Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

المؤهلات العملية والمهنية وحدها لا تكفي ... «كلمة السرّ» للتخلّص من «كابوس» العنوسة

21/03/2006

الحياة-بيروت

«ما حققتِه علمياً بات كافياً.عليكِ الآن أن تفكري في أمر آخر»! فوجئت ندى بجواب والدتها هذا وهي التي طالما وجهتها ودعمتها للنجاح في دراستها حتى نالت شهادة «الماسترز» في إدارة الأعمال، عندما أبدت رغبتها في متابعة الدراسة لنيل الدكتوراه. وتوضح الأم لابنتها الحائرة السبب باختصار شديد: «لا أريدك أن تصبحي عانساً».

يعكس كلام الأم قلقاً واقعياً يصيب الأهل في مجتمعنا ما ان تبلغ الفتاة سناً معينة، ذلك أن هذا المجتمع لن يتوانى عن نعتها بالعانس متجاهلاً كل الإنجازات التي تكون حققتها في مجال العلم أو العمل... ما يركز عليه أساساً هو زواجها.

وكلمة عانس في قاموس اللغة العربية تعطي المعنى ذاته بالنسبة الى الفتاة أو الشاب. الفتاة العانس هي التي «طال مكوثها في بيت أهلها بعد ادراكها ولم تتزوج». والشاب العانس هو من «أسنّ ولم يتزوج».

لكن الاختلاف يطاول المعنى الاجتماعي لهذه اللفظة، فبالنسبة الى الشاب الذي «يحق له ما لا يحق للفتاة»، التأخر في الزواج هو دليل تروٍ وارتشاف لآخر قطرة من كأس العزوبية والحرية. انه «دون جوان» عصره يحظى بكل التفهم إذ يحقّ له أن يبني ذاته مهنياً واقتصادياً، ومن بعدها يفتش عن العروس المناسبة. لا يداهمه الوقت أبداً، يستطيع ان يتزوج في العشرين أو في الثلاثين أو حتى في الخمسين. لمَ العجلة؟

اما بالنسبة الى الفتاة، فالوضع مختلف كلياً، فالمعنى الاجتماعي لكلمة عانس مرتبط بأمرين: الاول، الدور الاساسي المعطى تاريخياً وبيولوجياً للمرأة وهو الانجاب وارتباطه الوثيق بحداثة السن. الامر الثاني، امتلاك الشاب زمام المبادرة في اختيار شريكة الحياة، هذا الحق الذي لا تمتلكه الفتاة على الأقل في شكل مباشر ما يفرض عليها التعويض بامتلاك مؤهلات جاذبة تشجع على السعي للتودد منها وبالتالي طلب يدها للزواج. واذا تأخرت في الفوز بالزوج المناسب، فُسّر الامر تلقائياً على انه افتقار الى المؤهلات الجاذبة كالجمال في الشكل والظرافة في الشخصية والنعومة والانوثة، وليس لرغبة ذاتية في عدم البت في هذا الامر خدمة لهدف آخر.

الانجاز الذي تحقق مع الوقت على هذا الصعيد هو العمر الذي يُدخل فيه المجتمع الفتاة مرحلة العنوسة. لعقود خلت كان بلوغ الفتاة سن العشرين مؤشراً ملحاً الى وجوب تحقيقها الخطوة النوعية في حياتها بالزواج لانه الاطار الوحيد لتحقيق أمومتها وهو الدور الاساسي المعطى لها اضافة الى هويتها الاجتماعية.

لكن الانخراط في الحياة العامة وحاجة المجتمع الى المرأة المتعلمة والعاملة وتحديد عدد الاولاد في الاسرة المعاصرة، أعطت الفتاة فترة سماح قد تطول حتى نهاية العقد الثالث لتحقيق الحد الادنى من المستوى العلمي والمهني، لكن من دون ان تتراضى وتنعم بعزوبية طويلة... ان حركة العمر بالمرصاد وكذلك حكم المجتمع فلا الشهادات مهما علا شأنها ولا الموقع المهني مهما ارتقى سنعفيها من الحكم عليها ذات لحظة، بأنها عانس.

ان خوف الفتاة من الوقوع في هذا الشرك، يدفعها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وتدني فرص الزواج، الى خيارات أقلّ ما يقال فيها انها غير صائبة ما يعزّز من نظرة المجتمع القاسية اليها.

إنها اذ تكتشف ان سنوات عمرها تجاوزت رقماً معيناً، تعمد الى التلاعب به وحذف سنوات منه كما انها تلجأ الى «التصابي» سواء في التصرف أم في المظهر الخارجي كوسيلة تمويه لحقائق العمر واستحقاقاته ولخداع من لا يرحم.

لكن لا شيء يخفى وتبدو هذه التمويهات نافرة لتؤكد نعت «العانس المتصابية» لها بدل ان تبعد سرّه عنها. وتقدّم فتيات كثيرات العديد من التنازلات على حساب المستوى الفكري والاجتماعي لتلقّف أول فرصة متاحة للزواج. لكن غالباً ما تكون نتائج هذا الاقتناص كارثية. هكذا وصفت نجوى تجربة زواجها الفاشلة. «لقد رضخت لإلحاح الأهل بضرورة الاسراع في الزواج قبل ان يفوتني القطار لأنني تجاوزت الثلاثين من العمر، علماً انني كنت سعيدة بحريتي وأمامي فرصة تدرج أكيدة في العمل. فقبلت بأول طارق من دون ان امنح نفسي الوقت الكافي للتعمّق بحظوظ نجاح أو فشل هذه الخطوة. كان هاجسي ألا أصبح عانساً هو المسيّر لقراري. وبعد مرور ثلاث سنوات من المعاناة الحقيقية انهار زواجي وخرجت منه بلقب مطلقة وبجرح عميق أصاب نفسي بالانكسار وبمسؤوليتي عن طفلة لا يتجاوز عمرها السنة».

لكن تهديد المجتمع بهذا «النعت» الجارح لا ينال من إصرار الكثير من الفتيات اللواتي قررن الافادة من كل الفرص التي يتيحها لهن العصر سواء في وجهه العلمي أم الطبي أم المهني. «أنا عازبة ولست عانساً» تقول رويدا وتضيف: «هذا ما اخترته لنفسي. ان ربط الزواج بعمر الانجاب بات أمراً تجاوزه الزمن. لقد بات الطب يتيح للمرأة أن تنجب حتى لو كانت في عمر الخمسين. إننا نرى إعجازاً في هذا المجال فلماذا لا نسخّره في مصلحتنا وليكفّ المجتمع لسانه عنا».

انها صرخات احتجاج مشروعة تطلقها الفتاة لتحصّن خياراتها الشخصية. ويعترف الجميع لها منطقياً بهذا الحق... لكن في لحظة التقويم الحقيقي، هذه الفتاة التي تجاوزت عمراً معيناً ولم تتزوج، بمعزل عن الظروف الذاتية والموضوعية وبمعزل عن النظرة الشخصية وإملاء الخيارات... عانس وبالمفهوم الاجتماعي للكلمة! Opinions