اللفظ الفصيح في الكلام الصريح
نقلت لنا اخبار الايام الغابرة ،ان مناظرة حول العقيدة المسيحية دارت بين الامير عبد الرحمن بن عبد الملك الهاشمي وبين احد الرهبان المسيحيين المدعو ابراهيم الطبراني في حدود العقد الثالث من القرن التاسع الميلادي،والمهم عندنا في المناظرة هنا ليس موضوعة المناظرة انما ما اورده الراهب حول مذاهب وشروط الكلام التي سنوردها بتصرف:1- من اهل الكلام من لا ينبغي ان يجاوبوا،واولئك هم الاخيار واهل العقل والحلم والتقوي،لان هؤلاء يستوجب الاصغاء اليهم والعمل بمشورتهم.
2- ومن اهل الكلام من ينبغي ان يجاوبوا ويناظروا اشد مناظرة ان كانوا اهل علم وعقل وفضل وعدل وانصاف واحتمال.
3 - ومن اهل الكلام من ينبغي ان لا يجابوا إتقاءً منهم،كونهم اهل ملك وسلطان او اهل
العجلة والضجر وقلة الصبر والاحتمال.
4- ومن اهل الكلام من لا ينبغي مجاوبتهم اصلا،بل يهملون لانهم اهل بدعة وضلالة وغش ومعصية ولعنة.
5- ومن اهل الكلام(وهذه فقرة من عندنا) من ينفه عنك بكلامه وينعش روحك ،وهؤلاء يسمع لهم دون الاخذ بكلامهم على محمل الجد.
وإذ اوردنا نصائح ذاك الراهب الجليل،اوردناها لنتبين حقيقة ومصداقية ما يرد به علينا من جعلنا في خانة خصومه(هذا ان لم نتجرأ ونقول اعدائه) فيما ذهبنا اليه من اراء فيما نكتبه، لتسهل علينا معالجة عقد خصومنا ومن ثم يتيسر علينا وصف الدواء الشافي لتلك العقد التي تبدو للناظر مستعصية، فنحن وجريا على خلق درجنا عليه منذ ان خطونا الخطوة الاولى في مضمار الكتابة حرصنا ان لا نورد معلومة لا نعرف كيف نسندها بدليل مادي او معنوي،ولا نأتي بخبر قبل ان نتدبر اصله ومدى صحته.
دأبنا في الفترة الاخيرة على الكتابة في الشأن القومي الاشوري تحت الاسم الذي يعرفه جل من نكتب لاجلهم،بعد ان كانت رحلة استعارة الاسماء قد اتعبتنا الى حد الاعياء كونها استغرقت عقودا طويلة من الزمن المضني،وخلال كل هذه المسافة الزمنية الطويلة نسبيا لم نهادن فلان او علان،انما كانت خطواتنا مستقيمة دائما،الا اننا حرصنا الحرص كله ان تكون انطلاقتنا بهذا الاتجاه من خلال المشروع الوطني العام الذي نرفض وبشدة تجازوه بغية تحقيق مصلحة دنيا على حساب المصلحة العليا للوطن،فقد حاولنا ان نقاوم الاحتلال الامريكي للعراق بشتى السبل الا العنف،لان ذلك يناقض العقيدة الاخلاقية التي نتمسك بها بقوة،لاننا منذ التعبئة الاعلامية للحرب التي شنتها الادارة الامريكية ضد الشعب العراقي كنا متيقنون ان الذرائع التي تسوقها هذه الارادة وتجتهد في اقناع البسطاء بها،ما هي سوى ذرائع كاذبة او على الاقل غير حقيقية،والغاية القصوى من احتلال العراق كانت تتجاوز اسقاط نظام الحكم والسيطرة على موارد العراق الاقتصادية،لان اسقاط صدام حسين كان دائما متاح وبخسائر بسيطة جدا،والدليل على ما نقول هو حرص الادارة الامريكية على اتاحة الفرصة لكل مجرم حاقد على العراق ارضا وسماءً وشعبا كي يعبث بمقدرات هذا الوطن الذي يمتد عمقه في رحلة الزمن الاف الدهور،ناهيك عن قيام الجيش الامريكي بفعاليات لا تتناسب واخلاق السوقة،اما ممارسات من جعلت الوصايا على العراق بيده،فليس ادل على قبحها من قيامه بأنشاء ما سميَ بمجلس الحكم،المجلس الذي فرض الفرقة القومية والدينية على ابناء الشعب العراقي،وحين ايقن هذا الجاني من امكانية تصالح الفرقاء في اية لحظة،قرر ان يدخل العراق في دوامة من العنف حتى كادت تلامس بدايات الحرب الاهلية لولا وعي الشعب وصموده امام مثل تلك النزوعات.
في مدن شمال العراق لم تسر الامور على النحو الذي سارت عليه في بقية انحاء الوطن،لان هذه المدن كانت اصلا خارج سلطة النظام السابق منذ 1991 بأستثاء احداث 1996 التي قام خلالها الجيش العراقي الباسل بطرد الايرانيين وعناصر الحزب الوطني الكردستاني ومنعهم من الاستيلاء على اربيل تحت راية جلال الطلباني(نقلت لنا وسائل الاعلام حينها كيف ان مسعود البرزاني قبل العلم العراقي الذي خط عليه صدام حسين عبارة الله اكبر بيده عشرات المرات قبل ان يسلمه الى احد امري الكتائب،كتعبير عن امتنانه للجيش العراقي الذي حرر اربيل ،وكان ذلك يوم 31-8-1996 ).
كما هو معروف ان الامريكان كانوا قد قرروا الاستغناء عن خدمات صدام حسين بعد ان كان الرجل قد خدمهم خدمة جليلة ،فقد انهك صدام حسين الاقتصاد العراقي خلال الحرب العراقية – الايرانية،تلك الحرب التي خاضها الطرفان بالنيابة عن الامبريالية،لا بل ان تلك الحرب ،قد رمت بظلالها على كل دول المنطقة،ولو استرجعنا نتائج تلك الحرب ،سنجد ان جميع شرائح المجتمع العراقي قد تضررت بها،الا ان الضرر اللاحق بالاكراد كان اقل بكثير لاسباب لا نظنها خافية على احد،وقبل ان يختم الامريكان قرار التخلص من صدام حسين بالشمع الاحمر،كان ما زال هناك قضية الكويت المعلقة التي لابد من حسمها،ورفع الستار ليبدأ المشهد الاول في تلك المسرحية السيئة الاعداد والاخراج والتمثيل ليسدل على مناظر جحافل القوات الحليفة وهي تطارد القوات العراقية في معركة اقل ما يقال فيها: انها غير متكافئة، ولتخرج الكويت دولة ذات سيادة والى الابد.
ان حق الشعوب في تقرير مصيرها فرضته ارادة السماء قبل الارض،فقد وهب الله آدم الحرية الكاملة لممارسة حياته كما يحلو له،لذلك لا يتدخل ويمنعه من الوقوع في المعصية،
اما فيما يتعلق بنا،فأننا لا يمكن ان نخالف ارادة الله اولا،كما لا يحلو في عيوننا ان نخالف ما اجتمعت عليه الانسانية ممثلة بنواميس حقوق الانسان ومبدأ تقرير المصير،خاصة ونحن ننتمي الى امة صغيرة تبلغ عدة ملايين،اي إننا نقر اقرارا نابعا من تمسكنا بكل ما يشد البشر الى بعضهم من اواصر المحبة والتعاون لخدمة الانسانية،بأن للشعب الكردي حقوقا لا تنقص عن حقوق اي شعب آخر على وجه هذه البسيطة،كما نبارك اي جهد يدفع بأتجاه وحدة الشعب الكردي،لكن اندفعانا هذا يستوجب ان لا نجعله يتحرك وفق تعاطفنا مع الكرد وننسى حقائق مهمة علينا وعلى غيرنا الانتباه اليها.
يتوزع جل الشعب الكردي اليوم على اربع دول رئيسية،هي تركيا،ايران،عراق وسوريا،وتقول جميع حقائق التاريخ ان الاكراد يمكن ان ننظر اليهم نظرتنا كشعب اصيل في تركيا(مقارنة بالاتراك) وايران(واذا تحققت نظرية الدعوة الميدية والفرثية،فأن معنى ذلك ان الاكراد والفرس هم من اصول عرقية واحدة) اما في العراق وسوريا فأن الشعب الكردي هو شعب وافد كأغلب القبائل العربية،وقد حقق الاكراد وجودا عدديا في مدن شمال العراق على حساب دفعهم للآشوريين بأتجاه الموصل وكركوك،ودليلنا على ما نقول هو انتشار اسماء القصبات والقرى الاشورية على اغلب مساحات مدن شمال العراق، التي بدلت الى اسماء كردية بعد تصاعد النفوذ الكردي في مدن شمال العراق،وقد لعب العامل الديني دورا شرسا في تحقيق ذلك،كون الاشوريون مسيحيين والكرد اسلام،وكانت فاتحة الهجرة الجماعية الاشورية من مدن شمال العراق(بعد مجازر سميل 1933 ) وخاصة اربيل ودهوك بعد اعلان التمرد الكردي المسلح في 1961 حين جعل الاشوريين بين مطرقة الحكومة المركزية ممثلة بالجيش والسندان الكردي ممثلا بالعناصر المتمردة،حيث اضطرت الاف العوائل الاشورية الى هجر بيوتها واللجوء الى الموصل وبغداد طلبا للامان،وهذا يعني:ان الاستيلاء على ارض الغير نتيجة لظرف ما لا يحلل الادعاء بملكية تلك الارض خاصة وان شواخص قبور ذلك الغير ما برحت حتى هذه الساعة قائمة شواهد على عدم عائدية هذه الارض للمحتل القادم من تركيا وايران،وننصح من يشكك بما نزعمه بالرجوع الى كتابات الاستاذ الدكتور عمر ميران ليتأكد من ان الاكراد لم يكونوا يوما شعبا اصيلا في العراق،والرجل كردي ويعتز بكرديته ولكنه لا يغمض عينيه عن الحقيقة التي يستقتل البعض اليوم من اجل تشويهها واخفائها خدمة لمشاريع فردية لا تتجاوز تحقيق طموحات عشيرة في احسن الاحوال.
التقينا يوم 15 تموز 2007 بأحد السادة الذين كتبوا عن مأسات الانفال وحلبجة التي راح ضحيتها عشرات الاف من ابناء الشعب الكردي الذين لم يكن لهم في الصراع الدائر بين الاحزاب الكردية ونظام صدام حسين ناقة او جمل،وحين سألنا الرجل عن مدى موثوقية الارقام التي اوردها كأعداد للضحايا، شعرنا ان الرجل احس ببعض الاحراج،وحين قلنا له ما الذي منعه من زيارة المناطق التي وقعت عليها مأسات الانفال ،تعلل الرجل بأعذار غير مقبولة البتة(الرجل حي يرزق) وحين حاولنا ان نستوضح منه عن مدى مصداقية وعلمية المصادر التي استقى منها معلوماته،اجاب الرجل بتردد:إنها مصادر كردية خاصة(احزاب كردية),وحين طلبنا منه مقارنة الاعداد التي يوردها بالاعداد التي تقول بها المنظمات العالمية المعروف عنها دفاعها عن الانسان كقيمة حضارية، وجدنا ان الرجل يحاول ان يدير وجهة الحديث نحو مسار آخر في محاولة مكشوفة للتملص من النقاش.
وإذ ننكر نحن ما تحاول القيادات الكردية الترويج له،هذا لا يعني مطلقا اننا نكره المواطن الكردي،لان هذا المواطن تعرض الى ما تعرض اليه غيره من المواطنين العراقيين،ونرفض رفضا باتا وقاطعا ان يكون لالام واحزان المواطن الكردي خصوصية على حساب بقية شرائح المجتمع العراقي،لا بل نطالب المواطن الكردي ان يرفض بشدة محاولات قياداته بتعبئة ضميره بحقائق مبالغ بها جدا،فالانسان العربي والتركماني والاشوري واليزيدي والشبكي وغيره ليسوا ولم يكونوا يوما اعداء للانسان الكردي،وما منع هؤلاء من رفض ممارسات النظام السابق بحق الشعب الكردي هو نفسه ما يمنع الانسان الكردي المنصف من رفض ممارسات قيادات الاحزاب الكردية بحق الاخرين اليوم،لاننا لا نجد في التجربة التي تمارسها هذه القيادات سوى نسخة مطابقة لممارسات صدام حسين وزادت عليها الكثير،ليتخيل المواطن الكردي ان الدولة العراقية قد تسمت بأسم عربستان كما يقول الاستاذ الدكتور عمر ميران؟ما هو شعور المواطن الكردي وقد فرض عليه اسم لا يمت اليه بصلة؟انا واثق انه سوف يجاهد من اجل اعلان رفضه لهذا الاسم،ولو طبقنا الحالة ذاتها على ما يجري على مدن شمال العراق،لماذا لا يكون من حق المواطن العربي والاشوري والتركماني واليزيدي والشبكي رفض ربط تاريخهم بتسمية غريبة عن المنطقة اصلا،لماذا تسمى مدن شمال العراق بكردستان؟ وما هو المسوغ التاريخي والعلمي الذي تستند عليه هذه التسمية؟
وعودة الى المقدمة التي سقناها في بداية حديثنا نقول لكل من يحاول ان يلصق بنا تهما نحن منها براء او يصفنا بصفات يأباها لنا كل من عرفنا نقول:وفق اي من مذاهب الكلام التي اوردناها آنفا تريدوننا ان نخاطبكم ياسادة؟كما يسرنا هنا ان نعلن وعلى الملأ: ان محاولة تركيع الكاتب الاشوري جوني خوشابا الريكاني تحت التهديد، ومحاولة اغتيال الكاتب المبدع كمال سيد قادر على يد عصابة تعمل في خدمة آل البرزاني(نقلت الاخبار ان قائد العصابة كان مسرور مسعود البرزاني)،سوف لن يثنينا عن المشوار الذي عزمنا ان نسيره واي كانت تضحياتنا،لأننا نؤمن ايمانا مطلقا :ان هذا الوطن لايصلح سوى ان يكون بيتا صغيرا يحس فيه كل العراقيين بالدفأ والامان.
اللهم اشهد اني قلت ما قلت من غيرتي على وحدة تراب هذا الوطن كما اغار على وحدانيتك،امين.
ياقـو بلـو
yakoballo@yahoo.co.uk