك لعدة سنوات قادمة .
وقد تعرضت محطات التوليد الى التدمير الجزئي لبعضها والكلي للبعض الآخر، ولكن الكوادر الفنية العراقية المؤهلة ، تمكنت من أصلاح كافة محطات التوليد ومنظومة التوزيع خلال فترة قياسية لا تتجاوز العام الوحد .
وكان العراق بعد توقيع مذكرة التفاهم مع الأمم المتحدة في عام 1996 ملزما بتقديم تقارير دورية كل ستة اشهر عن احتياجاته الى لأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 986، لعام 1995؛ المسمى برنامج النفط مقابل الغذاء ( (Oil for Food Program.وهو برنامج كان يسمح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة. وقد جاء في آخر تقرير قدمه العراق الى الأمم المتحدة في أواخر عام 2002 " ان انتاج الطاقة الكهربائية قد بلغ( 12000 ) ميغاواط ، وان الحاجة الفعلية تبلغ ( 15000 ) ميغا واط، ، اعد هذا التقرير في وقت كانت فيه مئات المنشآت الصناعية الحكومية و آلاف المصانع الأهلية تعمل وتنتج وتصدر الكثير من منتجاتها الى الدول الأخرى ، في حين ان كل تلك المنشآت والمصانع متوقفة الآن وقد تحولت الى ( خردة ) كما هو معلوم .
. لقد دأبت وزارتا التخطيط والكهرباء الحاليتين - كلما جرى الحديث عن مشكلة الكهرباء - على ترديد رقم آخر لأنتاج الكهرباء في العراق عند سقوط النظام السابق وهو (3409 ) ميغاواط. ويبدو ان من يحمل شهادة دراسية مزورة يسهل عليه تزوير الأرقام الواردة في وثائق رسمية وتقارير محفوظة في الوزارتين المذكورتين وفي الأمم المتحدة .
اما الأدعاء بأن القدرة الأنتاجية لمحطات التوليد حالياً تبلغ ( 12000 ) ميغا واط فهو مغالطة مقصودة من دون أدنى شك ، حيث ان ما يستورده العراق من دول الجوار يبلغ حوالي ( 1200 ) ميغا واط ونسبة الطاقة المفقودة عبر شبكات التوزيع تقدر بـ(3000 ) ميغا واط ، ما يجعل نسبة الطاقة الحقيقية لا تتجاوز ( 7800 ) ميغا واط في احسن الأحوال .
ادعاء وزارة الكهرباء بان أزمة الكهرباء قد أنتهت وولت الى غير رجعة ، تكذبه الحقائق على أرض الواقع . ففي اليوم نفسه الذي زفت فيه وزارة الكهرباء البشرى السارة الى الشعب العراقي بتجهيز الكهرباء على مدار ( 24 ) ساعة في اليوم ، أشتكى مجلس محافظة كركوك من تقليص حصة المحافظة من الطاقة الكهربائية بمقدار ( 150 ) ميغا واط ، كما نقلت ( شفق نيوز ) تصريحا للسيد اركان الطرموز ، عضو مجلس محافظة الأنبار ، يؤكد فيه إن "المحافظة تعاني من ازمة في الوقود، وأزمة في الكهرباء، وأزمة في المواد الغذائية".
ومن اجل الكشف عن عدم دقة الأرقام الواردة في بيان وزارة الكهرباء الأتحادية ، نقول ان انتاج الطاقة الكهربائية في أقليم كردستان يبلغ حاليا حوالي ( 3400 ) ميغا واط ، وهي لا تغطي الأحتياجات الفعلية لـ( 5 ) مليون نسمة ، هم سكان المحافظات الثلاث ، التي يتشكل منها اقليم كردستان حاليا ً ، فكيف يمكن لـ(7800) ميغا واط أو حتى ( 12000 ) ميغا واط ان يسد احتياجات بقية انحاء العراق ، التي يسكنها ما لا يقل عن ( 26 ) مليون نسمة.؟
ومن الواضح ان حكومة بغداد لم تكن لديها في السنوات السابقة ولا تمتلك اليوم خطة مدروسة لتلبية الأحتياجات المتزايدة الى الطاقة الكهربائية نتيجة للنمو السكاني .
بيان وزارة الكهرباء ضحك على الذقون ودعاية مكشوفة وأوهام في مزاد الأنتخابات البرلمانية وستكشف الأيام القادمة ، ان مصير هذا البيان لن يكون أفضل من البيانات السابقة حول تصدير الكهرباء ومضاعفة انتاج النفط وتوفير الخدمات واطلاق الأقمار الصناعية العراقية .
جودت هوشيار
jawhoshyar@yahoo.com